واشنطن بوست: هل ساعدت المخابرات الأوكرانية “هيئة تحرير الشام” للإطاحة بالأسد؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: زعم المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس أن المعارضة السورية انتصرت على نظام بشار الأسد بدعم من أوكرانيا التي كانت تريد أن تهين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا.

وقال إن كييف، التي كانت تريد أن تدمي وجه بوتين وتذلّه، زوّدت المعارضة بالمسيّرات التي ساعدت على الإطاحة بالنظام السوري.

وبحسب مصادر مطلعة على النشاطات العسكرية الأوكرانية في الخارج، فقد تلقّى المعارضون السوريون، الذين دخلوا العاصمة دمشق في نهاية الأسبوع الماضي، مسيّرات ودعماً آخر من عملاء الاستخبارات الأوكرانيين الذين سعوا إلى تقويض روسيا وحلفائها السوريين.

لم تكن مساعدة أوكرانيا للمعارضة بالمسيّرات “القشة التي قصمت ظهر البعير”، لكنها ساعدت في إسقاط أهم عميل لروسيا في الشرق الأوسط

وقال إن المخابرات الأوكرانية أرسلت 20 خبيراً في تشغيل المسيّرات، و150 مسيّرة مزوّدة بأجهزة الفيديو إلى مقرّ المعارضة في إدلب، قبل أربعة أو خمسة أسابيع، لمساعدة “هيئة تحرير الشام”، الجماعة التي قادت عملية الإطاحة بالأسد، وذلك حسب المصادر المطلعة التي نقل عنها الكاتب.

ويرى خبراء استخبارات غربيون أن الدعم الأوكراني لعب دوراً متواضعاً في الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد. ولكن النشاطات هي جزء من محاولات أوكرانيا لضرب المصالح الروسية في الشرق الأوسط وأفريقيا وروسيا نفسها.

ويقول إغناطيوس إن برنامج المساعدة الأوكراني في سوريا كان سراً مفتوحاً، مع أن المسؤولين في إدارة بايدن نفوا أي علم بالأمر، وذلك رداً على أسئلة الكاتب.

إلا أن الدافع وراء ذلك واضح: ففي مواجهة هجوم روسي داخل بلادهم، بحثت الاستخبارات الأوكرانية عن جبهات أخرى حيث يمكنها أن تدمي أنف روسيا وتقوّض عملاءها. وقد أعلن الأوكرانيون عن نواياهم هذه، ففي مقال نشرته صحيفة “كييف بوست” في 3 حزيران/يونيو، نقلت فيه عن مصدر في جهاز الاستخبارات العسكرية الأوكراني المعروف باسم “جي يو آر” قوله إن “المتمردين [السوريين] وبدعم من عملاء أوكرانيين، شنّوا، منذ بداية العام، ضربات عديدة على منشآت عسكرية روسية موجودة في المنطقة”.

وتضمنت تلك القصة، التي نُشرت على الإنترنت، رابطاً للقطات فيديو تظهر هجمات على مخبأ مضلع وشاحنة بيضاء وأهدافاً أخرى قيل إنها تعرضت للقصف من قبل المعارضين المدعومين من أوكرانيا داخل سوريا.

وقالت الصحيفة إن العملية في سوريا نفذتها وحدة خاصة تُعرف باسم “خيميك” داخل “جي يو آر” و”بالتعاون مع المعارضة السورية”.

وأضاف الكاتب أن المسؤولين الروس اشتكوا، ومنذ عدة أشهر، من الجماعات الأوكرانية شبه المسلحة وجهودها في سوريا. وقال ألكسندر لافرينتيف، الممثل الروسي الخاص في سوريا، في تصريحات نقلتها عنه وكالة أنباء “تاس” الروسية: “لدينا معلومات عن وجود خبراء أوكرانيين من مديرية الاستخبارات الأوكرانية في مناطق إدلب”.

وأشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى المزاعم نفسها، في أيلول/سبتمبر، ووجود “مبعوثين من الاستخبارات الأوكرانية” الذين يقومون بما أسماها “عمليات قذرة”، وذلك حسب صحيفة “الوطن” السورية، التي أكدت أن الفريق أول كيريلو بودانوف، مدير وكالة الاستخبارات الأوكرانية “جي يو آر”، كان على اتصال شخصي مع “هيئة تحرير الشام”.

