الخرطوم ـ «القدس العربي»: بعد تأكيده رهن واشنطن تقديم مساعداتها للسودان بتكوين حكومة مدنية، عاد وشدد السفير الأمريكي الجديد لدى الخرطوم، جون غودفري، الخميس، على المسألة ذاتها، مشيراً إلى دعم بلاده رغبة الشعب السوداني في «تعزيز التقدم الانتقالي الديمقراطي».
جاء ذلك في مقطع مصور بثته السفارة الأمريكية عبر حسابها الرسمي على فيسبوك، تحدث فيه غودفري باللغة العربية عقب تقديمه أوراق اعتماده.
وأضاف: «سأعمل على تحقيق أحلام الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة».
وتابع: «نقرّ التزام المؤسسة العسكرية بسحب الجيش من الحياة السياسية بمجرد تشكيل حكومة مدنية جديدة».
وأكد تشجيع واشنطن كل الفاعلين «للمشاركة في حوار شامل لتأسيس حكومة مدنية جديدة واستعادة الانتقال الديمقراطي».
وأردف: «حان الوقت لتأسيس حكومة مدنية تتمتع بالمصداقية، وهي خطوة مهمة تساعد على استئناف المساعدات للحكومة، وقد تساعد السودان في الخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية وتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة».
وسلم غودفري أوراق اعتماده سفيرا لبلاده في الخرطوم بعد 25 عاما من تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين.
وعقب لقائه مع القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أمس الخميس، قال في تصريحات صحافية إن «تعيينه جاء إثر رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، بعد فراغ امتد لسنوات» مؤكدا «التزام الولايات المتحدة بتعزيز وتعميق علاقاتها مع الشعب السوداني».
وينتظر أن يعقد غودفري اليوم اجتماعا مع المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» ضمن تحركات تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، للوساطة بين الأطراف السودانية.
والثلاثاء اجتمع غودفري مع السفير السعودي في الخرطوم علي بن حسن جعفر وسفير المملكة المتحدة، جايلز ليفر، حيث ناقشوا إمكانيات تقريب الوساطة لوجهات النظر بين الأطراف السودانية.
ووصل غودفري الأربعاء قبل الماضي إلى الخرطوم، ليكون أول سفير للولايات المتحدة في السودان منذ أكثر من عقدين.
وحسب سفارة واشنطن في الخرطوم، سيعمل غودفري، وبصفته ممثلاً بارزاً للحكومة الأمريكية على «تعزيز العلاقات بين الشعبين الأمريكي والسوداني ودعم تطلعاتهم إلى الحرية والسلام والعدالة والانتقال الديمقراطي. وستمثل ملفات السلام والأمن والتنمية الاقتصادية والأمن الغذائي، أوليات السفير الأمريكي خلال فترة عمله في الخرطوم».
وقال غودفري في تغريدة، عند وصوله إلى البلاد، إن «من المهم أكثر من أي وقت مضى، إحراز تقدم في إنشاء حكومة جديدة بقيادة مدنية» مشيرا إلى أنها «خطوة أساسية لإطلاق المزيد من المساعدات الإنمائية الأمريكية والدولية التي يمكن أن تساعد في تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد».
وبين أنه «حتى ذلك الحين، ستظل الولايات المتحدة شريكاً ثابتاً لشعب السودان من خلال استمرار تقديم المساعدة الإنسانية لمكافحة الآثار المدمرة لانعدام الأمن الغذائي والعنف والفيضانات».
ومنذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تشهد البلاد زيارات متكررة لمسؤولين أمريكيين للوقوف على الوضع الراهن في السودان، والدفع من أجل تسوية بين الأطراف السودانية.
وبوساطة أمريكية سعودية، انعقد اجتماع، هو الأول من نوعه منذ الانقلاب، بين المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» والمجلس العسكري، في يونيو/ حزيران الماضي، إلا أن اللقاءات انقطعت بعد لقاء ثان، حسب «الحرية والتغيير» بسبب استمرار القمع العنيف للتظاهرات.
وقبل تعيينه سفيرا لواشنطن في الخرطوم عمل غودفري في البعثات الأمريكية الدبلوماسية في دمشق وطرابلس والرياض وبغداد، فضلا عن عمله مستشارا للحد من التسلح في مكتب الأمم المتحدة في فيينا، وقائما بأعمال المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي لهزيمة داعش والقائم بأعمال منسق شؤون مكافحة الإرهاب.
وعلى خلفية استضافة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب في أغسطس/ آب 1993، وبعدها بثلاث سنوات أوقفت واشنطن عمل سفارتها في الخرطوم، فضلا عن فرض مجموعة من العقوبات الأخرى على السودان.
وبعد سقوط نظام البشير، أعلنت واشنطن دعمها للحكومة الانتقالية، ولاحقا رفعت اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واتفق الجانبان على ترفيع التمثيل الدبلوماسي لدرجة سفير.
وبالتزامن مع أول زيارة قام بها رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك إلى واشنطن في مايو/ أيار 2020، اعتمدت واشنطن السفير نور الدين ساتي كأول سفير للخرطوم في واشنطن، قبل أن يعفيه البرهان عقب الانقلاب.
لا هدايا للعسكر
واعتبر ساتي في حوار تلفزيوني قبل أيام، أن تعيين السفير الأمريكي الجديد في الخرطوم بعد 25 سنة من الجفاء السياسي والدبلوماسي «لا يمكن اعتباره هدية للنظام العسكري الحاكم أو تزكية لسياسة، بقدر ما هو محاولة جديدة وجادة لفتح قنوات الاتصال بين صناع القرار الأمريكي وطموحات الشعب السوداني».
وأضاف في لقاء مع برنامج (المسائية) على الجزيرة مباشر : «كانت لدي اتصالات مع السفير جون غودفري قبل ذهابه إلى الخرطوم. ولدي ضمانات من دوائر سياسية أمريكية خاصة الكونغرس من أن الهدف الأساسي من تعيينه يقوم على خدمة الخيارات الاجتماعية والسياسية للشعب السوداني».
وبين أن «السفير الجديد سيفتح قنوات مع جميع مكونات المشهد السياسي والمدني في السودان» مضيفاً أن «هذا القرار يمثل اعترافا بموقع السودان الجديد والمهم في الخريطة السياسية الأمريكية داخل القارة الأفريقية».
تحولات جوهرية
ووفق ساتي، تعيين سفير أمريكي جديد في السودان «يؤكد وجود تحولات جوهرية في السياسية الخارجية الأمريكية تجاه القارة الأفريقية، يقوم على التزام واشنطن بالوقوف إلى جانب الشعوب التي تواجه أنظمة سياسية مستبدة».
وعن مستقبل العلاقات بين واشنطن والخرطوم، قال: «تمت صياغة أرضية سياسية ودبلوماسية بين البلدين في عهد حكومة عبد الله حمدوك، لكن الإجراءات التي قام بها عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السادة العسكري أفسدت تلك الأرضية».
سفيرها الجديد في الخرطوم يلتقي قوى «الحرية والتغيير» اليوم
وأضاف أن «هناك محاولات حثيثة لإعادة بناء تلك الأرضية وفق منظور جديد ينتصر لإرادة الشعب السوداني وبناء صفحة جديدة من العمل السياسي والدبلوماسي بين واشنطن والخرطوم بعد 24 سنة من الفراغ».
الخبير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة، اعتبر أن تسلم غودفري لمهامه، في هذا التوقيت يؤكد أن واشنطن تسعى لممارسة المزيد من الضغوط على الأطراف السودانية لتكوين حكومة مدنية.
