“القدس العربي”: تناولت صحيفة “واشنطن بوست” في مقال رأي للكاتب ديفيد اغناطيوس، الجمعة، كواليس ما حدث مؤخرا في الأردن وملف “الفتنة” والعلاقة مع “صفقة القرن” الفاشلة.
وقال الكاتب إنه كان لدى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حلما مذهلا بـ “صفقة القرن” الدبلوماسية للسلام العربي- الإسرائيلي التي من شأنها أن توحد حليفيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. إلا أن تلك الصفقة لم تتم.
العاهل الأردني تعرض للضغط لأنه لم يقدم تنازلات بشأن وضع القدس والقضايا الأخرى التي تمس الفلسطينيين
ويوضح الكاتب أن جزءا كبيرا من ذلك يعود إلى أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لم يخضع للضغط ولم يقدم تنازلات بشأن وضع القدس والقضايا الأخرى التي تمس الفلسطينيين. وجاءت مقاومته بثمن إذ “اهتزت مملكة عبد الله على مدى السنوات العديدة الماضية، بتشجيع من كبار القادة السياسيين في الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية”.
ويوضح اغناطيوس أن مشاكل العاهل الأردني ظهرت على الملأ في أوائل أبريل/ نيسان ، عندما اعتقلت قوات الأمن التابعة للملك ثلاثة أردنيين بارزين اشتبه في تآمرهم لزعزعة استقرار نظامه: الأمير حمزة، ولي العهد السابق الذي رعته والدته المولودة في أمريكا لتولي العرش، والشريف حسن بن زيد، أحد أقارب الملك وزعيم قبلي قوي، وباسم عوض الله، الوزير الأردني السابق الذي أصبح من المقربين من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وكان المدعي العام الأردني قد أحال التهم الموجهة ضد بن زيد وعوض الله إلى محكمة أمن الدولة في 2 يونيو/ حزيران، لكن لم يتم الكشف عن التفاصيل علناً.
ويقول الكاتب إن تقريرا استقصائيا أردنيا حول القضية، أطلعنا عليه مسؤول استخبارات غربي سابق مطلع، يزعم أن أفعال المتآمرين “لا ترقى إلى حد الانقلاب بالمعنى القانوني والسياسي، لكنها كانت محاولة لتهديد استقرار الأردن وتحرض على الفتنة”.
المؤامرة “لا ترقى إلى حد الانقلاب بالمعنى القانوني والسياسي، لكنها كانت محاولة لتهديد استقرار الأردن وتحرض على الفتنة”
ويتابع التقرير الأردني: “كان عوض الله يعمل على ترويج صفقة القرن وإضعاف موقف الأردن وموقف الملك من فلسطين والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس”.
ويتابع الكاتب أن الاضطراب الأردني فاجأ المراقبين، الذين اشتبه بعضهم في أن الملك عبد الله كان يبالغ في رد فعله على سياسة الأسرة. لكن إعادة صياغة القصة بعناية، والتي تم جمعها من مصادر أمريكية وبريطانية وسعودية وإسرائيلية وأردنية ، تُظهر أن الضغط على الملك كان حقيقيا وكان يتزايد منذ أن بدأ ترامب في الدفع من أجل خطته للسلام، مع نتنياهو وبن سلمان.
ويقول اغناطيوس إن جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، احتضن نتنياهو وبن سلمان – لكن العداء المتزايد تجاه الملك عبدالله ازداد. يقول مسؤول كبير سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية: “رأى ترامب أن الملك كان عائقا أمام عملية السلام”. وبينما لا يبدو أن ترامب ونتنياهو وبن سلمان كانوا يعملون للإطاحة بالملك، فإن أفعالهم أضعفته بشكل واضح وشجعت أعداءه.
كانت حملة ترامب لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل على أشدها، وقد أسفرت عن ما يسمى باتفاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب. لكن الجائزة التي أرادها ترامب وكوشنر أكثر من غيرها، لقد كانت المملكة العربية السعودية، وتمهيد الطريق، حاولوا تقويض الأردن، لعقود من الزمن، أحد أقرب الحلفاء العرب للولايات المتحدة.
“لا يبدو أن ترامب ونتنياهو وبن سلمان كانوا يعملون للإطاحة بالملك، فإن أفعالهم أضعفته بشكل واضح وشجعت أعداءه”
تحولت الرياح الآن: غادر ترامب منصبه، ويبدو أن نتنياهو في طريقه للخروج. لقد عاد الأردن، ويقول مستشارو الملك عبد الله إنه سيزور البيت الأبيض هذا الصيف، وهو أول زعيم عربي يلتقي شخصيا مع الرئيس جو بايدن. بن سلمان في مأزق مع إدارة بايدن ولا يزال ينتظر مكالمة هاتفية أو دعوة رئاسية.
يقول الكاتب إن هذا الوصف لمؤامرة القصر مستمد من مناقشات مع 10 مسؤولين حاليين أو سابقين لديهم معرفة مفصلة بالأحداث هناك. طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لوصف معلومات استخباراتية حساسة حول واحدة من أضخم المؤامرات المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.
وفي قلب هذه القصة، يضيف الكاتب، تقع القدس، حيث تدين الملكية الهاشمية في الأردن بالكثير من شرعيتها لدورها كوصي على المسجد الأقصى، وقد وصف العاهل الأردني حماية المسجد بأنه “خط أحمر” للأردن، ولكن على مدى السنوات الثلاث الماضية، شعر الملك عبدالله أن ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان كانوا جميعاً يحاولون إبعاده عن هذا الدور.
واصل كوشنر الضغط لتنفيذ خططه في الشرق الأوسط حتى آخر يوم لترامب في البيت الأبيض
وواصل كوشنر حتى آخر يوم لترامب في البيت الأبيض في كانون الثاني الضغط من أجل تحقيق اختراق من شأنه أن يسمح لمحمد بن سلمان المتردد والسعودية بالتطبيع، ووفقاً للعديد من المسؤولين المطلعين، بحلول ذلك الوقت، كان الأردنيون قد جمعوا ملفاً يحتوي على رسائل تم اعتراضها من “المتأمرين المزعومين”، والتي تؤكد أنها أظهرت “تحريضاً ضد النظام السياسي” و”أعمال من شأنها إثارة الفتنة”.
وأشار الكاتب إلى أن الملك عبدالله ورث عن والده الملك الحسين، صاحب الشخصية الجذابة، الذي نجا من مؤامرات انقلابية ومحاولات اغتيال وألعاب قوة من جيرانه، نفس الحاجة إلى التوازن الدقيق في التعامل مع المحيط، وقال إن الملك عبدالله سرعان ما أصبح محبوباً لدى الغرب، مع زوجته الأنيقة ذات التفكير الحر، الملكة رانيا، وكان رمزاً للقيادة الشابة الحديثة المنحازة للغرب في العالم العربي، كما جسد الآمال في تجمع للسلام والإسلام المعتدل في الشرق الأوسط.
وكانت علاقات عبدالله مع السعودية أكثر تعقيداً، كما بدأت مكانة العاهل الأردني كأفضل صديق للولايات المتحدة في العالم العربي بالتغيير مع صعود محمد بن سلمان، والحديث للكاتب، الذي أشار إلى أن بداية بن سلمان كان ملفتة للنظر في الغرب، وخاصة فيما يتعلق برؤية 2030 لتحديث المملكة وتحركاته لتقليص نفوذ المؤسسة الدينية السعودية.
وتسارعت وتيرة عربة بن سلمان عندما أصبح ترامب رئيساً في عام 2017، وجعل الرياض محطته الأولى في الخارج، ووصف ترامب بن سلمان بأنه مصلح، حتى عندما ازداد قسوة مع سجن أكثر مائة سعودي بارز في فندق ريتز كارلتون وجريمة القتل المروعة للصحافي جمال خاشقجي.
وتناول المقال قصة عوض الله، وزير التخطيط ورئيس الديوان السابق في الأردن، والذي انضم إلى الوفد المرافق لمحمد بن سلمان، حيث بدأ بداية جديدة لتقديم المشورة بشأن خطط الخصخصة والتحديث، ووفقاً لعدة مصادر، قال بن سلمان لعوض الله :” لماذا لم ألتق بك من قبل؟”.
وأضاف اغناطيوس أن العاهل الأردني أصبح قلقاً، بحلول 2018، من أن شهرة بن سلمان الجديدة تأتي على حساب الأردن، بسبب افتنان ترامب بالرجل ورغبته في الحصول على صفقة بشأن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وأشار الكاتب إلى أن بعض دول الخليج، بما في ذلك السعودية، قد تعهدت بتقديم 2.5 مليار دولار من المساعدات للأردن بعد احتجاجات 2018، ولكن المساعدات لم تصل قط، وفي نفس الوقت، كانت آمال كوشنر في أن تقنع الحوافز الاقتصادية الفلسطينيين والأردنيين بدعم مسعى ترامب للسلام المزعوم، وقد كشف كوشنر عن مقترحاته في مؤتمر “السلام من أجل الازدهار” في البحرين، وسافر الملك عبدالله إلى واشنطن في آذار/ مارس 2019 لإطلاعه على الخطة، ولكنه أدلى في نفس الشهر بتصريحات علنية حادة في المعارضة حيث قال:” لن أغير موقفي من القدس أبداً.. لدينا واجب تاريخي تجاه القدس والأماكن المقدسة.
