عاموس هرئيل
أعلنت الولايات المتحدة في نهاية الأسبوع رسمياً عن خطة لإقامة ميناء على شاطئ غزة لضمان نقل منظم للمساعدات الإنسانية. يقدر البنتاغون أن خطة إقامة الميناء ستستغرق بضعة أسابيع. الإعلان الأمريكي والمقابلة شديدة اللهجة للرئيس الأمريكي الأحد، قد تعكس انعطافة في موقف الإدارة الأمريكية بخصوص الحرب. فمنذ الحادثة التي قتل فيها 100 فلسطيني تقريباً في أعمال الفوضى حول قافلة مساعدات في مدينة غزة في نهاية الشهر الماضي، غيرت واشنطن لهجتها تجاه إسرائيل، وتوجه لها انتقادات علنية، وتطلب تحسين عملية نقل المساعدات الإنسانية، وربما تضع عقبات أكبر أمام توسيع النشاطات الهجومية للجيش الإسرائيلي في القطاع.
الخميس الماضي، نشر المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي تفاصيل من تحقيق عملياتي أجراه الجيش، جاء فيه أن معظم من قتلوا في حادثة القافلة تم سحقهم من قبل الجمهور والشاحنات، في حين أن إطلاق النار من قبل الجنود في المكان كان محدوداً نسبياً. ولكن هل يشتري المجتمع الدولي هذه التفسيرات! منذ الكارثة يستخدم ضغط متزايد من قبل أمريكا وأوروبا لإدخال المساعدات والعثور على طرق أخرى لإدخالها إلى القطاع. نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، التي أظهرت خطاً من “التعاطف القاسي” مع إسرائيل، قالت أمس إن على أمريكا التمييز بين موقفها من المواطنين الإسرائيليين وموقفها من الحكومة. في حين أن الوزير غانتس سمع أثناء زيارته لواشنطن الأسبوع الماضي انتقادات وتساؤلات حول سياسة إسرائيل في القطاع.
إلى جانب المعاني الرمزية النابعة من إقامة الميناء، ثمة موظفون أمريكيون وربما قوات حماية عسكرية قرب القطاع، ستقتضي حذراً من قبل إسرائيل في استخدام القوة العسكرية هناك. عندما يُضم شهر رمضان إلى الصورة ربما يتم تقييد قدرة الجيش الإسرائيلي الهجومية في هذه الفترة. يثور شك في أنه في ظل غياب صفقة للمخطوفين، تقوم الولايات المتحدة بخطوات التفافية لتقليص القتال في القطاع. هذه نتيجة مريحة لحماس، لأنها تخدم مصالح حاسمة لها، المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها سكان القطاع ستزداد وسيتقلص إطلاق النار، دون إلزام حماس بتقديم تنازلات مثل إطلاق سراح المخطوفين.
إسرائيل، التي تعاملت لفترة طويلة مع الوضع الإنساني الخطير في القطاع كوسيلة للضغط، الذي يساعد في إخضاع حماس وإجبارها على التوقيع على اتفاق بشروط أصعب من ناحيتها في موازاة العملية العسكرية، لكن الأزمة عملياً تجعل الموقف الأمريكي يميل إلى جانب حماس. إن التأخير في إدخال المساعدات وعجز الشرطة والحكومة في معالجة مظاهرات اليمين التي شوشت على جزء من المساعدات، أغضبت الإدارة الأمريكية. إضافة إلى ذلك، قد يتقلص دافع حماس للتوقيع على اتفاق. اعترف بايدن أمس أنه من المرجح أنه لن يوقع على صفقة قبل بداية شهر رمضان، خلافاً لأمل أمريكا. مع ذلك، يتطلع لتوقيع اتفاق خلال هذا الشهر.
إن وعد نتنياهو لتحقيق “النصر المطلق” على حماس يظهر بدون أي غطاء الآن. يستخدم الجيش الإسرائيلي عدداً أقل من القوات في القطاع، 5 – 6 طواقم لوائية في منطقتين: الممر الذي يقع في جنوب مدينة غزة ومنطقة خانيونس. هذه ليست قوات تحقق النصر، ومشكوك فيه البدء وحدها بفتح عملية هجومية لاحتلال رفح، التي يكرر نتنياهو التهديد بها. ثمة حاجة للمزيد من القوات العسكرية لاحتلال المدينة الواقعة على الحدود مع مصر، بما في ذلك تجنيد الاحتياط بشكل كبير، وامتلاك خطة معقدة لإخلاء السكان من المنطقة، التي يمكن أن تستغرق الجيش أسابيع.
