لندن- “القدس العربي”: كتب مراسل صحيفة “واشنطن بوست” سودارسان راغفان عن الجرائم الجماعية التي ارتكبت في مدينة ترهونة، وأرفق مقاله بصور مؤثرة التقطها المصور لورينزو توغنيلي. وقالت إن رجال عصابة الكانيات عندما اختطفت عبد العلي الفالوس وأولاده الأربعة كان للعائلة أسباب عدة للتعبير عن الخوف.
فعند ذلك الوقت قتلت عصابة الكانيات عددا من المدنيين وربما المئات في ترهونة ومعظمهم قتل من مسافة قصيرة وهم معصوبو الأعين ومقيدو الأيدي والأرجل. ولم يتحرك أحد ليوقف ممارسات العصابة أو يحاسبها. وليس الحكومة المعترف بها دوليا حتى عامين ولا أمير الحرب المتمرد خليفة حفتر الذي وجد أرضية مشتركة مع الميليشيا واستخدمها كنقطة انطلاق لهجومه الفاشل على طرابلس، ولا الأمم المتحدة التي كانت تحاول دعم الحكومة خلال السنوات الماضية.
وبدأت التقارير عن الميليشيا تظهر في بداية 2017 وكانت معروفة للسلطات الحاكمة والنواب الليبيين والأمم المتحدة وغيرها، وذلك حسب ناشطي حقوق الإنسان ومحققين سابقين في الأمم المتحدة. ولم يكشف عن حجم مذابح الكانيات إلا في الأسابيع القليلة الماضية، فلا يمضي أسبوع إلا ويتم الكشف عن جثث متحللة من التربة الحمراء في مزرعة حرودة، مما يزيد الأدلة عن جرائم الحرب التي ارتكبها الأخوة من عائلة الكاني الذين شكلوا عصابة مسلحة لتركيع ترهونة.
وحتى الآن تم استخراج 120 جثة، كما يقول إلياس الحمروني، مدير لجنة المقابر الجماعية في وحدة الطب الشرعي بوزارة العدل. وامتلأت المقابر بالجثث الجديدة التي اختفت لعام أو عامين. وقال كمال أبو بكر رئيس الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين إن أول ما اكتشفته الهيئة هي مقبرة جماعية لنساء وأطفال و”كان أمرا مثيرا رؤية عدد كبير من المفقودين من نفس البلدة. وفي ثقافتنا فأنت لا تعذب أفرادا من عائلتك أو حيك أو أناسا من نفس المجتمع، وما شاهدناه في ترهونة لا يمكن وصفه إلا بالمذبحة”.
وأضاف أن فريق التنقيب يعتقد أن هناك 17 مقبرة جماعية في البلدة. وأبلغت أكثر من 350 عائلة عن مفقودين من أقاربهم إلى مكتبه.
وقال عمدة بلدة ترهونة محمد الكشر “لسوء الحظ لم تتدخل الحكومات المتعاقبة لوقف جرائم الميليشيا” و”لو أردوا لتخلصوا من الكانيات ولكن الحكومة غضت الطرف عن جرائمهم مقابل عمل ما تطلبه منهم الكانيات”.
وتم العثور على الفالوس وأولاده في شباط/ فبراير حيث دفنوا معا. وقامت العائلة بفتح بيت عزاء بعد أسبوعين حيث تذكر أفرادها كيف جاء أفراد الكانيات بزيهم المعروف وشارتهم إلى البيت في نيسان/ إبريل العام الماضي واعتقلوا فالوس وأبناءه البالغة أعمارهم 16، 15 و8 أعوام. وفصل أفراد العصابة الأولاد عن والدهم الذي أخذ لزعيم العصابة، أما الأبناء فقد طلب منهم مواجهة بستان وأطلق النار عليهم باستثناء الأصغر.
وقال معاذ الفالوس، 9 أعوام “لقد رأيت أخوي وهما يسقطان أرضا” و “بدأت بالبكاء”. وحاول الهروب لكن أفراد العصابة أمسكوه وأخذوه إلى زعيمهم الأصلع بعصابة سوداء على واحدة من عينيه. وأخبره أنه ظل على قيد الحياة كتحذير. وشد الرجل رأس معاذ وقال له “هل ستقاتل الكانيات عندما ستكبر؟” فأجاب الولد “لا”.
