لندن ـ ‘القدس العربي’: مع ارتفاع اسهم الجماعات الجهادية في الانتفاضة السورية، يخشى المسؤولون الامريكيون ان تقوم هذه بانشاء ‘جيب آمن’ يصبح ملجأ للمقاتلين من انحاء العالم بنفس الطريقة التي لعبت فيها مناطق القبائل في شمال- غرب الباكستان بعد انهيار نظام طالبان عام 2001، حيث اصبحت مركزا للتخطيط وتنفيذ الهجمات.
وعلى الرغم من محاولات الادارة الامريكية تعزيز وجودها ووجود الجماعات التي يطلق عليها بالمعتدلة في سورية، من خلال برامج تدريبية يشرف عليها ضباط في الوكالة المركزية للاستخبارات ‘سي اي ايه’ الا ان هذه البرامج تظل محدودة التأثير وعدد المشاركين فيها قليل مقارنة مع الجهود التي يبذلها النظام في تدريب ميليشياته ولا تنافس اعداد المقاتلين الاجانب الذين يتدفقون على سورية بالالاف.
ومع ان نشاط الاسلاميين المتشددين لا يزال منحصرا في سورية الا ان المسؤولين الامريكيين يدرسون عددا من السيناريوهات التي قد تقود الى تفكيك البلد الى دويلات ومناطق تصبح وبشكل دائم اما بيد المعارضة او الحكومة.
وتقول صحيفة ‘لوس انجليس تايمز’ ان مخاوف الامريكيين قد زادت عندما قامت جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة بالسيطرة على معبر حدودي قرب درعا على الحدود مع الاردن.
ونقلت عن مسؤول امريكي قوله ‘اعتقد ان سورية تتحول تدريجيا الى ‘فاتا’ الثانية’ مستخدما الاختصار الذي تشير من خلاله الاستخبارات الى ‘مناطق القبائل المدارة فدراليا في الباكستان’ حيث اتخذتها القاعدة وحلفاؤها من الباكستانيين مركزا للتخطيط قبل ان تلاحقهم الطائرات الموجهة ‘درون’.
وعلى خلاف المناطق الباكستانية ففكرة قيام القاعدة والجماعات المرتبطة بها رسم حدود منطقة سيادة لها في سورية تثير الخوف بين المسؤولين الامريكيين نظرا لموقع سورية الاستراتيجي وقربها من حلفاء واشنطن تركيا واسرائيل والاردن، اضافة لتهديدها استقرار كل من لبنان والعراق وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن نفسه ان قيام نشوء منطقة نفوذ للقاعدة يمثل تهديدا خاصا للغرب بسبب قرب سورية من المصالح الاستراتيجية الامريكية، وحرية الحركة الى اوروبا وكذا توفر الاسلحة المتقدمة التقليدية وغير التقليدية.
وقال المسؤول ان المخابرات الامريكية قد تزيد من جهودها لمواجهة القاعدة ان بدأت بتنفيذ عمليات ضد الغرب وتوقفت عن عن قتال الاسد.
خطر الجهاديين
ويرى المسؤول ان القلق حول الدور الجهادي في سورية نابع من خطر المقاتلين الذين قد يشكلون خطرا على الجماعات الغرب بعد عودتهم من سورية او اثناء وجودهم فيها، اضافة لاعتناق الكثيرين عقيدة القاعدة وطموحاتها الدولية.
ويقدر المسؤولون الامريكيون عدد المقاتلين الذين يصلون شهريا الى سورية ما 100-500 معظهم ينضمون للجماعات المتشددة.
وهم من مختلف الجنسيات من بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة، هولندا، كندا، استراليا ومن الباكستان والشيشان وشمال افريقيا ودول المنطقة من العراق والاردن ولبنان وحتى من فلسطينيي الداخل في اسرائيل.