وقبل أن تطيح “هيئة تحرير الشام” بالأسد، أكد المسؤولون الروس أن ارتباط أوكرانيا بالجماعة المعارضة كان محاولة لتجنيد مقاتلين سوريين لحربها ضد الكرملين.

وزعم تقرير، في أيلول/سبتمبر، على موقع “كريدل” على الإنترنت أن أوكرانيا عرضت 75 مسيرة مقاتلة في صفقة مع “هيئة تحرير الشام”، لكن لا توجد معلومات تؤكد المزاعم الروسية.

ويعلق إغناطيوس أن روسيا فوجئت بالتقدم السريع لقوات المعارضة نحو دمشق، ولكن المهم هو أن المصادر الروسية حاولت التقليل من الدور الأوكراني.

ففي 2 كانون الأول/ديسمبر، ذكر تقرير في موقع “ميدل إيست آي” حساباً روسياً على منصة تيلغرام، قال إنه يعكس مواقف الجيش الروسي وحاول أن يقلل من الدور الأوكراني: “أولاً زار عناصر جي يو آر إدلب، ولكن لفترة قصيرة”، ولم تكن كافية لتدريب السوريين على تشغيل المسيرات القتالية، و”ثانياً” فإن “هيئة تحرير الشام كانت تملك برنامج الطائرات المسيرة”.

ويشير إغناطيوس إلى أن عملية سوريا ليست الحالة الوحيدة التي حاولت فيها الاستخبارات العسكرية الأوكرانية مضايقة العملاء الروس في الخارج.

فقد ذكرت بي بي سي البريطانية، في تقرير لها في آب/أغسطس، أن أوكرانيا ساعدت المتمردين في شمال مالي في نصب كمين لمرتزقة روس من مجموعة فاغنر. وقالت بي بي سي إن هجوم 27 تموز/يوليو أدى إلى مقتل 84 من عملاء فاغنر و47 جندياً من الجيش المالي.

وأشاد أندريه يوسوف، المتحدث باسم “جبهة تحرير مالي”، بالعملية بعد عدة أيام، قائلاً إن المتمردين الماليين “تلقوا المعلومات الضرورية وليس المعلومات فقط، مما مكن من عملية عسكرية ناجحة ضد مجرمي الحرب الروس”، حسب بي بي سي.

وبعد الهجوم، قطعت مالي علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا. وقال إغناطيوس إن الفريق أول بودانوف من المخابرات الأوكرانية، تعهد، حسب تقرير إخباري، في نيسان/أبريل 2023 بملاحقة الروس المتهمين بارتكاب جرائم حرب في “أي مكان في العالم”. ونقل الكاتب عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن العمليات الاستخباراتية التي يقوم بها بودانوف أثارت، في بعض الأحيان، قلق إدارة بايدن.

تعكس العملية السرية في سوريا محاولة لتوسيع ساحة المعركة وإيذاء الروس في المناطق التي لم يكونوا مستعدين لها

وفي مقابلة أجراها الكاتب مع بودانوف في مقر قيادته بكييف، في نيسان/أبريل، سأله عن عمليات الوحدة الاستخباراتية العسكرية ضد فاغنر في أفريقيا، فأجاب: “نحن نجري مثل هذه العمليات بهدف الحدّ من الإمكانات العسكرية الروسية، في أي مكان حيث يكون ذلك ممكناً. لماذا ينبغي أن تكون أفريقيا استثناءً؟”.

ويعلق الكاتب بأن مثل عمليات أوكرانيا في أفريقيا، وهجومها على منطقة كورسك داخل روسيا، تعكس العملية السرية في سوريا محاولة لتوسيع ساحة المعركة وإيذاء الروس في المناطق التي لم يكونوا مستعدين لها.

ولم تكن مساعدة أوكرانيا للمعارضة بالمسيّرات “القشة التي قصمت ظهر البعير”، إذا جاز التعبير. لكنها ساعدت، على الأقل بطريقة صغيرة، في إسقاط أهم عميل لروسيا في الشرق الأوسط.

ومثل إسرائيل في فشلها في توقّع عملية “حماس” عبر سياج غزة، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، رأت روسيا المعارضين الذين زعم إغناطيوس أن أوكرانيا دعمتهم وهم يتقدمون، لكنها لم تتمكن من التعبئة لوقف الهجوم ومنع العواقب الوخيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية