نوعا لنداو
يتركز الاهتمام الدولي منذ أسابيع كثيرة بالحرب في غزة على مسألة رئيسية واحدة، وهي هل ستقتحم إسرائيل رفح؟ اللازمة الطويلة تغذي وتقوي رئيس الحكومة نتنياهو، بتصريحات علنية متكررة عن “إعطاء تعليمات للجيش لتقديم خطط” و”المصادقة على الخطط”. على سبيل المثال، أعلن مكتب رئيس الحكومة في شباط أنه “أعطى تعليمات للجيش وجهاز الأمن لعرض خطة لإخلاء المدنيين من رفح على الكابينت، وخطة لعملية عسكرية تؤدي إلى تدمير كتائب حماس في المدينة”. وفي الأسبوع الماضي، قال مكتب رئيس الحكومة إن “رئيس الحكومة صادق على خطة العملية في رفح، وإن الجيش استعد للجانب العملياتي وإخلاء السكان المدنيين”.
هذا خطاب استثنائي، ليس لأن خططاً كهذه جاهزة من قبل دون إعلانات، بل لأنها تناقض المنطق الأساسي في “فنون الحرب”: من ينوي الهجوم، يهاجم. ويفضل أن يكون ذلك فجأة، ولا يعلن عنه مرة تلو الأخرى.
يؤكد المحللون السياسيون وبحق المكاسب السياسية التي يجنيها نتنياهو من هذه التصريحات. “رفح عنصر تسويق”، “حملته تستهدف مصالح قاعدته والحفاظ على اليمين المتطرف في حكومته”، كتب المحلل يوسي فيرتر في “هآرتس”. وفي إصدار “لازمة رفح” لاعبون آخرون إلى جانب نتنياهو، قاعدته ومساعدون، مثل وزير الدفاع غالنت، أو سفير إسرائيل في الولايات المتحدة جلعاد أردان، الذين يكررون الرسالة نفسها.
هناك أيضاً رئيس المعارضة بني غانتس، السياسي الإسرائيلي الذي تحب واشنطن عناقه، وأكد في الفترة الأخيرة أهمية العملية العسكرية في رفح. الآن أيضاً في الأسبوع الماضي وفي نهاية اللقاء مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قال غانتس إنه أكد في ذاك اللقاء على “التزام إسرائيل بمواصلة المهمة العملياتية وتدمير بنى حماس التحتية العسكرية في رفح”. يبدو أن كل الحكومة في إسرائيل مجندة لرسالة أنه لا “نصر” بدون “تطهير” (مثلما جاء في المصدر)، قوات حماس في رفح.
هنا يدخل لاعب رئيسي آخر إلى إصدار جديد للأزمة: الإدارة الأمريكية. كلما هدد نتنياهو وحكومته بأن إسرائيل ستهاجم رفح، يزداد تجند الإدارة الأمريكية لمنع الهجوم النظري، إلى درجة أن العملية التي لم تحدث بعد، أصبحت أساساً لشرخ غير مسبوق في العلاقات بين الدولتين. يوضح نتنياهو أن إسرائيل ستعمل أيضاً بدون مصادقة من الولايات المتحدة، في حين أن الولايات المتحدة ترسل بعثات مستعجلة ومعها تحذيرات شديدة كي لا يتجرأ على ذلك.
أكثر مما تبدو معركة التصريحات هذه مثل حملة انتخابات داخلية، أو حملة انتخابات مزدوجة، حيث الرئيس الأمريكي في سباق انتخابي، وتبدو مثل ورقة رئيسية في المفاوضات التي تجري الآن في قطر بين إسرائيل وحماس. لم يكن عبثاً أن يقترن إعلان مغادرة الوفد الإسرائيلي للمحادثات مع الإعلان عن الموافقة، للمرة المليون، على خطة الهجوم.
اجتياح رفح ومصير الغزيين هناك هما الآن المسدس الأكبر الذي تضعه إسرائيل على الطاولة لاستدعاء ضغط دولي كثيف لعقد الصفقة، والولايات المتحدة تزيد قوة هذا المسدس من خلال معارضتها الشديدة. إذا كانت هذه التهديدات ستؤدي إلى صفقة لإعادة المخطوفين إلى بيوتهم ووقف إطلاق النار، فسيكون هذا ثمناً معقولاً لدفعه. كل ذلك لا يعني أن إسرائيل لا يمكنها “العمل” في رفح في كل الحالات. ولكن هناك أكثر من طريقة للعمل، كما يعرف الأمريكيون أيضاً ذلك، وعملياً يصادقون على ذلك أيضاً.
هآرتس 24/3/2024