لندن – “القدس العربي”:
وصفت وزارة الدفاع الأمريكية أفغانستان مرة بأنها “السعودية ولكن بالنسبة لليثيوم”، ولكن منافسي الولايات المتحدة هم من سارعوا لكي يستفيدوا من جبال البلد واستغلال مناجمه من المادة التي تعتبر مكونا مهما في السيارات الكهربائية.
وفي تقرير أعده جيري شيه ولورينزو توغنولي قالا إن سيد ولي ساجد قاتل الأمريكيين ولعدة سنين في التلال الجرداء والسهول الخصبة لنهر بيتش والذي كان واحدا من أكثر المسارح المميتة في الحرب الأمريكية التي استمرت 20 عاما، لكن لم يربك هذا القائد في حركة طالبان، مثل الأجانب الذين وصلوا الواحد بعد الآخر منذ نهاية 2021. وقال إنه شاهد أجنبيا مرة يتجول في مسار قرب معاقل تنظيم الدولة الإسلامية، وفي مرة أخرى شاهد خمسة من الرجال وامرأة وهم يفتشون عن شيء لم يعتقد السكان المحليون أنه ذو قيمة. وقال “الصينيون كانوا هائلين.. في البداية، لم يخبرونا عما يريدون، ولكنني شاهدت الفرح في عيونهم ورغبتهم وعندها فهمت معنى كلمة ليثيوم”.
وقامت وزارة الدفاع الأمريكية مرة بدراسة مسحية قام بها الجيولوجيون التابعون للحكومة الأمريكية، وتوصلوا إلى أن مادة الليثيوم والمعادن الثمينة المدفونة في أفغانستان تقدر بحوالي تريليون دولار، وهي كافية لدفع البلد الهش. وفي عام 2010، وصفت وحدة المهام الخاصة لعمليات التجارة والاستقرار التابعة للبنتاغون وقامت بفحص إمكانيات التنمية في أفغانستان بأن البلد هو “السعودية لليثيوم”، وبعد عام نشرت وكالة المسح الجيولوجي الأمريكية خريطة تحدد مواقع الليثيوم وركزت على حجم الثروة المخفية تحت الأرض، حيث قالت إن أفغانستان “يمكن أن تعتبر المصدر الرئيسي والأول في العالم لليثيوم”.
وفي تحول غريب، فإن طالبان التي طردت الأمريكيين هي التي تريد أن تستفيد من الثروة المعدنية هذه، في ظل تزايد الإقبال على السيارات الكهربائية، حيث يعد الليثيوم المكون الرئيسي في بطارياتها. وبحلول عام 2040 ربما زاد الطلب على ليثيوم بأربعين ضعفا من مستويات 2020، وذلك حسب وكالة الطاقة الدولية. ولا تزال أفغانستان طالبان معزولة وعرضة لسلسلة من العقوبات بسبب حقوق الإنسان وبخاصة حقوق المرأة والإرهاب. لكن الثروة الهائلة من الليثيوم قد تحبط محاولات الغرب الضغط على طالبان لكي تغير طرقها.
وفي غياب الولايات المتحدة من أفغانستان، فإن الشركات الصينية هي التي تموقع نفسها لكي تستفيد من عائدات الليثيوم في البلد، بشكل يجعل الصين مسيطرة على المعادن التي تحتاجها المركبات الكهربائية. وتعتبر زيادة الطلب على الليثيوم جزءا من محاولات البحث عن أنواع من الحديد لصناعة المركبات الكهربائية والتي تعتبر مهمة في عمليات التحول نحو حماية البيئة. إلا أن عمليات البحث عن النيكل والكوبالت والمنغنيز دائما ما تأتي بتداعيات غير محسوبة، مثل التسبب بالأذى للعمال والمجتمعات المحيطة بالمناجم والبيئة.
وفي أفغانستان تبدو هذه التداعيات جيوسياسية، وهي إمكانية إثراء طالبان المرفوضة وفتح المجال أمام الصين لتقوية موقعها في التنافس الدولي.
ومع سقوط كابول في آب/أغسطس عام 2021، شهد سوق الليثيوم ازدهارا كبيرا، حيث ارتفعت قيمته بثمانية أضعاف ما بين 2021 و2022، بشكل جذب مئات رجال الأعمال والمستثمرين لأفغانستان. وتكشف مقابلات مسؤولين من طالبان ورجال أعمال صينيين والوسطاء لهم عن حالة ذعر تشبه عملية التدافع للبحث عن الذهب في أمريكا بالقرن التاسع عشر.
وجاء رجال الأعمال الصينيون الذين ملأوا فنادق كابول وتسابقوا في البحث عن الليثيوم في داخل البلاد. وحدد مدراء الشركات الصينية مواعيد للقاء قادة طالبان من أجل الحصول على حقوق التنقيب. واعتقلت سلطات طالبان رجل أعمال صينيا قيل إنه هرب ألف طن من ليثيوم من ولاية كونار عبر باكستان إلى الصين.
وأوقف المسؤولون في طالبان عمليات التنقيب والتجارة في المادة لغرض التفاوض مع الشركات والحصول على تنازلات، وينظر للصينيين بأنهم المرشحون المفضلون. وحتى بعد الحصول على العقود إلا أن استخراج الليثيوم لن يتم إلا بعد سنوات نظرا لتحديات جلبه إلى السوق. فلا توجد طرق تربط الجبال الغنية بالمادة في كونار ونورستان ببقية المناطق في أفغانستان، إلى جانب وجود الليثيوم وبكميات كبيرة في تشيلي وأستراليا.
وما هو مهم هو أن أفغانستان تشهد فترة تحول بعد عقود من الحرب، حسبما يقول المسؤولون الصينيون والأمريكيون وطالبان. وطالما ظلت أفغانستان منبوذة في الغرب، فلربما دفعتها الضرورة نحو الصين.
وقال بول برينكلي، مساعد وزير الدفاع الأمريكي الذي أشرف على وحدة المهام الخاصة لعمليات التجارة والاستقرار في عالم بديل، “ربما ولدت مشاريعنا فرص عمل وموارد وخلال سنوات، بحيث شكلت القاعدة الاقتصادية وقوت الشعب الأفغاني وساعدته على حكم نفسه” وبدلا من ذلك “فالشركات الصينية هي التي تنقب عن الليثيوم لتغذية شبكات الإمداد والذي تبيعه في النهاية للغرب، في عالم لا يوجد فيه ما يكفي من الليثيوم”.
وقال نصر أحمد صافي الذي يعمل ويعيش قرب نهر بيتش إن الأمريكيين أطلقوا على المنطقة “وادي الموت”، في إشارة إلى فتحة وادي كورينغال، وإلى جانبه هناك أسوار عالية لقاعدة نانغلام العسكرية، والتي كانت أبعد نقطة عسكرية، حيث تحولت لأثر عن الوجود الأمريكي السابق. وأشار صافي إلى أكوام الصخور اللبنية، التي تقطع خلال التنقيب عن الكونزيت عالي الجودة، لكن الصحيفة أشارت إلى أن الجيولوجيين، يعرفون أن النفايات هي خام الإسبودومين، الحامل لليثيوم. ونقلت عن ممثل لعمال المنجم قوله: “لم يعرف أحد قيمة مخلفات الكونزيت، حتى بدأ رجال الأعمال الصينيون في الوصول”. “لقد كانوا متحمسين، ثم تحمس الجميع”.
وتذكر صافي أن عددا من رجال الأعمال الصينيين اشتروا كميات كبيرة من المواد الخام قدر ما يستطيعون، ونقلوا شاحنات محملة في الطريق المليء بالحفر بسبب القنابل. وقام صينيون آخرون بفحص الصخور بآلة قياس الطيف وعبروا عن شك بوجود كمية كافية من الليثيوم على قاعدة صناعية.
وقالت الصحيفة إن الجيولوجيين السوفييت أعلنوا ولأول مرة في الستينيات، عن وجود رواسب كبيرة من الليثيوم في صخور كبيرة مزينة بالكريستال تسمى بيغماتيت على طول سلسلة جبال هندوكوش، وبعد الغزو الأمريكي في عام 2001، قامت فرق المسح الجيولوجي الأمريكية التي تعمل كجزء من فرقة عمل البنتاغون، تحت مرافقة مشاة البحرية، بالعمل في البحيرات جنوب أفغانستان ذات القشرة الملحية، حيث وجدوا أن نسبة الليثيوم عالية جدا لدرجة أنها تنافس رواسب المياه المالحة في تشيلي والأرجنتين، وهما من أكبر منتجي الليثيوم في العالم.
وبحلول عام 2030، عندما ستصبح نسبة 60% من السيارات في الصين وأوروبا والولايات المتحدة كهربائية، فعندها سيواجه العالم نقصا في ليثيوم، كما يقول هنري ساندرسون، المحرر التنفيذي لبنتشمارك مينرال انتلجنس، وأضاف ساندرسون أن “قطاع الليثيوم في الصين في وضع لا يحسد عليه حقًا، إنهم يسيطرون على المعالجة، ولديهم مواد ومصانع البطاريات، لكن سلسلة التوريد بأكملها ستنتهي، إذا لم يكن لديك مواد خام لتغذية الآلة الصناعية، لهذا السبب هم ذاهبون إلى أفغانستان. إنهم بحاجة إلى تأمين أكبر قدر ممكن”.