رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من العاصمة اليابانية طوكيو الإيجابية إلى قيادة النظام الإيراني والمرشد الأعلى كانت واضحة، وتوحي باستعادة الخطاب السابق لسلفه باراك أوباما، الذي سبق الكشف عن مسار المفاوضات المباشرة برعاية عمانية عام 2013 مع النظام في طهران، وحدد الإطار العام للمرحلة المقبلة، في حال كان النظام الإيراني جيدا في نواياه للخروج من هذه الأزمة والتصعيد المتزايد مع الولايات المتحدة.
الرئيس الأمريكي رسم خريطة الطريق التي من المفترض أن تشكل المحفز للقيادة الإيرانية لملاقاته، وتقديم خريطة طريق خاصة بهم تلاقي الخطوة الأمريكية في منتصف الطريق، ليتم بعدها الانتقال لبحث النقاط التي من المفترض أن تشكل اتفاقا يقلل مستوى القلق لدى واشنطن، إلى الحد الأدنى، ويسمح لطهران بأن تحافظ على الحد الأدنى من أهدافها وتعود دورتها الاقتصادية والسياسية للتحرك.
خريطة الطريق التي قد تشكل تحولا في موقف الإدارة الامريكية جاءت على العكس من كل المواقف التي سيطرت في الفترة الأخيرة التي ترافقت مع رفع مستوى الاستنفار العسكري إلى أعلى مستوياته، ووضعت المنطقة ومصير إيران في مهب أي خطأ في التقدير لدى أي من الطرفين، ليشكل شرارة الحرب، وقد حمل الموقف الجديد ما يبحث عنه النظام الإيراني لاتخاذ خطوته المقبلة، وكانت كلمة السر التي أعلنها ترامب تتلخص في أن:
واشنطن لا تريد إسقاط النظام الإيراني وتغييره.
واشنطن تريد التفاوض مع قيادة هذا النظام.
إمكانية التعاون الاقتصادي، واستغلال فرص الاستثمارات التي تتيحها فرصة التفاهم.
إن الشعب الإيراني عظيم ولديه مقدرات كبيرة اقتصادية.
إن واشنطن لا تريد إيران دولة تمتلك السلاح النووي.
التفاهم حول الدور الإقليمي وإنهاء التهديد الإيراني لاستقرار المنطقة.
ترامب ترك البحث في تفاصيل هذه النقاط، والأطر الأوسع لأي تفاهم أو اتفاق لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي أخذ الضوء الأخضر للقيام بزيارة بداية الشهر المقبل إلى طهران للقاء المسؤولين الإيرانيين. وهي تفاصيل لا شك في أنها ستكون على أساس ما حمله وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف قبل أيام في زيارته إلى طوكيو في 16 مايو/أيار 2019، من طروحات وأفكار تساعد الطرفين على الخروج من الأزمة والحد من التصعيد، وكذلك بناء النتائج التي ستخرج بها ورش ولجان التفاوض التي تجري خلف الكواليس، بين إيران ودول أوروبية في بعض العواصم العربية، التي تلعب دورا في تسهيل التواصل، أو في نقل الرسائل بين طهران وواشنطن.
قد يتأخر الانتقال إلى التفاوض المباشر بين الطرفين، الذي يصر عليه ترامب لتجاوز عقدة عدم قدرة سلفه في تحقيق هذا الأمر، رغم كل المحاولات التي قام بها من أجل ذلك وما قدمه من تنازلات. فترامب يريد توقيع الاتفاق مع نظيره الإيراني حسن روحاني على الأقل، ويسعى للحصول على إنجازات حقيقية تشمل:
اتفاقا جديدا حول البرنامج النووي، يشمل توسيع عملية التفتيش المباغت لتشمل المؤسسات العسكرية والمدنية.
التفاهم على النفوذ الإقليمي لإيران والحد من مستوى التهديد الذي يشكله هذا النفوذ للدول الحليفة لواشنطن، خصوصا الدول العربية.
وضع إطار مشدد لضبط البرنامج الصاروخي الباليستي الذي يشكل مصدر قلق لواشنطن وحلفائها وتحديدا إسرائيل.
عدم عرقلة المسار السياسي والاقتصادي لعملية السلام في الشرق الاوسط، او ما يعرف باسم «صفقة القرن».
وضع آلية اقتصادية وقانونية تضمن للجانب الأمريكي فتح باب الاستثمارات في المشاريع الاقتصادية الايرانية.
فتح حوار سياسي بين البلدين ينتهي بإعادة العلاقات بينهما.