وأنشأ سبعة أخوة العصابة من أجل ترهيب ترهونة بطريقة تعتبر خارقة للعادة بمقاييس العنف في ليبيا، واحتفظ أحدهم بعدد من الأسود لكي يخيف المواطنين.
وقبل سقوط معمر القذافي لم يكن أحد قد سمع بعائلة الكاني وأبنائها، فقد كانت عائلة فقيرة تعيش في بيت من طابقين في البلدة المعروفة بحقول الزيتون، جنوب العاصمة، طرابلس. وفي ذلك الوقت كانت البلدة حافلة بالموالين للقذافي، بمن فيهم أبناء من عشيرة الكاني الذين همشوا الأخوة مما ترك لديهم مرارة وحسدا، حسب سكان البلدة. وعندما بدأت الثورة شعر الأخوة أن فرصتهم قد حانت. ويرى جليل الحرشاوي، الباحث الليبي في المبادرة الدولية ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود، أن الأخوة رحبوا بالفوضى. و”أعطتهم غيوم الحرب الفرصة لتصفية الأحقاد التي تعود لما قبل عام 2011 وباستخدام القوة الغاشمة”.
وقاموا مع الإطاحة بالقذافي وقتله في 2011 بتصفية الحسابات مع رجال القبائل وقتل عدد منهم. مما عزز سمعة الأخوة لدى الجماعات المضادة للقذافي والثقة بهم لمواجهة الموالين للديكتاتور وتأمين ترهونة. لكن الإخوة كاني عززوا من سيطرتهم على البلدة وأرعبوا سكانها. وتحول الأخوة السبعة بعد عدة سنوات إلى ميليشيا تعد بالمئات حسب ناشطين ومواطنين في البلدة.
الإخوة كاني عززوا من سيطرتهم على ترهونة وأرعبوا سكانها وتحولوا بعد عدة سنوات إلى ميليشيا تعد بالمئات
وسيطرت الكانيات على الشرطة ووحدات الجيش داخل البلدة وأثروا أنفسهم بفرض الضريبة على مهربي الوقود والبشر. وجمعوا إتاوات من أصحاب المحال الصغيرة مقابل الحماية وصادروا عددا من الشركات حسب شهادات من عمدة البلدة ومواطنين فيها. ثم حصلوا على مصدر للدخل من الحكومة المعترف بها دوليا، بعد دعمهم لها، وأطلق على مجموعتهم الكتيبة السابعة لأنها سيطرت على طريق مهم للعاصمة، وهو ما أعطاهم مظهر السلطة الرسمية.
وفي نيسان/ إبريل 2017 قامت عصابة الكانيات بمداهمة بيت عائلة المبروك، وقتلت العصابة واحدا منها وهو سليمان المبروك لرفضه الانضمام لها. وتقول أم هنا أبو كليش، أخت سليمان، “قتلوا كل الرجال” و”خافوا من انتقام إخوتي لمقتل سليمان” ولهذا قتلوهم. أما دوافع مقتل الفالوس فقد تكون عديدة، فقد كان يملك محل صرافة وثريا له تأثير في المجتمع. وسرق أفراد العصابة سيارة مرسيدس خاصة به وسيارة سوف. وبعد ذلك سرق محله، كما يقول عبد الرحمن المبروك صهر الفالوس.
وخافت عائلات المفقودين من الإبلاغ عن الحالات خشية الانتقام، ولكن بعضها تجرأت على تقديم طلبات للمدعي العام كما يقول العمدة الكشر. ويضيف الحرشاوي “لا يعرف حجم القتل ولكن قام البعض بالإبلاغ عن القتل”. ويملك أحمد حرودة المزرعة التي تم استخراج الجثث منها. وأخبره جيرانه أنهم رأوا أضواء في الليل وسماعهم تراكتورات وصوت الحفارات.
وفي بداية 2017 قام حرودة بإبلاغ مكتب المدعي العام ومكتب رئيس الوزراء ووزارة الداخلية كما قال قادة القبائل ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة. وقال حرودة “أخبرتهم عن المزرعة وقتل الكانيات والاختفاء” و”لم يحدث أي شيء”. وتقول حنان صلاح الباحثة في منظمة هيومان رايتس ووتش إن المسؤولية الأولى لجرائم الكانيات تقع على كاهل حكومة الوفاق الوطني والتي “غضت الطرف على ما يبدو عن وحشية وجدية هذه الانتهاكات”. ويجب ألا تتوقف المسؤولية عند هذا الحد و”السؤال الذي يجب طرحه إن كان يجب الوصول إلى مجلس الأمن سريعا”.