ولفت في حديثه لـ«القدس العربي» إلى أن «العسكر في ظل الضغوط المحيطة بهم، والأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تحيط بالبلاد، لا يبدو أنهم يملكون مساحة واسعة من الخيارات، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي يرهنون المساعدات الاقتصادية بتسليم الحكم للمدنيين».
ورأى أن «العسكر حال رفضوا التجاوب مع الوساطة التي تقودها واشنطن سينتهي بهم الأمر إلى شل العلاقات بين البلدين والعودة بها إلى مربع الخلافات» مشيرا إلى أن «غودفري حسب تعريفه من حكومة بلاده كممثل بارز لها، يملك مساحة التحرك اللازمة والقدرة على تنفيذ اختراقات في الوضع الراهن في البلاد».
وفضلا عن دعمها للانتقال الديمقراطي في البلاد، يعتقد أبو شامة أن «واشنطن حريصة على تثبيت أقدامها في السودان وعمقه الأفريقي الذي تمضي روسيا في التمدد فيه» مشيرا إلى «طموحات موسكو في ما يلي التعدين في السودان وإنشاء قاعدة بحرية على سواحل البحر الأحمر».
وأشار إلى أن «واشنطن تسعى لإيقاف ومحاصرة تمدد المشاريع الروسية في المنطقة، وأن الأمر مرتبط بشكل كبير باستقرار الأوضاع في السودان وتكوين حكومة تحظى بقبول شعبي».
لا تتأثر بالحكومات
وخطوة تعيين سفير للولايات المتحدة الأمريكية جاءت نتاجا لتحركات الحكومة الانتقالية، وبعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حسب أستاذة العلاقات الدولية في جامعة الخرطوم، تماضر الطيب، التي لفتت إلى أن «مسألة البعثات الدبلوماسية لا تتأثر في أغلب الأوقات بذهاب ومجيء الحكومات حتى في ظل حدوث انقلاب عسكري».
وأشارت إلى أن «وجود سفير لواشنطن في الخرطوم في هذه المرحلة، مهم لرعاية مصالحها في البلاد، والتي ترتبط بمصالحها في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا ولها علاقة بمسألة أمن إسرائيل وأمن البحر الأحمر».
وبينت أن «الولايات المتحدة الأمريكية وفق استراتيجيتها، عندما تكون لديها مصالح مرتبطة بإقليم أو إقليمين متجاورين مثل الشرق الأوسط والقرن الأفريقي تكون حريصة على أن لا تكون فيها حكومة معادية لمصالحها في المنطقة».
ورأت أن ما يحدث في البلاد يتأثر بشكل مباشر بالمنافسة بين الدول العظمى في المنطقة.
وفي 4 يوليو/ تموز الماضي، أعلن البرهان خروج العسكر من العملية السياسية التي تيسرها الآلية الثلاثية المشتركة المكونة من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان(يونيتامس) والاتحاد الأفريقي وإيغاد، مطالبا المدنيين بالتوافق على حكومة مدنية تدير البلاد وصولا للانتخابات.
وقرر حل المجلس السيادي وتكوين مجلس للأمن والدفاع عقب تكوين الحكومة قال إنه سيكون معنيا بمهام الأمن والدفاع ومهام أخرى يتوافق حولها مع الحكومة المدنية.
وبعدها بيومين، أعفى البرهان الأعضاء المدنيين الخمسة في المجلس السيادي، بينما أبقى على القادة العسكريين الأربعة وثلاثة ممثلين للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام. ومنذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قتل نحو 117 سودانيا، خلال الاحتجاجات الرافضة للحكم العسكري والمطالبة بالحكم المدني في البلاد، كان آخرهم حاتم نجم الدين، الذي سقط بإصابة مباشرة في الرأس بعبوة غاز مسيل للدموع قبل أن تقوم مدرعة تابعة للأمن بدهسه، خلال تظاهرات أول أمس الأربعاء، وفق لجنة «أطباء السودان المركزية».