وكان حلم كوشنر هو أن يطغى الدعم السعودي والعربي لخطته على المعارضة الفلسطينية والأردنية، وقد ظهرت هذه الأمال في مقال افتتاحي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 3 يوليو 2019 بقلم مالك دحلان، المحامي السعودي في لندن والمقرب من الأمير حمزة.
لم يتم اختبار الأدلة على المؤامرة في المحاكم أو المحافل الدولية ولكن تحركات أمريكا والغرب أشارت إلى أنها تأخذ المخاوف على محمل الجد
وقد زعم دحلان في ذلك المقال بأن “التكاليف قد تكون باهظة” إذا انهارت خطة كوشنر، وطرح دحلان صيغة تسوية تبدأ باتفاق على حكم القدس تقوم على فكرة ” التدويل التكاملي”.
وتزايد الضغط على العاهل الأردني في الداخل والخارج، وبدأت الأجهزة الأمنية في التحقيق في التهديدات المحتملة للنظام، ولم يتم اختبار الأدلة على الاتهامات في المحاكم والمحافل الدولية ولكن التحركات السريعة للولايات المتحدة ودول الغرب لاحتضان الملك أشارت إلى أنها تأخذ المخاوف على محمل الجد.
وبحسب ما ورد، أشار تحقيق المخابرات إلى أن الشريف حسن بن زيد التقى بمسؤولين من سفارة أجنبية للاستفسار عن موقف بلادهم من دعم الأمير حمزة، كبديل للملك، وأن الشريف استمر في التواصل مع السفارة، التي من المعتقد أنها السفارة الأمريكية.
وتابع التقرير أن بعض الشخصيات العشائرية قد تواصلت مع اجهزة الأمنية للفت الانتباه بشأن محاولات من مساعدي الأمير حمزة للحصول على دعمهم، كما أشارت التقارير الاستخبارية إلى تكثيف الاتصالات بين الأمير حمزة والشريف حسن وباسم عوض الله بحلول عام 2020.
وسارع كوشنر من مساعيه للتوصل إلى اتفاق سلام ترامب المزعوم، ولكن مخططه فشل بسبب المقاومة الفلسطينية، في حين أسفرت تحركاته عن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات في آب 2020 واتفاق مماثل بين إسرائيل والبحرين في أيلول.
وكشف مقال “واشنطن بوست” أن العاهل الأردني كان يمثل مشكلة بالنسبة لهذه الأطراف على ما يبدو، وقالت الصحيفة إن عوض الله اشتكى لضابط مخابرات مخابات امريي من إحباط بن سلمان بسبب الخلاف حول الأقصى، وزعم عوض الله، بحسب المقال، أن “الملك يستخدم المر لتخويفنا والحفاظ على دوره في الشرق الأوسط”.
ووفقاً للمقال، فقد كان بينى غانتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الذي كان يشغل منصب وزير دفاع في الحكومة الإسرائيلية، قلقاً بشأن تدهور علاقة نتنياهو بالملك عبدالله، لدرجة أنه قام بزيارة سرية إلى عمان لطمأنة الملك في أوائل عام 2021.
وزعمت التحقيقات أن وتيرة المؤامرة المزعومة تسارعت في عام 2021، بعد أن تم اعتراض رسائل حاسمة بين الأطراف المعنية، وقررت السلطات أن الوقت حان للتحرك، وتم اعتقال عوض الله وبن زيد في 3 أبريل/ نيسان، وُوضع الأمير حمزة تحت الإقامة الجبرية.
وأرسل ممثلو أجهزة المخابرات الإسرائيلية (الموسد والشين بيت) رسائلة خاصة إلى العاهل الأردني للتنصل من المؤامرة المزعومة، ولكن وفقاً لمسؤول استخباري أمريكي سابق قرأ الرسائل، فقد كانت اللغة قريبة من ” هذا ليس نحن، إنه قادم من أمامنا” في إشارة إلى نتنياهو.
وتوقع مستشارو الملك عبدالله وصوله إلى الولايات المتحدة أواخر يونيو/ حزيران، وستوضح الزيارة للبيت الأبيض مرة أخرى حقيقة حول أفراد الأسرة الهاشمية: وهي القدرة على النجاة في خضم الاضطرابات التي لا تنتهي في الشرق الأوسط.
تحليل موفق وبالغ الاهميه.