وترى دراسات استخباراتية ان سورية وخلال العامين الماضيين جذبت اليها جهاديين اكثر مما جذب اليمن والعراق وافغانستان في عقود الثمانينات من القرن الماضي او بعد الغزو الامريكي، وملاحقة النظام اليمني لتنظيم قاعدة شبه الجزيرة العربية.
واظهرت دراسة نشرت حديثا ان نسبة كبيرة من المقاتلين في الانتفاضة السورية هم من المتشددين او من الاسلاميين المعتدلين فيما تعتبر نسبة من يسمون بالعلمانيين ضئيلة. ولا يعرف بالتحديد عدد مقاتلي كل فصيل الا ان النصرة و’الدولة الاسلامية في العراق والشام’ (داعش) يقاتل في صفوفهما الالاف، ويبلغ عدد مقاتلي فصائل مثل ‘احرار الشام’ اكثر من 10 الاف ويقول المسؤول الامريكي ان مؤسسي ‘احرار الشام’ هم من الاسلاميين الذين كانوا معتقلين في سجون الاسد واطلق سراحهم ضمن العفو العام عام 2011.
وتظل ‘داعش’ من اكثر التنظيمات قسوة وخطورة من بين التنظيمات الاسلامية المقاتلة. فقد خاضت ‘داعش’ معارك مع الجيش الحر، وسيطرت على اعزاز قرب الحدود مع تركيا. وفيما تعاونت الفصائل المعتدلة مع الجماعات الجهادية مثل النصرة نظرا لكفاءة وانضباط المقاتلين في صفوفها فان النصرة خاضت في الوقت نفسه نزاعات ومعارك مع فصائل كردية حيث قام كل فريق باعتقال مقاتلين ومدنيين من الطرف الاخر.
وبالمحصلة تشكل الجماعات الجهادية نسبة 35 بالمئة من المقاتلين، حيث يصل عدد المقاتلين المتشددين منهم حوالي 100 الف.
ضعف التأثير
ولعل وجود هذا العدد كان وراء تردد ادارة باراك اوباما تزويد الجيش الحر بالاسلحة التي طالب بها لمواجهة آلة النظام السوري الحربية.
ويرى مشرعون امريكيون ان قدرة الولايات المتحدة على حرف مسار النفوذ لصالح المعارضة المعتدلة اصبحت محدودة ان لم تكن تتلاشى. وكانت سي اي ايه قد وسعت من برامج تدريباتها للمقاتلين في الاردن، اضافة لشحن اسلحة خفيفة تأخر وصولها لاشهر فيما لم ينضم للبرامج التي تقام في معسكرات سرية الا اعداد قليلة، مما دعا مسؤولين للتساؤل عن جدية البرنامج حيث قال مسؤول سابق في ‘سي اي ايه’ ان توسيع برنامج لم يؤد الى نتيجة جيدة ‘ليس سياسة’.
وتخشى الادارة انها في حالة تزويدها المجلس العسكري الاعلى للثورة السورية وهو الهيئة التي تتعامل معه، بالسلاح ان يقع بعضه في يد الجماعات الجهادية.
ونقلت عن عضو في المجلس لم يذكر اسمه ان معظم الدعم الذي تقدمه الدول العربية والغربية يصل الى يد مقاتلي النصرة عبر مقاتلين يعملون معها.
ولكن مسؤولين في المجلس العسكري ينفون مثل هذه التقارير ويؤكدون ان السلاح الذي يصل اليهم يوزع على الجبهات والمقاتلين التابعين للمجلس. ويظل التحدي الاكبر امام ادارة اوباما هو تجنب فراغ في السلطة حالة اجبر الاسد على الخروج من السلطة بشكل يسمح للجهاديين بشغرها.
معظمها اسلامية
ان اهم الجماعات المقاتلة في سورية هي اسلامية، ومن هنا فعلى الولايات المتحدة ان تحدد موقفها من الاسلاميين واي نوع منهم تريد التعاون معه او التوقف عن وعد المعارضة او القبول بواقع يسيطرون عليه. ويشير شادي حامد من معهد بروكينغز- الدوحة في مقال له نشرته مجلة ‘اتلانتك مونثلي’ الى الجهود العبثية ‘دون كيخوتية’ التي قامت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها خلال العامين الماضيين لتشكيل المعارضة السياسية والعسكرية حسب رؤيتها والتي لم تؤد للكثير مع مرور الوقت.
وخلال هذه المدة تلقت المعارضة الوعود الكثيرة التي جاءت في الوقت الضائع. فبعد الاتفاق الامريكي- الروسي الذي ادى الى موافقة النظام السوري على تسليم اسلحته الكيماوية والغى بالضرورة التهديد العسكري على نظام بشار الاسد لم تعد المعارضة خاصة العسكرية منها تلقي بالا للوعود.
فهي تشعر بحالة من الاحباط بعد كل الآمال التي عقدتها على الضربة العسكرية، ونقل حميد ما قاله قائد لواء التوحيد، الشيخ عمر عثمان ‘ كان علينا ان نعرف اكثر وان لا نصدقهم’.
ويرى الكاتب ان شعور المقاتلين بالخيانة قد تمكن في داخل المقاتلين.
ويقول حامد ان المعارضة بجناحيها السياسي والعسكري تتساءل منذ وقت فيما ان كانت الولايات المتحدة تقف الى جانبهم ام لا.
مشيرا الى مقالة لدانيال درينزر في ‘فورين بوليسي’ في شهر حزيران (يونيو) الماضي قال فيه ان سياسة واشنطن ليست في الحقيقة فشلا بل تعبيرا عن الرغبة في الحفاظ على الانسداد في الازمة بشكل لا يظهر فيها رابح حقيقي.
وهو ما عبر عنه مسؤول في تصريحات لصحيفة ‘واشنطن بوست’ الاسبوع الماضي من ان الادارة في مساعداتها للمعتدلين تهدف لان لا تجعلهم لا يخسرون ولا ينتصرون في الحرب.
فقد كانت الادارة منذ البداية معنية بالنتائج غير المتوقعة التي قد تنجم تسليحها للمعارضة التي يتم التأكد منها. وعليه ظلت المساعدات العسكرية محدودة، ولم تشمل على الاسلحة الثقيلة التي طالب بها المقاتلون.
ويرجع هذا الموقف لكثرة الجماعات الاسلامية المقاتلة في سورية، وبعضها يعمل تحت المظلة التي تدعمها الولايات المتحدة اي الجيش الحر.
ويرى ان تردد الولايات المتحدة بتقديم الدعم الجاد والمستمر للجيش الحر ادى الى دفع الاسلاميين الى ترك المظلة وايجاد مظلتهم الخاصة اي التحالف الوطني السوري الذي ضم 12 فصيلا مسلحا او يزيد بشكل جعل من الائتلاف الوطني السوري مظلة غير مهمة. وقد لاحظ تشارلس ليستر من جينز للاستخبارات والخدمات الامنية الذي قال ان منظور تأثير الائتلاف تراجع بشكل كبير ان لم يكن قد تلاشى.
ويرى ان معظم الجماعات المرتبطة بالتحالف الاسلامي تعتبر ‘متشددة’ بالمعايير الامريكية، فيما يتعلق بالتزامها بتطبيق الشريعة وخطابها الموجه للاقليات.
ولكن عندما يتم الحكم عليها في السياق السوري فان تعبير ‘متشدد’ لا معنى له لان هناك فرقا واضحا بين لواء التوحيد مثلا وجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة، وهذا التفريق ليس واضحا في الطريقة التي تتعامل فيها الولايات المتحدة مع الواقع في سورية، فهي تحكم عليه من خلال مفهوم ‘متشدد’ و’معتدل’ وهذه طريقة خاطئة.
ويرى ان لدى ادارة اوباما فرصة محتملة كي تستغلها وتظهر بصورة من لا يدعم الاشرار، ومتعلقة بالتحالف الجديد والذي لا يضم في صفوفه داعش. فالتحالف الجديد مهم لانه محاولة من الجماعات الاسلامية الرئيسية احتواء ‘داعش’ ان لم يكن مواجهتها بالقوة.
