لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته سامنثا شميدت، قالت فيه إن كل أمريكا اللاتينية تدعم لاعب المنتخب الأرجنتيني الأسطورة ليونيل ميسي، وليس منتخب الأرجنتين.
وورد في تقرير شميدت من العاصمة الكولومبية بوغوتا، أنه عندما جاء موضوع الأرجنتين، حرك جيمي بيكريرا عينيه، مثل بقية الأمريكيين اللاتينيين، فالنمطية عن البلد في جنوب أمريكا اللاتينية خاصة مشجعي الكرة فيها، يتناقلها الأبناء جيلا بعد جيل عن الآباء والأجداد، بمن فيهم عائلة بيكريرا، سائق سيارة أوبر البالغ من العمر 35 عاما. وقال إن الأرجنتينيين يعتقدون أنهم أعظم من بقية سكان القارة. وفي كرة القدم لا أحد يتحملهم. ولكنّه غيّر رأيه في كأس العالم الحالي، فهو يدعم الأرجنتين، على الأقل من أجل ميسي. وقال بيكريرا: “لقد حان الوقت كي يفوز بواحد” أي كأس العالم، فهو “ليس لاعبا عظيما… ولكنه يبدو رجلا عظيما، ولا يبدو أرجنتينيا”.
وكل القارة اليوم تحشد قواها لدعم البلد الذي تعودت على كراهيته. والسبب هو عدم وجود خيارات غير الأرجنتين، فلم تشارك كولومبيا وتشيلي وبيرو في مونديال هذا العام، ولم تتأهل لا المكسيك أو الإكوادور ولا كوستاريكا أو الأوروغواي، وخرجت البرازيل من ربع النهائي.
ولم يكن قرار القارة اللاتينية دعم الأرجنتينن حاملة اللقب مرتين، سهلا. فلطالما قسمت الأرجنتين سكان أمريكا اللاتينية، مثيرة مزيجا من الضيق والإعجاب والحسد. ولكن ميسي البالغ من العمر 35 عاما وفي آخر ظهور له بمباريات كأس العالم على الأرجح، حطم المواقف المتشككة من بلده في القارة على العموم.
وقالت المذيع الكولومبي أنطونيو كاسيل: “يبدو أن الناس لا يعرفون ماذا يفعلون… لا يريدون انتصار الأرجنتين، ولكنهم يريدون انتصار ميسي”. وترى الصحيفة أن هذه المشاعر المختلطة تمتد أبعد من الرياضة، كما يقول مؤرخ الرياضة في جامعة بوينس أيريس، مارتين بيرغيل: “تناقض في مكان ما بين الافتتان والتنافر”.
ويكره الكثير من الأرجنتينيين النمطيات التي تصورهم وتقوم على تبسيط كاريكاتيوري، وأنهم أثرياء مغرورون من سكان بوينس أيرس “بورتينو”، وهو تصوير يتم السخرية منه في الأرجنتين نفسها.
ومن الصعب تتبع أصل الصورة، إلا أن بيرغيل يشك بأنها تعود للقرن التاسع عشر، وللأرجنيتي البارز دومينغو فاوستينو سارمينتو، الرئيس الذي يعود إليه الفضل في تحديث نظام التعليم في البلد، والذي كان “مغرورا” و”كانت لديه نظرة بعيدة حول ما يجب أن تكون عليه الأرجنتين”.
ومع بداية القرن العشرين، أصبحت الأرجنتين قوة اقتصادية وأكثر ثراء من كندا، وكانت بوينس أيرس مركزا للثقافة والفكر، وتقارن نفسها بلندن وباريس، وقدمت رموزا من راقص التانغو كارلوس غارديل، والمعماري سيزار بيلي، والكاتب المعروف خورخي لويس بورجيس. وتم النظر للأرجنتين بأنها الأكثر بياضا من بين دول أمريكا اللاتينية. ومقارنة مع البرازيل، التي تبنت من الناحية الخطابية على الأقل، التعددية الثقافية، فقد ظل يُنظر للأرجنتين بأنها بُنيت وهيمن عليها البيض من أصول أوروبية (وهي صورة تفشل بالنظر لسكان البلد الأصليين والمستيزو”. واليوم تعيش الأرجنتين وسط أزمات اقتصادية وسياسية، فقد أدينت نائبة الرئيس كريستينا فريناديز دي كريشنر، بالفساد هذا الشهر، وحُكم عليها بالسجن مدة ست أعوام، ولم تعد الأرجنتين تقدم صورة عن زمنها الذهبي، إلا أن النمطيات لم تختف، خاصة في وقت المباريات الكروية الدولية، فالبلد أخرج الأسطورة دييغو مارادونا وميسي في منافسة دائمة مع البرازيل، عملاق القارة اللاتينية الكروي، وأنجح فريق في تاريخ مباريات كأس العالم وحاملة اللقب خمس مرات. ويلعب فريقا البلدين مع بعضهما البعض بشكل سنوي، وتعرف المباراة بـ”سوبركلاسيكو دي لاس أمريكاس”.
