لندن-“القدس العربي”: حذر الكاتب المعروف في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس من الآثار السلبية لما سماها السياسة المتنمرة (البلطجة) التي يمارسها الرئيس دونالد ترامب ضد إيران. وقال إن الرئيس يبدو مقتنعاً من توصله لصيغة نجاح في السياسة الخارجية: مارس البلطجة ضد أعدائك وعاقبهم اقتصادياً واضغط عليهم بعد ذلك جاملهم واعقد معهم صفقات. وطبق هذه الصيغة مع كوريا الشمالية وحصل على قمة استعراضية في سنغافورة مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ- أون بوعد (مشجع ولم يتحقق بعد) وهو التخلص من السلاح النووي. وتبنى سياسة كلام حلو/كلام مر مع المكسيك وحصل في النهاية وبعد فترة من العبوس مع كندا حصل على اتفاقية للتجارة متواضعة ولكنها تعديل جيد على اتفاقية التجارة الحرة “نافاتا”. ويضيف أن الصين اليوم في حلبة المصارعة مع ترامب.
وبالنسبة لبكين فهذه منافسة محيرة، ففي مرة يقوم ترامب بفرض عقوبات مشددة على الصين وفي المرة الثانية يقول إنه صديق عظيم للرئيس شي جينبنغ. ويرى الكاتب أن هذه التكتيكات الفظة واضحة وما يثير الدهشة هو أن ترامب ينجو من تداعياتها. وعلى خلاف مباريات المصارعة العالمية الترفيهية التي يعشقها ترامب فمبارياته التي يقوم فيها مع الدول غير مرتبة وهناك هامش كبير لارتكاب أخطاء. وتظهر نجاحات ترامب أن البلطجة تنجح وإن على المدى القصير طالما كانت الجهة المتنمرة أكبر وأقوى من الذين يقوم بالتهكم عليهم.
ويشير إغناطيوس الى أن العدو المقبل إيران وقد تكون هذه من أهم الجولات وأكثرها إثارة حيث أرسل ترامب لكماته في الأمم المتحدة من خلال تعليقات خاصة وعامة. وتقوم الخطة على خنق الاقتصاد الإيراني لدرجة تدفع القادة الإيرانيين الى الصراخ “يا عم” وربما “يا عمنا سام” وبعدها يقوم بالتفاوض معهم على القضايا النووية والإقليمية بشكل يسمح لترامب بالزعم أنها اختراق كبير. ويضيف الكاتب أن ترامب أعلن عن سفينة القراصنة/قارب الحب في 25 إيلول (سبتمبر) أثناء اجتماع الجمعية العامة في نيويورك: “في الوقت الحالي نقوم بعمل أشياء كثيرة بما فيها العقوبات التي ستكون على مستوى هائل، ويجب على إيران تغيير نبرتها قبل أن أقابلهم. يريدون اللقاء. فلن أقابلهم حتى يغيروا نبرتهم.. واعتقد أنه لم يعد أمامهم خيار”. وفي تغريدة حاول فيها التملق لحسن روحاني، الرئيس الإيراني بشكل تجعل وجه هذا يحمر من الخجل “أنا متأكد من أنه رجل رائع”.
ويشير الكاتب الى أن ترامب يرمي تلميحاته لإيران منذ أكثر من عام. وقيل للكاتب أن أحد المسؤولين الأمريكيين نصح في أيلول (سبتمبر) 2017 الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن ترامب مستعد لمقابلة روحاني وسأل إن كان ماكرون مستعداً للمساعدة في ترتيبه. وفي هذه المرة سأل ماكرون الأسبوع الماضي ترامب ماذا يجب أن يقول للإيرانيين فكانت الإجابة “أنا مستعد للتفاوض معهم ولكن يجب أن يعانوا”. وكانت الرسالة الخاصة والعامة متشابهة. ويعلق الكاتب أن “دعهم يعانون” ستبدأ بشكل جدي الشهر المقبل حيث ستفرض عقوبات قاسية على إيران. وأعربت معظم الشركات السعودية أنها ستلتزم بالعقوبات حتى لا تعرض مخاطر عملياتها في السوق الأمريكي بما فيها شركة النفط الفرنسية العملاقة “توتال” وشركة السيارات بيجو التي لديهما استثمارات واسعة في إيران.
وفي الوقت الذي تقوم فيه أمريكا بالضغط على إيران اقتصادياً فإنها زادت من تشددها من الحروب بالوكالة في المنطقة. وبعد زهاء عام قررت الإدارة الحفاظ على فريق فاعل من قوات العمليات الخاصة في شمال شرقي سوريا والحفاظ على استقرار تلك المنطقة ومنع تقدم الإيرانيين. ويشير إلى أن التطورات الأخيرة في العراق حيث تتنافس إيران مع الولايات المتحدة تميل لناحية الغرب بعد تعيين رئيس جديد وتكليف رئيس للوزراء كي يشكل الحكومة بعد أشهر من الانسداد السياسي. ونقل الكاتب عن مسؤول أمريكي قوله إن الحكومة العراقية الجديدة تعتبر نكسة للجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس: “يفقد سليماني قبضته على العراق”. ففي الخمسة أشهر الماضية أنفق عشرات الملايين من الدولارات وأثار احتجاجات في البصرة ونظم تظاهرات في بغداد ضد الدبلوماسيين الأمريكيين وأطلق مقذوفات صاروخية ضد منشآت أمريكية “وكان يهدف إلى تنصيب مرشحين معادين للولايات المتحدة في المواقع القيادية ولم تنجح”. ويبدو ان ترامب يشعر بأنه سيطر على اللعبة الدبلوماسية وحقق بلا شك بعض الإنجازات إلا أن المدراء الماليين يحذرون من أن نتائج الماضي ليست ضمانة لأداء المستقبل. فمن جهة يريد الإيرانيون الهروب من العزلة إلا أنه من الصعب تخيل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الرضوخ لاستراتيجية ترامب ألكمهم/عانقهم والموافقة على صفقة معه. ومن المؤكد ستترك العقوبات الامريكية آثاراً مدمرة على الاقتصاد الإيراني وما هو غير معروف إن كانت ستؤدي لاستسلام أم تحولها الى دول فاشلة جديدة في المنطقة؟