وقال محقق سابق في الأمم المتحدة لم يكشف عن اسمه إن حكومة الوفاق “كانت تعرف” بانتهاكات الكانيات. وقال محقق سابق آخر إن العلاقة بين حكومة الوفاق وسكان ترهونة كانت متوترة، نظرا لوجود عدد من المتعاطفين مع القذافي فيها، وكانت الحكومة تحاول تجنب استفزاز سكان البلدة وهو “ما يفسر الموقف السلبي للسلطات في طرابلس”.
وقال مسؤول بارز سابق في حكومة الوفاق الوطني إن الحكومة تتحمل مسؤولية جرائم الكانيات، إلا أن الميليشيا لم تكن تابعة بشكل كامل للحكومة. ولم يقدم المجتمع الدولي الدعم الكافي لمواجهة الكانيات. واعترف المسؤول أن الحكومة لم يكن لديها الاستعداد لمواجهة العصابة نظرا لأهمية ترهونة و”كانت هناك منفعة متبادلة”. وقال وزير عدل حكومة الوفاق الوطني أكرم الكروان إن الحكومة ليست مسؤولة عن الجرائم، وهي وظيفة المدعي العام ووزارة الداخلية.
ورغم الجرائم استمر مسؤولو الحكومة وموظفو الأمم المتحدة بزيارة ترهونة، مما أعطى انطباعا أن الكانيات يحظون بدعم رسمي، حسب الكشر و”كانوا يعرفون بما حدث لكنهم اختاروا غض الطرف”. وقال المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة إن طريقة عرض الأمر ليست صحيحة، فحوار الأمم المتحدة مع جماعات مسلحة لا يعني منحها شرعية. وأكدت أن الأمم المتحدة تابعت منذ 2017 جرائم الكانيات ووثقت انتهاكات حقوق الإنسان في ترهونة.
وقالت إن التقارير التي أصدرتها البعثة حول ما يجري في البلدة أثارت اهتمام السلطات في ليبيا ومجلس الأمن الدولي. وأضافت أن الأمم المتحدة دعت حكومة الوفاق الوطني لاحترام مبادئ قانون حقوق الإنسان الدولي. وفي نيسان/ إبريل 2019 حولت الكانيات ولاءها للجنرال خليفة حفتر ووضعت رجالها تحت إمرته. واتخذ قادة حفتر ترهونة مركزا لهم.
وزادت عمليات القتل والتغييب في هذه الفترة. ويقدر الكشر أن الميليشيا قتلت حوالي ألف مدني، ثلثاهم قتلوا في الـ14 شهرا الأخيرة عندما دخلت الميليشيا تحت إمرة حفتر. ولم يرد متحدث باسم حفتر على أسئلة الصحيفة. وقتل اثنان من الأخوة كاني وهما محسن وعظيم أما بقية الأخوة بمن فيهم قائدا الميليشيا محمد وعبد الرحيم فيعتقد أنهم في أجدابيا.
وفشلت الجهود لمعاقبة الأخوة في مجلس الأمن، وطلبت الولايات المتحدة وألمانيا تجميد أرصدتهم لكن روسيا قالت إنها لن توافق قبل مشاهدة الأدلة. وفي الصيف الماضي استطاعت قوات الحكومة هزيمة مقاتلي حفتر ودخلت ترهونة حيث سمحت للمواطنين الانتقام، فقد قصف بيتهم وحرق ومصالحهم التجارية بما فيها مركز تسوق وقتلت الأسود وشوهت صورة لمحسن الكاني في واحد من مراكز الاعتقال. وتذكر الناجون ما تعرضوا له من تعذيب في المركز التابع لوزارة الزراعة وحوله الإخوة لسجن.
كانت عصابة واحدة تحكم ليبيا قبل الربيع العربي!
لكن الوضع تغير بعد القذافي إلى الأسوأ!! ولا حول ولا قوة الا بالله