واشنطن: بعد اليد الممدودة انتقلت إدارة جو بايدن إلى الهجوم المضاد ففرضت الخميس سلسلة من العقوبات المالية القاسية على روسيا وطردت عشرة من دبلوماسييها، في خطوة قد يتعثر معها تنفيذ اقتراحها بعقد قمة مع فلاديمير بوتين الذي عادت وأكدت عليه.
منذ وصوله إلى البيت الأبيض، أشار الرئيس الأمريكي إلى أنه يعد رده على سلسلة من الأعمال التي نُسبت إلى موسكو، بما في ذلك هجوم إلكتروني هائل والتدخل في الانتخابات الأمريكية العام الماضي. ووعد بأن يكون أكثر حزما من سلفه دونالد ترامب الذي اتُهم بمجاملة بوتين، فيما لم يتورع بايدن عن وصف بوتين بأنه قاتل.
وجاءت الضربة حازمة الخميس.
وقال البيت الأبيض في بيان إن رئيس الولايات المتحدة وقع مرسوما أتبعه بعقبات فورية تتيح معاقبة روسيا مجددا بشكل يؤدي إلى “عواقب استراتيجية واقتصادية … اذا واصلت أو شجعت تصعيد أعمالها المزعزعة للاستقرار الدولي”.
في إطار هذا المرسوم، منعت وزارة الخزانة الأمريكية المؤسسات المالية الأمريكية من أن تشتري مباشرة سندات خزينة تصدرها روسيا بعد 14 حزيران/يونيو المقبل.
وفرضت عقوبات أيضا على ست شركات تكنولوجيا روسية متهمة بدعم أنشطة القرصنة التي تقوم بها استخبارات موسكو.
يأتي ذلك ردا على هجوم معلوماتي كبير في 2020 استخدم كناقل أحد منتجات شركة البرمجيات الأمريكية سولارويندز لزرع ثغرة أمنية في أجهزة مستخدميه وبينها عدة هيئات فدرالية أمريكية. ومن ثم تتهم إدارة بايدن روسيا رسميا بأنها مسؤولة عن هذا الهجوم كما سبق أن ألمحت إلى ذلك.
وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى الخميس إن جزءًا من الرد الأمريكي سيبقى “غير معلن” من دون مزيد من التوضيح.
من جانب آخر، فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على 32 كيانا وفردًا بتهمة محاولة “التأثير على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عام 2020″، لحساب الحكومة الروسية كما أضاف البيت الأبيض.
وبالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا وأستراليا، فرضت الحكومة الأمريكية أيضا عقوبات على 8 أشخاص وكيانات “شريكة في احتلال شبه جزيرة القرم والقمع المستمر فيها”.
من جهتها، طردت الخارجية الأمريكية عشرة مسؤولين يعملون في السفارة الروسية اتُهم بعضهم بأنهم أعضاء في أجهزة استخبارات موسكو.
وتهدف كل هذه العقوبات أيضًا إلى تحميل السلطات الروسية “المسؤولية” بعد اتهام روسيا بعرض مكافآت على طالبان لمهاجمة جنود أمريكيين أو أجانب في أفغانستان.
بعدما ماطل دونالد ترامب إثر تسريبات على صلة بهذه الاتهامات، تعد هذه المرة الأولى التي تذهب فيها واشنطن إلى حد بعيد في اتهام موسكو بلعب دور في هذه القضية.
لكن البيت الابيض لم يفصح عن موقفه تمامًا في الوقت الراهن مؤكدا أن هذه القضية “تدار عبر قنوات دبلوماسية وعسكرية واستخبارية”.
وأعربت دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) على الفور عن “دعمها وتضامنها مع حليفتها الولايات المتحدة بعد الإعلان عن إجراءات تهدف إلى الرد على أنشطة روسيا المزعزعة للاستقرار”.
كما أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن “الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء يعربون عن تضامنهم مع الولايات المتحدة بشأن تداعيات أنشطة إلكترونية خبيثة، خصوصا عملية سولارويندز الإلكترونية، والتي خلصت الولايات المتحدة إلى أن روسيا الاتحادية وراؤها”.
تضاف هذه العقوبات إلى سلسلة أولى من الإجراءات العقابية التي أعلن عنها في آذار/مارس واستهدفت سبعة مسؤولين روس كبارًا ردا على تسميم المعارض أليكسي نافالني وحبسه.
وتعد من أقسى الإجراءات ضد روسيا منذ طرد العديد من الدبلوماسيين في نهاية ولاية باراك أوباما.
ولم يتأخر التحذير الروسي. إذ قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن “مثل هذا السلوك العدواني سيواجه برد قوي”.
وقالت زاخاروفا أيضا إن وزارة الخارجية الروسية استدعت السفير الأمريكي جون سوليفان لإجراء محادثة معه قالت إنها “ستكون صعبة على الجانب الأمريكي”.
وقالت المتحدثة إن “الولايات المتحدة ليست مستعدة لقبول الحقيقة الموضوعية بأن هناك عالمًا متعدد الأقطاب يستبعد الهيمنة الأمريكية وتعتمد على ضغط العقوبات والتدخل في شؤوننا الداخلية”.
وأضافت: “لقد حذرنا الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا من عواقب خطواتها العدائية التي تزيد بشكل خطر من درجة المواجهة بين بلدينا. … الرد على العقوبات أمر لا مفر منه”.
حذرت روسيا سابقًا من أن تبني عقوبات جديدة “لن يكون في صالح” تنظيم قمة بين بايدن وبوتين من المفترض أن تسجل أولى خطوات إصلاح العلاقات المضرة بين الخصمين الجيوسياسيين.
ويبدو أن الكرملين يشعر بخيبة أمل بعد أن أعرب عن ارتياحه لإمكانية عقد مثل هذه القمة، التي اقترح بايدن عقدها في “دولة ثالثة” و”في الأشهر المقبلة”.
جاء العرض خلال محادثة هاتفية هذا الأسبوع بين الزعيمين أرفقت أيضًا بتحذير أميركي بعد نشر قوات روسية على الحدود الأوكرانية.
لكن المسؤول الأمريكي الرفيع قال “نريد أن نوضح أنه ليس لدينا إرادة لمفاقمة التصعيد مع روسيا”، مؤكدا أن بايدن أعلم بوتين بهذه التدابير خلال المكالمة الهاتفية التي اقترح فيها عقد قمة في بلد ثالث.
وتابع أن “الروس لم يقدموا بعد إجابة، لكننا نظن أنه سيكون بالغ الأهمية أن يلتقي الزعيمان في الأشهر القادمة لمناقشة كلّ المشاكل التي تعتري علاقتنا”.
واعتبر أن القمة يجب أن تقود إلى “إيجاد طريقة مستقرة وفعالة للمضي قدما في سبيل وقف التصعيد قبل أن يتفاقم”.
ويتوقع أن يكون للإجراء المتصل بالديون تأثير محدود على روسيا لأن ديونها محدودة واحتياطاتها تتجاوز 180 مليار دولار، بفضل صادراتها الهيدروكربونية. لكن قد يشكل ذلك ضغطًا مؤلمًا على الروبل الذي سجل تراجعًا الخميس، ويواجه صعوبات منذ العقوبات الأولى في عام 2014.
وقال الخبير الاقتصادي سيرغي خستانوف لوكالة فرانس برس “إنها عاصفة في فنجان. منذ أكثر من عشر سنوات، قامت سياسة السلطات النقدية الروسية على هدف إبقاء عجز الميزانية عند مستوى منخفض”، ما يؤكد أن موسكو مستعدة للأمر “منذ فترة طويلة”.
(أ ف ب)