واشنطن بوست: معجزة تركيا الاقتصادية قامت على تعاون أردوغان مع الخبراء.. واليوم يمضي وحيدا في الطريق

إبراهيم درويش
حجم الخط
16

لندن – “القدس العربي”:

قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن النمو الاقتصادي ساعد الزعيم التركي رجب طيب أردوغان على البقاء في السلطة، لكن الخبراء الذين ساهموا في تقوية النمو ذهبوا منذ وقت وبقي أردوغان وحده للتعامل معه. وفي التقرير الذي أعده كريم فهيم جاء أن حكام المصرف المركزي والوزراء الذين كانوا يطرحون أسئلة حول الإستراتيجيات الاقتصادية المشكوك فيها قد ذهبوا وحل محلهم عدد من المسؤولين الذين لا يطرحون إلا أسئلة قليلة ويقولون ببساطة نعم.

وأضاف أن الرئيس يواجه أسوأ أزمة اقتصادية في تركيا منذ عقدين فهو يتعامل معها بدون أن يكون إلى جانبه خبراء من أصحاب العقلية المستقلة، كل هذا نتيجة جهوده لمركزة السلطة في يده بشكل ترك المؤسسات المالية التي طالما استعان بها على الهامش أو فارغة من الخبراء. وبدت خطورة الأزمة هذا الشهر عندما أعلنت الحكومة أن التضخم وصل إلى نسبة 36.1% وهي أعلى نسبة منذ عام 2002. وجاء هذا نتيجة التراجع المتسارع في قيمة العملة التركية، الليرة التي خسرت نسبة 40% من سعرها في العام الماضي بسبب دفع أردوغان تخفيض سعر الفائدة لإيمانه غير التقليدي بأن هذا سيؤدي إلى تخفيض الأسعار.

ويقول الكاتب إنه في الوقت الذي انتشرت فيه المعاناة الاقتصادية في تركيا، فقد أدى إلى مساءلة جديدة للسنوات التي راكم فيها أردوغان السلطة بين يديه والتي شملت تعيين عمداء الجامعات إلى قضاة المحاكم. لكن السلطة الواسعة لم تكن مساعدة عندما يتعلق الأمر بالمهمة الحساسة وهي إدارة اقتصاد تركيا والذي يحتاج في الوقت الحالي مواهب قادرة على تطمين الأسواق العالمية والمستثمرين وليس المهارات السياسية والميول الديكتاتورية التي ساعدت أردوغان للتفوق على معارضيه المحليين. وربما تحولت سيطرة الرئيس على الاقتصاد إلى تهمة وهو يواجه انتخابات في العام المقبل. وفي دراسة مسحية أعدتها شركة الاستطلاعات “ميتروبول” قالت نسبة 75% من الناخبين إنها فقدت الثقة بسياسات الحكومة العام الماضي.

ويرى أن المراقبين لسياسات التنمية الاقتصادية التركية في العام الماضي رأوا أنها على طرفي النقيض للسياسات التي اعتمدها أردوغان في سنواته الأولى، عندما استشار هو وقادة حزبه التكنوقراط في شؤون الإصلاح والتعامل مع مشاكل الاقتصاد. وقال حقان كارا، المسؤول الاقتصادي السابق في البنك المركزي التركي “المؤسسات موجودة لكي تقول الحقيقة للسياسيين”. ويعمل كارا الآن أستاذا في جامعة بيلكنت بأنقرة حيث مضى قائلا إنه كانت هناك “عمليات فحص ورقابة” صحية ومنعت الحكومة من اتخاذ القرارات الخاطئة. وبات هذا النوع “من التفاعل ضعيفا جدا”، ويرى الاقتصاديون المجربون أنهم في الظلام بشأن من يتحدث إليهم الرئيس وإلى أين يسير الاقتصاد. فقد تم عزل ثلاثة حكام للبنك المركزي خلال العامين الماضيين مع مسؤولين فيه عارضوا سياسات أردوغان في تخفيض سعر الفائدة.

وكانت عمليات العزل هي جزء من الضغوط على البنك المركزي والتي تزايدت خلال العقد الماضي وترافقت مع دعوات الرئيس المستمرة لخفض سعر الفائدة، وذلك حسب سيلفا ديمرلاب، الاقتصادية بجامعة كوتش بإسطنبول والاقتصادية السابقة في مجلس الاحتياط الفدرالي الأمريكي. وقالت “رأينا تآكل الاستقلالية” و”زاد الضغط السياسي والتضخم الذي ينحرف عن الأهداف”. وشهدت تركيا منذ عام 2018 أربعة وزراء مالية وخزانة، بمن فيهم صهر الرئيس. وآخرهم هو نور الدين نباتي الذي عين في كانون الأول/ديسمبر ويعتبر مواليا للرئيس وأصدر تصريحات أثارت الدهشة، بما فيها زعمه بمقابلة تلفزيونية أن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي تديره خمس عائلات.