دبلوماسية الاسد
وفي مقال كتبه ديفيد غاردنر في صحيفة ‘الفايننشال تايمز’ اشار فيه الى الدبلوماسية التي ينتهجها الاسد في التعامل مع الازمة التي يواجهها نظامه منذ عامين ونصف.
ولاحظ كيف تغير الحظ للرئيس السوري الذي كان سيواجه الصواريخ الامريكية عقابا له على الهجوم الكيماوي في الغوطة في21 آب (اغسطس) الماضي لينال الثناء من جون كيري على تعاونه في تدمير ترسانته الكيماوية.
ويرى الكاتب ان الاسد كان دائما محظوظا، فقد ارسل في عام 2005 مبعوثا بارزا لواشنطن بحثا عن ارضاء الادارة الامريكية التي غضبت من سورية لسماحها بمرور الجهاديين عبر حدودها للعراق.
وقد لعب الحظ في صالحه عندما دخل العراق في حرب طائفية، فيما صمد حزب الله امام الهجوم الاسرائيلي على لبنان في حرب تموز عام 2006، واستطاع الحزب وحليفه السوري وراعيته الايرانية السيطرة على الحكومة في بيروت، مرورا باجتماع الدوحة الذي اعطى محور ايران- سورية حزب الله الفيتو على قرارات الحكومة اللبنانية.
وحصل السياسيون اللبنانيون على 44 مليون دولار نقدا اما الاسد فحصل على طائرة ايرباص طار فيها لباريس للاجتماع بالرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي.
ويقول الكاتب ان الاسد لديه كل الاسباب كي يرى في الدبلوماسية خلاصا له من السجن. لكن عائلته ستفسر الامر على انه رخصة لمواصلة القتل، ودرع تتحصن فيه لمواصلة القصف والمذابح.
ويضيف ان النظام في الوقت الذي سيواصل فيه القتل بالاسلحة التقليدية فانه سيحاول تأخير تسليم اسلحته الكيماوية. وسيبقي على بعض الاسلحة كحماية له خلافا لما فعل القذافي وصدام اللذان لقيا نهاية عنيفة.
حسابات روسيا
ويرى الكاتب ان فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي حصل على ما يريد من اوباما، مما جعل روسيا مسؤولة عن تصرفات الاسد. فمن الان فصاعدا ستقدم موسكو ودمشق نفسيهما على انهما حصن يقف ضد القاعدة والجهاديين الذين يتدفقون لسورية.
ويعتقد الكاتب ان روسيا قد تجد مع ذلك صعوبة في الحفاظ على التحالف، في ظل تواصل الة القتل، وفي حالة استخدم فيها السلاح الكيماوي مرة اخرى، فقد تتوصل روسيا لحقيقة من ان الاسد بات يؤثر على موقعها كقوة عالمية ثانية وستقرر بالتالي التخلص منه.
حسابات ايران
وبالمقابل فايران لديها حساباتها الخاصة. فسورية تظل رصيدا لها على البحر المتوسط، وجسرا لحزب الله، الا ان الاسلحة الكيماوية تثير لدى ايران المشاعر العاطفية خاصة ان صدام اطلقها عليهم في الحرب التي استمرت ثمانية اعوام. ومن هنا فاي شخص سيخلف الاسد سيقوم بتخفيض مستوى العلاقة مع طهران.
وقد تقوم ايران بالتقليل من اثاره ان تصرفت بشكل ايجابي. وما يهمها الان هو التوصل الى اتفاق مع امريكا وحلفائها حول مشروعها النووي يؤدي الى تخفيف العقوبات المفروضة عليها والاعتراف بها كقوة اقليمية لها مكان على الطاولة لحل الازمة. قوة اقليمية، ومقعد في جنيف قد يكونان كافيان لاقناع ايران ان الاسد لم يعد مهما.
هذا سببه سياسات الولايات المتحدة الخرقاء