لندن ـ “القدس العربي” ـ إبراهيم درويش:
ويرى آدم تيلور في “واشنطن بوست” في مقال تحت عنوان “سياسة ترامب الخارجية: اشتر الآن وادفع غدًا” وأن من بين إعلانات ترامب الأخيرة ظل موضوع نقل السفارة الأمريكية تحت الرادار ويجب أن لا يكون كذلك. فنقلها هو تحرك تاريخي مهم ويحمل احتمالات تفجير بتداعيات إقليمية. ولكنه يعطي صورة عن المبادئ التي ترشد سياسة ترامب الخارجية: الإعلان عن سلسلة من قرارات السياسة الخارجية لإرضاء قاعدة ترامب والتسبب بصداع دبلوماسي طويل ومشاكل طويلة الأمد. ويمكن أن نطلق عليها: “اشتر اليوم وادفع غدا” وهي عبارة تناسب قراراته حقيقة ومجازاً. ففي حالة القدس أكد ترامب على أنه يستطيع بناء سفارة جديدة بكلفة جيدة وبناء على ذكائه التجاري. فقد كرر في مناسبة إلكارت – إنديانا يوم الخميس أنه خفض كلفة بناء السفارة في القدس من مليار دولار إلى 400.000 دولار. ويبدو كلامه صحيحاً لو نظرت إلى كلامه على المدى البعيد فنقل السفارة إلى القنصلية الأمريكية في القدس الغربية يكلف 400.000 دولار حسب لافدي موريس وروث إغلاش. والمبنى مؤقت لحين بناء مقر جديد للسفارة بكلفة مليار دولار ويقتضي عشرة أعوام لبنائه أي بعد انتهاء فترة ترامب في الحكم.
ويرى الكاتب أن مفاخرة ترامب في خفض كلفة بناء أو نقل السفارة كعامل في سياسته الخارجية مع أنه يسيء تقدير الثمن السياسي الكبير لقراراته. ويقول إن ترامب جاء مثل غيره من الرؤساء الأمريكيين بوعود للعمل الجاد ومدخل جديد من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني “صفقة القرن” كما وصفها والتي ستحقق في النهاية السلام الدائم. وبدلاً من ذلك لم تكشف الإدارة عن خطتها للسلام ورفض الفلسطينيون الحديث مع نظرائهم الامريكيين منذ إعلان ترامب عن نقل السفارة في كانون الأول (ديسمبر) 2017. وتزامن نقل السفارة مع إحياء الفلسطينيين لذكرى النكبة. وتدور التظاهرات بشكل أسبوعي قرب السياج الحدودي احتجاجاً على نقل السفارة الأمريكية وولادة إسرائيل. وفي إشارة أخرى الى فقدان أمريكا مصداقيتها كعراب محايد في العملية السلمية بشكل يصعب التوصل إلى حل سلمي.
وقد تستمر المشكلة لسنوات طويلة وتتصدى لها إدارة أخرى. وفي الوقت الحالي حصل ترامب على الثناء الذي يريده في إسرائيل والولايات المتحدة. ولا يقتصر تفكير ترامب الضيق الأفق على القضية الفلسطينية بل وعلى خروجه من الاتفاقية النووية التي يقوم النقاد إنه أعلن عن انسحابه منها بدون خطة بديلة أو “خطة ب”. وتحدث المفكر السياسي الفرنسي برونو تيرتي في تغريدة الأسبوع الماضي بعد مقابلته عدداً من مسؤولي إدارة ترامب البارزين “شاركت في اجتماع خاص مع مسؤولين بارزين في إدارة ترامب يوم أمس، ولم أسمع شيئاً يجعلني أفكر أن هناك خطة طويلة الأمد أو استراتيجية”. وربما حصل لخطة ترامب إجراء محادثات مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ- اون نفس المصير. ومن المتوقع مقابلته لنظيره الكوري في 12 حزيران (يونيو) المقبل في سنغافورة حيث سيمنح هذا تغطية تلفزيونية جيدة لصالحه. إلا أن الصفقة الحقيقية مع كوريا ربما انتهت بطريقة فوضوية. فلن تتعلق فقط بنزع أسلحة كوريا الشمالية النووية ولكن الدعم الإقتصادي لها والضمانات الأمنية وقضايا أخرى. وكما لاحظ الكثيرون فإن الإتفاقية مع كيم لن تكون أفضل من اتفاقيات سابقة مع كوريا الشمالية بل ومثل الاتفاقية الإيرانية التي عبر ترامب عن مقته لها. وهناك مخاوف من أن تكون الإتفاقية مع كوريا أسوأ من تلك التي وقعها سلفه مع إيران عام 2015. وجاءت نتاج سنوات من المحادثات الطويلة إلا أن ترامب لم يظهر نوعاً من الصبر او الإهتمام بدقائق الأمور الدبلوماسية. فلو وقعت واشنطن صفقة متعجلة مع كوريا الشمالية فإنها تخلق مشاكل للأيام المقبلة.
ويرى تيلور ان اندفاع الرئيس في قراراته نابع من محاولته استرضاء قاعدته الانتخابية، على أمل تعزيز قاعدته والحصول على تغطيات إعلامية جيدة وتمييز نفسه عن بقية الرؤساء. وهو ليس وحيداً في هذا التفكير فأكاديميون مثل بول مسغريف ودان نيكسون يرون أن مسؤولي السياسة الخارجية في أمريكا يعيشون منذ سنوات استقطاباً سياسياً بشكل أصبح فيه تحقيق الإجماع بشأن أي اتفاق دولي أمراً صعباً، بشكل خلق وضعاً يعطي الرؤساء القادمين الفرصة لإلغاء قرارات واتفاقيات سابقة. صحيح أن البعض يتحدث عن محاولة باراك أوباما تحقيق إجماع طويل الامد بشأن قراراته إلا أن مدخلاً يقوم على رؤية ضيقة تحمل مخاطر لتحويل السياسة الخارجية إلى عملية “العين بالعين” والتي أصبحت شعار المرحلة في واشنطن أو “إذا اشتريت اليوم فادفع غداً” بشكل يجعل من الفاتورة التي ستدفع لاحقاً أكبر مما نتصورها.