اعترف أردوغان بمعاناة الأتراك نتيجة لزيادة التضخم ووصفها بالمشكلة، لكنه أكد أن البلد في وضع أفضل من بقية الدول حول العالم وأن السياسات الاقتصادية صحيحة

واعترف أردوغان بمعاناة الأتراك نتيجة لزيادة التضخم ووصفها بالمشكلة، لكنه أكد أن البلد في وضع أفضل من بقية الدول حول العالم وأن السياسات الاقتصادية صحيحة. لكن الخبراء يرون أن الاقتصاد تعرض لصدمات خارجة عن سيطرته ومفروضة عليه، بما في ذلك وباء كورونا والخلاف السياسي الذي أدى إلى حرب تجارية مع الولايات المتحدة.

وأخبر أردوغان أعضاء الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” في الأسبوع الماضي “من الواضح أن هناك (انتفاخا) في التضخم، كما في سعر الصرف الذي لا يتناسب مع وقائع بلدنا واقتصادها”. وأدت الإجراءات الطارئة التي اتخذتها الحكومة إلى استعادة العملة بعضا من قيمتها أمام الدولار. لكن التصريحات الأخيرة من أردوغان ووزير المالية الجديد تقترح خفضا لسعر الفائدة، ولا يعرف إن كان هذا سيعيد الثقة المتضررة. وبالنسبة للبعض فإن الإشارات الأخيرة من الحكومة تثير المزيد من الأسئلة حول معتقدات الرئيس الاقتصادية. وتتساءل ديمرلاب “لديك نظرية تقول إن عليك تخفيض سعر الفائدة لمواجهة التضخم. ثم تقول إنك ستوقف خفض سعر الفائدة في وقت وصل فيه التضخم إلى 36% فهل التوقف سيعيد الثقة؟”.

ويقول جودت أكتشي، المدير السابق لبنك يابي كريدي التركي إن حزب العدالة والتنمية عندما وصل إلى السلطة عام 2002 بعد أزمة مصرفية حادة “استلم اقتصادا مفلسا”، وعندها قامت الحكومة التي كان يترأسها أردوغان وعلي باباجان وزير المالية بتطبيق معايير صندوق النقد الدولي والتي تعاملت مع المشاكل البنيوية للاقتصاد. وقال أكتشي كان “هناك أفضل الوزراء وأحسن حاكم للمصرف المركزي وأحسن سكرتير للخزانة مر علي في حياتي أثناء فترتي مع حزب العدالة والتنمية” و”صدقني لو حلوا محل نظرائهم في الولايات المتحدة لتحسن اقتصادها، وكانوا بهذا المستوى ولم يكن لدى أردوغان مشكلة مع هذا”. وقال كارا الذي انضم للمصرف المركزي عام 2002 إن برنامج صندوق النقد الدولي صممه تكنوقراط أتراك وساهم بإعادة تأهيل المصارف وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز الثقة بالمؤسسات التركية و”كانت الأفضل في العالم” وزاد النمو الاقتصادي وتراجع التضخم من 80% إلى 8%.

وقال آخرون إن أردوغان وحزبه الذي تصادم مع صندوق النقد الدولي لم يكن أمامهما أي خيار بل وتطبيق الإجراءات، ذلك أن تركيا كان لديها الرغبة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ومع زيادة النمو الاقتصادي وانتفاع شبكة الرعاية للحزب لم يكن لدى الحكومة أي حافز للوقوف أمام هذا. وفي نهاية 2010 كان أردوغان يستمع لنصائح المستشارين الذين حذروه من أن على تركيا السعي لجعل النمو أكثر استدامة بدلا من الاستماع للوزراء الداعين لزيادة النمو إلى أعلى حد. وبدأت الأمور بالتدهور عام 2013 حيث بدأت بالاحتجاجات ضد تدمير منتزه غيزي والتي تحولت إلى تظاهرات عامة.

وأدت هذه إلى زيادة مخاوف المستثمرين وغذت مخاوف أردوغان من وجود مؤامرة ضده. وجاءت الاحتجاجات بعد أسبوعين من رفع مؤسسة موديز مستوى تركيا إلى درجة التصنيف الاستثماري. وهو ما زاد من مخاوف أردوغان حيث بات يشك في أي مسؤول له علاقة بالغرب. لكن النقطة المحورية جاءت بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016 والتي تبعتها سلسلة من الاعتقالات وتطهير المؤسسات. ويقول كارا “أصبحت السلطة مركزية بدرجة كبيرة”.