خلافاً للانطباع الذي يحاولون خلقه علناً، فإن الجيش الإسرائيلي لا يضرب بالأرجل حتى يسمحوا له بالدخول إلى رفح الآن، والحكومة لا تتعجل ذلك. يفضل الجيش الآن فترة راحة وإعادة تنظيم سيناريوهات تصعيد في لبنان وفي جنوب القطاع. وتدرك الحكومة الصعوبات والقيود. في الخلفية، مع بداية شهر رمضان، يتوقع حدوث زيادة توتر في الحرم وشرقي القدس وفي الضفة الغربية. كلما طالت الحرب التي دخلت الشهر السادس، تظهر صعوبة في قرار مخططي هجوم الجيش الإسرائيلي في القطاع للتقليل من أهمية الجدول الزمني. إسرائيل تدير حرباً بدون ساعة ضد حماس؛ والجدول الزمني لاستكمال السيطرة الفعلية على مناطق مختلفة – لا نريد التحدث عن الهدف الأوسع، وهو الاحتلال الذي لم يتم إنجازه في أي وقت – بقي مرناً ويؤجل كل مرة. في غضون ذلك، وبشكل غير متوقع، تحدث تعقيدات أخرى: تفاقم الأزمة الإنسانية وازدياد الخطر على حياة المخطوفين.
أعلن الجيش الإسرائيلي حتى الآن رسمياً عن موت 33 من بين الـ 134 مخطوفاً الذين ما زالوا محتجزين لدى حماس، التي تعلن بين حين وآخر عن موت مخطوفين آخرين، وتحاول شد أعصاب عائلاتهم والجمهور الإسرائيلي كجزء من الحرب النفسية. في نهاية الأسبوع الماضي، تم عقد لقاء آخر إسرائيلي – أمريكي على أمل الدفع قدماً بالمفاوضات. حتى الآن، لا تقارير عن انعطافة. وفي الوقت نفسه، يزداد الإحباط في أوساط المفاوضين من الطرف الإسرائيلي الذين كانوا يفضلون أن يعطيهم نتنياهو تفويضاً أوسع أثناء المحادثات لاستغلال حرية المناورة.
استمرت حماس في الأسبوع الماضي في طرح مواقف متشددة في المفاوضات، استناداً إلى الإدراك بأن نتنياهو غير متحمس للتقدم، وأن الأمريكيين سيعطون الفلسطينيين جزءاً من طلباتهم (مساعدات إنسانية وتقليص القتال) حتى بدون تقديم أي تنازلات مهمة. في مجلس الحرب أغلبية في أوساط الوزراء تؤيد الصفقة. ولكن لم يتم وضع أي اقتراح ملموس أمام مجلس الحرب حتى الآن، وهكذا يجب أن يكون التصويت النهائي حول هذا الشأن في هيئة أوسع، الكابنت السياسي – الأمني. ربما أن قراراً استراتيجياً إسرائيلياً لصالح الصفقة، حتى بثمن أعلى، كان سيدفع قدماً بالاتفاق الآن. في هذه الأثناء، يصعب رؤية ذلك يحدث، لأن الأمر قد يعتبر اعترافاً من نتنياهو بالهزيمة في الحرب.
في ظل غياب إنجازات أخرى في إطلاق سراح المخطوفين، بدون عملية فورية لاحتلال رفح وبدون وضع قوات كبيرة في القطاع، يستثمر الجيش الإسرائيلي معظم طاقته في ملاحقة أشباح. المحاولة المستمرة لاعتقال رئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، في مناطق اختباء محتملة في خانيونس، لم تحقق حتى الآن أي نتائج. ومع ذلك، وإذا حدثت اختراقة فربما تكون الشماعة التي سيعلق عليها نتنياهو ادعاء تحقيق النصر المطلق، حتى لو استمرت حماس في القتال.
هآرتس 10/3/2024