وفي عام 2014، عندما تأهل الفريق الأرجنتيني لكأس العالم في ريودو دي جانيرو، لم يتخل المشجعون عن فخرهم وفرحتهم وهتفوا “برازيل، أخبرينا ما هو شعورك”، و”أن يكون والدك في بيتك”، ولم يكن مدهشا أن لا تجد الأرجنتين أي دعم من المضيفين البرازيليين في ذلك العام.
وقال بريان وينتر، محرر مجلة “أمريكان كوارتلي”: “كان من المستحيل فوز الأرجنتين بكأس على التراب البرازيلي”، و”اعتقدوا أن الأرجنتينيين لن يطاقوا لعقود أو قرون مقبلة، وسيظلون يحومون فوق رؤوسهم”. إلا أن الوضع كما يقول وينتر هذه المرة “مختلف”، ولاحظ زيادة في الدعم للأرجنتين خاصة ميسي، وعلى أمل أن يقوم فريق “الألبيسلستي” بجلب كأس العالم إلى جنوب أمريكا، بعد أربع دورات من الفوز الأوروبي. وقال: “التضامن يبدو قويا بشكل يتجاوز المخاوف، وأن الأرجنتين ستظل تتفاخر وتظهر نفسها السيد على الجميع لعقود قادمة”.
وفي واحدة من الدراسات المسحية، وجدت أن البرازيليين اختاروا الأرجنتين كفائز محتمل بكأس العالم في قطر لو لم تستطع بلادهم الفوز باللقب. ووصفت صحيفة إسبانية الاستطلاع بأنه تعبير “عن قاعدة جماهيرية لم يتصورها أحد”. وقال المعلق غوغا تشاركا في تلفزيون “غلوبال نيوز” البرازيلي، والذي عاش سنوات في الأرجنتين ولديه كلب اسمه ميسي: “ليس عن الأرجنتين.. ولكن عن ميسي””. وعلق قائلا: “إلى جانب عبقريته الرياضية، فهو رجل عادي، ورأسه دائما للأسفل، وكأن كل الأرجنتين فوق ظهره”. وهناك حقيقة أخرى وهي أن فرنسا هزمت البرازيل ثلاث مرات، واحدة منها في نهائيات كأس العالم. وكانت البرازيل هي آخر بلد فاز بكأس العالم في دورتين متتاليتين، 1958 و1962 بقياد بيليه. ولا يريد البرازيليون رؤية “الزرق” أبطال 2018 وهم يحققون نفس الرقم.
ولكن الدعم العام لميسي وجد من يرفضه في أماكن أخرى، فقد اعتقد إليزير بوداسوف في مكتب صحيفة “إلبايس” الإسبانية في المكسيك، أنه سيجد دعما للأرجنتين عندما لعبت مع هولندا، وكان مخطئا. وعندما سجل الأرجنتينيون هدفهم الأول، كان بوداسوف الوحيد الذي قفز من مقعده في حانة بمكسيكو سيتي واحتفل. وعندما ذهبت المباراة لركلات الترجيح، أمسك به صديق وقال: “دعنا نخرج من هنا.. لم يكن من أجله فلربما تعرضت للضرب”. وحاول بوداسوف إقناع زملائه في مكتب مكسيكو سيتي لدعم الأرجنتين بنجاح قليل، وتقول المصورة ومحررة الفيديو كارولينا ميجا، إنها مع فرنسا، فالفريق الأرجنتيني “مغرور” و”يلعب بطريقة فردية”.
ومع ذلك، ففي عموم أمريكا اللاتينية فمباراة الأحد هي عن رجل واحد. وسأل رجل في محل بيع قمصان ببوغوتا: “كم ثمن قميص ميسي؟”، فقد باع جون فرنانديز، قمصان الرياضة في العاصمة الكولومبية منذ 13 عاما، لكنه لم ير إقبالا على القمصان المخططة بالأبيض والأزرق وباسم ميسي على الخلف. وهو يدعم كولومبيا عندما تلعب في كأس العالم، وإلا فهو يدعم البرازيل “حذرون مثلنا”.
ولكنه شعر أن عليه دعم الأرجنتين هذه المرة، ففوز ميسي سيكون جيدا للتجارة في فترة الكريسماس، وستختفي قمصانه من الرفوف. ولكن ماذا يعني فوز الأرجنتين، “من سيكون قادرا على تحملهم عند ذلك؟” يقول سائق أوبر بكيريرا، وهز رأسه قائلا: “ربما ندمت على دعم الأرجنتين”.