لندن- “القدس العربي”:
لماذا لن ينسى العالم القتل المرعب لجمال خاشقجي؟ يجيب المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” فرد هيات، قائلا إنه بعد عام على مقتل كاتب العمود المساهم جمال خاشقجي في “واشنطن بوست” على يد فرقة قتل تم إرسالها بناء على أوامر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هناك أدلة تقترح أن السعوديين توقعوا التحايل على العدالة واختفاء ذكرى جمال من الذاكرة.
لكن لا، ففي العصر الرقمي من دورة الأخبار السريعة فالذاكرة قصيرة. وبعد أخبار مريعة للغد ينسى الناس أخبار اليوم، علاوة على أخبار الأسبوع. ومن هنا فأي شخص يبحث عن طرق لمراوغة المحاسبة على عار ارتكبه يستطيع الاعتماد على كم من الأخبار التي تبث للمساعدة. وهو ما فعله السعوديون في البداية، حيث أنكروا أي معرفة عن مكان وجود جمال. وعندما أصر المجتمع على أجوبة من السعوديين قالوا إنه كان ضحية فعل “مارق”.
وتشير التقارير إلى أنه بعد أشهر من الجريمة، أكد محمد بن سلمان لزعيم ومدبر العملية أنه سيعيده إلى الدائرة المقربة منه بعد اختفاء موجة الغضب التي أعقبت وفاة جمال. و”يجب على محمد الانتظار طويلا، فلن يتلاشى الغضب حول جريمة قتل جمال ببساطة” ولعدة أسباب يجب أن يتردد صداها بين الأمريكيين على مشاربهم السياسية.
الأول: الطبيعة الشيطانية للجريمة، فقد تم التغرير بجمال إلى قنصلية السعودية في اسطنبول للحصول على أوراق تتعلق بزواجه من خطيبته التركية التي انتظرته أمام بوابة القنصلية، ولم تكن تعلم بوجود 15 من القتلة يكمنون له في الداخل. ولم يكن جمال قادرا على مواجهة 15 شخصا وحيدا. فهذه التفاصيل الرهيبة لا تزال حاضرة في ذاكرة الرأي العام.
الثاني: لن ينسى الناس زعيم دولة حليفة للولايات المتحدة وتحظى بدعم ضخم منها، يأمر بقتل شخص مقيم في الولايات المتحدة ويعمل في صحيفة أمريكية. فهذا العدوان الوقح هو جزء من أشكال الوحشية من جانب محمد بن سلمان. ففي عمر الـ34 عاما قام بتوطيد سلطته عبر شن حملة لإسكات المعارضين وسجن 200 من قادة رجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون وسجن وعذب الناشطات المطالبات بالحريات الأساسية. وقام بخطف وسجن رئيس وزراء دولة ذات سيادة وشن حربا مدمرة في اليمن. وأن يظهر حليف للولايات المتحدة تجاهلا صارخا لقِيَمنا وألا يتوقع تداعيات، فهو يعطي صورة عن الطريقة التي ينظر فيها للولايات المتحدة اليوم. فالقلق من تراجع الموقف الأمريكي عالميا لن يختفي.
وهذا مرتبط بالسبب الثالث الذي يجعل من الهجوم على جمال خاشقجي حيا في ذاكرة الرأي العام. وهذا متعلق بالرد الأمريكي، فبعد مقتله لاحقت إدارة دونالد ترامب صفقات أسلحة محتملة مع السعوديين بدلا من حشد شجاعتها والدفاع عن قيمة حرية الصحافة وحقوق الإنسان. وعندما يتخلى رئيس الولايات المتحدة عن “مبادئنا لأن طاغية يكتب شيكات كبيرة يشعر الأمريكيون بالغضب وخيبة الأمل”، والأمريكيون ليسوا الناس الوحيدين الذين يراقبون، فالأنظمة الديكتاتورية حول العالم تراقب، فالرد العقيم من الولايات المتحدة يعطي إشارات للرجال الأقوياء حول العالم أن باستطاعتهم ترويع شعوبهم أو السخرية من الولايات المتحدة دونما خوف من المحاسبة.
الرابع: من الصعب نسيان الطريقة التي تجاهلت فيها إدارة ترامب وكالة “سي آي إيه” والأمم المتحدة والكونغرس. ورغم ما توصلت إليه “سي آي إيه” من نتيجة مفادها أن محمد بن سلمان هو الذي أمر بعملية القتل، إلا أن البيت الأبيض تجاهلها. وفي تقرير المقررة الخاصة في قضايا القتل خارج القانون بالأمم المتحدة، قالت إن الولايات المتحدة تجعل نفسها طرفا فيما ينظر إليه خطأ في العدالة، ودعت مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي أي) للتحقيق، ولم يتم التحرك. ولا تزال الإدارة تتجاهل مطالب الكونغرس لتنفيذ قانون ماغنتسكي وإعلام المشرعين بنتائج التحقيق الذي قامت به حول قتلة خاشقجي ولا يزال الكونغرس ينتظر.
ولا يحب الأمريكيون رؤية تجاهل الإدارة لمؤسسات الحكومة وفروعها المهمة، فهذا يقلل من قيمة التضحيات التي يقوم بها الرجال والنساء الذين يخاطرون بحياتهم كل يوم من اجل جمع معلومات تحمي البلد.
الخامس: ستظل ذكرى قتل جمال أبدية لأن آثارها طويلة المدى، لأننا سنحرم من القصص التي كان سيكتبها وسنظل جاهلين عن الفساد الذي كان سيكشفه والبطولة التي كان سيمدحها والرؤية التي ربما قدمها. ولهذا فلا يمكن نسيان قصة جمال، ولو نسيت فسينجح قتلته في التهرب من العدالة، ولن يكون جمال آخر ضحية يقتلها محمد بن سلمان. وسنشعر بالراحة أن جمال سيكون في تفكيرنا يوم 2 تشرين الاول/ أكتوبر، ولسنوات قادمة. ونأمل أن يكون للولايات المتحدة والسعودية قيادة أحسن ومن طبقة أفضل، حيث سيتم النظر إلى مقتل جمال على أنه نقطة تحول. وربما كان لحظة بدأت فيها السعودية تفهم عواقب وحشيتها وعندما تعلمت أمريكا الدرس للدفاع عن قيمها، بعد أن يكون البلدان قد اكتشفا الحرية وحقوق الإنسان واحترام الحقيقة.
أكيد …أكيد ….أكيد …..