لندن ـ”القدس العربي”:
كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن عددا من الدول التي قدمت تقارير تعهدت فيها تخفيف نسبة الانبعاثات الكربونية بمستويات عالية أقامت نتائجها على بيانات غير صحيحة. وفي تحقيق قام على تحليل لـ 196 تقريرا قدمتها الدول أظهر الفجوة بين ما أعلنت عنه الدول من الانبعاثات الكربونية وما ترسله الدفيئات إلى الجو.
خذ مثلا ماليزيا التي قدمت للأمم المتحدة تقريرا من 285 صفحة اقترحت فيه أن أشجار الغابات الماليزية تمتص كربونا بمعدل أربع أضعاف من الغابات في الجارة إندونيسيا. وسمح هذا الزعم لماليزيا لإنقاص 243 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون من بياناتها في عام 2016 أي نسبة 73% من الانبعاثات في الحد الأدنى.
وكشف التحقيق أن الفجوة بين ما قدم وما هو واقع أدى إلى استبعاد 8.5 مليار طن في الحد الأدنى إلى 13.3 مليار طن في الحد الأعلى من انبعاث الغاز وهي نسبة كافية لتحريك عقرب الساعة حول الاحتباس الحراري للكرة الأرضية. وتقول الصحيفة إن الخطة لحماية الكرة الأرضية من التغيرات المناخية تقوم على البيانات، ولكن البيانات التي يعتمد عليها العالم غير دقيقة. وقال البرفسور روب جاكسون من جامعة ستانفورد، ومدير المشروع العالمي للكربون “لو لم تقدم حالة الانبعاث اليوم فلن نعرف أنك تقوم بتخفيض الانبعاثات بشكل جوهري وواضح”. و “الجو هو في النهاية الحقيقة وهو ما نهتم به. والتركيز من مادة الميثان والغازات المنبعثة من الدفئيات هو ما يؤثر على المناخ”. وفي النقطة المنخفضة، فالفجوة كبيرة في الانبعاثات السنوية من الولايات المتحدة. وفي النقطة العليا، فهي تقترب من الانبعاثات من الصين التي تسهم بنسبة 23 % من مساهمة البشرية في الاحتباس الحراري.
وترى الصحيفة أن مؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية أو كوب26 يعتبر الأكبر الذي تعقده الأمم المتحدة، ولكن المشكلة هي أن الأرقام المستخدمة لمساعدة الجهود الدولية للحد من انبعاث الغاز من الدفيئات معيبة أو غير صحيحة. وهذا يعني أن التحدي هو أكبر مما اعترف به قادة العالم. ويقول فيليب سيه، الباحث الفرنسي في مختبر المناخ والعلوم البيئية “في النهاية، سيصبح كل شيء فانتازيا” و “لأنك ستشاهد تباينات واسعة بين ما يقدم وما ينبعث”. ويقوم مؤتمر الأمم المتحدة بجمع التقارير من الدول ويشرف على تطبيق اتفاقية باريس عام 2015 التي اتفق فيها قادة العالم على تخفيف الانبعاثات. وترى الأمم المتحدة أن الفجوة التي حددتها “واشنطن بوست” مرتبطة “بتطبيق أشكال مختلفة من المعايير وعدم التناسق في نطاق توقيتها، أي بين الدول النامية والدول المتطورة”. وعندما سئلت المنظمة الدولية حول معالجة الفجوة، أجاب المتحدث باسمها ألكسندر سير إنها تواصل العمل على تقوية طرق إعداد التقارير و “نعترف بالحاجة لعمل المزيد بما في ذلك العثور على طرق لتقديم الدعم للدول النامية وتحسين مؤسساتها وقدراتها الفنية”. وتتكون الفجوة من كميات هائلة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون والميثان بالإضافة إلى كميات أصغر من الغازات الاصطناعية، وهي نتاج قواعد للعمل مشكوك بها وعدم تقديم البيانات الكاملة في بعض الدول وأخطاء متعمدة.
واعتمدت “واشنطن بوست” على قاعدة بيانات عن أرقام الانبعاثات من الدول التي قدمتها للأمم المتحدة في أكثر من شكل. ومن أجل تجاوز مشكلة غياب البيانات، أستخدم الصحافيون نموذجا يقدر الانبعاثات التي ربما قدمتها كل دولة في 2019 ثم مقارنة الرقم الإجمالي مع البيانات العلمية التي يقاس من خلالها حجم الانبعاثات من الدفيئات. ووجد التحليل أن نسبة 59% من الفجوة نابع من طريقة الدول في حساب الانبعاثات من الأرض، وهو مجال مهم يسهم في التغيرات المناخية. فالأرض قد تمتص الكربون مع نمو النباتات وتخزنه التربة أو يمكن أن ينبعث للجو مع قطع أشجار الغابات أو حرثها وتجفيف المستنقعات الغنية بالجفت وتبدأ بإطلاق كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون. والأمر المثير للجدل هو محاولة دول تجاهل الانبعاثات من الطاقة الأحفورية والزعم بأن الكربون تمتصه الأرض داخل حدودها. وتسمح قواعد الأمم المتحدة لكل من الصين وروسيا والولايات المتحدة طرح نصف مليارات الأطنان من الانبعاثات بهذه الطريقة، وقد تسمح في المستقبل لهذه الدول ودول أخرى مواصلة إطلاق كميات من الانبعاثات والزعم أنها وصلت إلى “درجة صفر”. وبعبارات أخرى، فالفجوة ناجمة عن عمليات الطرح التي تقوم بها هذه الدول في أرقامها. ويقول العلماء إن على هذه الدول الحديث عن انخفاض الانبعاثات من الدفيئات عندما تقوم باتخاذ إجراءات وليس الحديث عن عودة نمو الغابات التي لا علاقة لها بالسياسات الوطنية. فقد أطلقت ماليزيا في 2016 422 مليون طن من الانبعاثات الناجمة عن الدفيئات، مما وضعها في المرتبة 25 من الدول التي تطلق الانبعاثات. ولأنها زعمت أن غاباتها تمتص كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون، فقد ضمنت فقط 81 مليون طن وأقل من الدول الأوروبية مثل بلجيكا.
ووجد تحقيق الصحيفة أن انبعاثات الميثان تمثل ثاني أكبر حصة غائبة من الغازات المنبعثة من الدفيئات في بيانات الأمم المتحدة. ووجد التحقيق أن ما بين 57- 76 مليون طن من الميثان الذي يتسبب به البشر ينطلق إلى الجو. ويساوي هذا 1.6- 2.1 مليار طن من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. وتشير تقارير الدول أنها تقوم بالتقليل من غاز الميثان في تقارير سواء كان منبعثا من النفط أو قطاع الغاز. ويقترح العلماء في الاتحاد الأوروبي أن عمليات التقليل السريع من غاز الميثان قد تنقص الحرارة العالمية بمعدل 0.2 درجة مئوية بحلول عام 2050. ووقعت أكثر من 100 دولة على تعهد الميثان العالمي، وهي مبادرة أطلقتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولم تنضم بعد عدد من الدول التي تطلق كميات كبيرة من الميثان مثل الصين وروسيا.
وبحسب منظمة الطاقة الدولية فروسيا هي أكبر دولة ينبعث منها الميثان. وهناك اليوم أقمار اصطناعية متقدمة تدور حول الأرض وقادرة على اكتشاف الانبعاثات المتسربة. وتعتبر الغازات المفلورة والناجمة بشكل كامل عن النشاطات الإنسانية غائبة عن تقارير الدول. وهي غازات تستخدم في مكيفات الهواء والثلاجات وصناعة الكهرباء. وقالت فيتنام في تقريرها إن انبعاثات الغازات المفلورة تناقصت في الفترة ما بين 2013- 2013 إلى 23 ألف طن معادل لثاني أوكسيد الكربون. وترى الصحيفة أن التباين في البيانات نابع من الاختلاف في القوائم المستخدمة في عملية إعداد البيانات للدول النامية وتلك التي تستخدمها الدول المتطورة. وهذه الدول هي المسؤولة عن معظم الانبعاثات من الدفيئات ويطلب منها كل عام تقديم تقارير أما الدول النامية فليس مطلوبا منها هذا وهو ما أثر على طبيعة التقارير المقدمة للأمم المتحدة.
وتقدم الصين، أكبر مصدر للانبعاثات تقارير كل خمسة أعوام. ولم تقدم إيران، التي تعد من 10 دول في قائمة الدول المسؤولة عن الانبعاثات تقريرا منذ 2010، ولم تقدم قطر، أكبر منتج للغاز تقريرا عن انبعاثاتها من 2007 وكذا الجزائر التي قدمت آخر تقرير لها عام 2000. ولم تقدم ليبيا التي تعاني من حرب وأكبر منتج للنفط تقارير أبدا، وكذا تركمنستان التي تعد منتجا للغاز والنفط فلم تقدم تقارير منذ 2010، مع أنها حملت مسؤولية انبعاثات الميثان في السنين الأخيرة. وطرحت أستراليا أرقاما ملموسة من تقريرها فيما يتعلق بانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناجمة الحرائق الهائلة والتي ساءت بسبب التغيرات المناخية.