قد يكون الرئيس الأمريكي قد قام بالخطوة المطلوبة من إدارته، لفتح ثغرة تقطع الطريق على الوصول إلى مواجهة عسكرية في المنطقة، أو تدفعه لفرض مزيد من العقوبات قد تؤدي إلى انهيار الداخل الإيراني، من دون ترتيب بديل له قادر على ضبط الأوضاع الداخلية، ويمنع تفكك إيران أو تحولها إلى منطقة فوضى جديدة في غرب آسيا. في المقابل، فإن القيادة الإيرانية وبعد حصولها على كلمة السر من الإدارة الأمريكية التي تتعلق بمستقبل النظام، وأن واشنطن ستوقف مساعيها لتغيير النظام الإيراني واستعدادها للحوار مع القيادة الحالية، بات بمقدروها التقدم باتجاه الكشف عن الأوراق التي من الممكن أن توضع على طاولة أي مفاوضات قد تحصل والتي ستكون هذه المرة مركزة بين الطرفين.
وتدرك هذه القيادة أن أي حل لأزمة التصعيد العسكري والحصار الاقتصادي الخانق المفروضين من الادارة الامريكية، لا بد أن يمرا عبر تنازلات قد لا تكون سهلة ، لذلك ستنكب على العمل للتخفيف من حدتها وقسوتها، بحيث يكون النظام قادرا على تحمل آثارها وتبعاتها داخليا واقليميا.
من هنا يمكن القول إن المبادرة التي أطلقها ظريف من العاصمة العراقية بغداد قبل أيام، حول الدعوة لتوقيع معاهدة عدم اعتداء بين بلده ودول الجوار الخليجي، والتي عاد وأكدها مساعده للشؤون السياسية عباس عراقجي في جولته الخليجية على قطر وعمان والكويت، تعتبر خطوة إيجابية، ومؤشرا لاستجابة ايرانية لمساعي خفض التصعيد، وإطلاق مسار حواري، لكن طهران وكما عبر وزير خارجيتها في تعليقه على مواقف ترامب الجديدة انها بانتظار الخطوات العملية الامريكية، التي تترجم نوايا واشنطن الجدية.
واذا ما كانت طهران على استعداد لفتح جميع ملفاتها الاستراتيجية على طاولة التفاوض مع واشنطن، إلا انها لن تسمح كما في الماضي بان يجلس إلى هذه الطاولة اطراف اخرى، خصوصا الدول العربية الخليجية، لذلك وفي خطوة استباقية أطلقت مبادرة معاهدة عدم الاعتداء لتكون بمثابة تسوية لهذه الدول المطالبة بان تكون شريكة في أي اتفاق جديد، على أن تحصل طهران على الموقع المتقدم والمقرر في أي منظومة أمنية قد تنتج عن هذه المعاهدة، في حين أنها ستسعى لحصر التفاوض ونتائجه مع واشنطن، في اتفاق ثنائي قد لا تحصل فيه الدول الاوروبية على اكثر مما حصلت في الاتفاق الموقع في يوليو/تموز 2015، وأي اتفاق جديد بين طهران وواشنطن، سيكون هذه المرة اكثر ثباتا واستمرارية، لانها تكون قد قدمت في السابق ما يمكن من تنازلات مع الديمقراطي باراك اوباما، وفي الاتفاق الجديد فإنها ستقدم ما يمكن من تفاهمات وتنازلات مع الجمهوري ترامب، وعليه لن يكون لدى أي إدارة أمريكية لاحقا، مهما كانت طبيعتها، أي ذريعة للعودة إلى التصعيد والعودة إلى نقطة الصفر.
وإذا كانت خريطة الطريق الايرانية قد تضمنت إشارات عن مساعيها، أو نيتها العمل على تخفيف حدة التوتر مع دول المنطقة، خاصة الخليجية، فمعاهدة عدم الاعتداء تحمل إشارة ايرانية لهذه الدول بأنها ستعمل على ضبط إيقاع التحركات والأعمال العسكرية التي تقوم بها قوى وفصائل تدور في فلكها، ليس فقط في اليمن، بل في كل ساحات الاشتباك على امتداد غرب آسيا. فهل سيحمل رئيس الوزراء الياباني آلية امريكية تسمح بتخفيف الحصار الاقتصادي الخانق الذي تعتبره طهران تهديدا أساسيا لأمنها واستقرارها واستقرار المنطقة؟ أم أن ترامب يحاول فصل المسار السياسي عن مسار العقوبات، وبالتالي يفرغ خريطة الطريق التي اعلنها من انتاجيتها المطلوبة، ويقطع الطريق على الخطوة الاولى للنزول عن شجرة المواجهة؟
كاتب لبناني