وقدم أردوغان الأزمة الاقتصادية الحالية بأنها خطوات محسوبة لتعزيز التصدير القائم على النمو والحصول على القروض وتخفيض العجز الحالي. وهي محاولة لجذب الناخبين قبل انتخابات 2023. وتعلق ديميرلاب “لا أحد يعارض فكرة أن يتحول اقتصاد تركيا لدرجة الاكتفاء الذاتي”، مضيفة أن مساهمة التصدير في الاقتصاد متدنية جدا، وأن تحسين مستوى الحساب الحالي يحتاج لإبداع وليس عبر السياسة المالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    كورونا السبب الرئيسي في كارثة الإقتصاد التركي!
    فبسبب كورونا تدهورت السياحة وزادت البطالة وتوقف الإستثمار!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول القارات السبع:

    التدهور في تركيا بدأ بعد انقلاب 2016 الفاشل.أضرّ كثيرا بالاقتصاد.إضافة إلى شيء آخر مهم وهو بقاء المسؤول الأول في أعلى هرم السلطة لفترة طويلة.فقد ثبت عمليا أن بقاء الرئيس لمدة تزيد عن عشر سنوات يعرضه إلى اهتزاز وزعزعة
    سياسية واقتصادية..لأنه لن يستطيع تقديم شيئا جديدا.ففي الصين القديمة نصح كونفشيوس الامبراطور أن يغيي الموظف من مكانه كل ثلاث سنوات باسناد وظيفة جديدة له بدل البقاء في نفس وظيفته لفترة طويلة.ففي رأي ذلك
    الفيلسوف الصيني أن الإنسان بعد ثلاث سنوات لن يبقى له شيء جديد يقدّمه للآخرين..فوجب تجديد حيويته وفكره
    في مكان آخر..( عملية تدوير الوظائف والموظفين ).

    1. يقول بيان:

      أردوجان بقي كل هذه المدة بإختيار الشعب في إنتخابات حرة مرة بعد مرة. فما قولك في رئيس من نوع بشار الأسد، طبيب الأسنان، الذي ورث الحكم عن والده، دون أي مؤهلات، أو سابق خبرة في الحكم، ومضى عليه أكثر من عشرين عاما في السلطة؟ تستشهد بكلام كونفيوشس وكأنه قران! مع أن التاريخ حافل بالزعماء والقادة الذين حكموا لعقود وحققوا اعظم الإنجازات لشعوبهم.

  3. يقول صالح/ الجزائر:

    معجزة تركيا الاقتصادية قامت على تعاون أردوغان مع الخبراء.. واليوم يمضي وحيدا في الطريق ، لأنه ، كبقية الطغات الديكتاتوريين ، أصيب بالغرور .

  4. يقول أم محمد:

    بل معه الله القادر على كلّ شيء …… أليس الله بكاف عبده ؟

  5. يقول اركان التميمي:

    تقرير مبني على الاعتقادات من غير دليل.

  6. يقول نيزك الكردي:

    حتى ولو سار وحيدا كما يزعمون فإن الله معه وأيضا الملايين وإنجازات واختراقات صناعية ومشاريع وازدهار اقتصادي وتحولات حضارية عميقة شهدتها فترة حكم أردوغان لم تشهدها أي منطقة في العالم لا إسلامية ولا عربية ولا غربية ولكل أجل كتاب !

    1. يقول عاشت تركيا:

      أحسنت .

  7. يقول سالم الخلايلة:

    قال يمضي وحيدا قال…ولما هو يمضي وحيدا كيف استطاع في شهرين تحرير ناكورني كاراباج وتلقين ارمينيا درسا لن تنساه. واذا كان وحيدا كيف استطاع ايقاف ودحر مؤامرة سعر صرف الليرة وبطريقة اذهلت الغربيين ( هذا الكلام لا اطلقه جزافا ولكني اعيش في الغرب واتابع اخبارهم ) وصاروا يولولون بحكاية تدهور الاقتصاد التركي، متجاهلين اقتصادياتهم الهشة التي ترزح تحت وطئة المليارات من الديون ابتداءا بالمانيا وهولندا وفرنسا وايطاليا واسبانيا والقائمة تطول. تركيا بخير اهتموا بحالكم.

  8. يقول الاحمر:

    عندما ينجح اردوغان يقولون بتوجيهات من البنك الدولي والتيكنوقراط الغير منتمين لحزب العدالة والتنمية وبعد فشل الانقلاب وفشل المؤمرات والمكائد علي البيرة التركية يقولون هذه نتائج دكتاتورية اردوغان .

  9. يقول رضوان ابوعيسى:

    اظن ان الامر الأساسي في هذه التغيرات الجذرية هي انفصال السياسة التركية عن المنظومة الغربية ومحاولة اردوغان الاستقلال عنها، هذا سيجعل تركيا تعاني صعوبات كبيرة في البداية لكن إذا استطاعت ان تستقل فستصبح قوة اقليمية كبرى على الجميع احترامها والتنسيق معها وهذا مايحلم به اردوغان والأتراك ذو الحلم الإسلامي العثماني!

  10. يقول سليمان:

    سينفجر الغرب غيضا من نجاحه .. فيبقى شامخا

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية