قد يكون للتطورات في الساحة الدولية تداعيات حقيقية في الفترة القريبة القادمة على خطوات إسرائيل في الحرب، في القطاع وعلى الحدود مع لبنان. بمرة واحدة، تندمج الآن عمليتان، وهما تسريع الإجراءات القانونية ضد شخصيات إسرائيلية رفيعة (في القريب ربما أيضاً ضد الدولة) في المحاكم الدولية في لاهاي، وجهود الولايات المتحدة لعقد اتفاق مع السعودية الذي قد يشمل صفقة التطبيع مع إسرائيل. خلال ذلك، تأثير هذه الأحداث على ما يحدث ما زال محدوداً. ربما العكس؛ تزداد الدلائل على توجه الجيش الإسرائيلي نحو توسيع العملية في رفح، وربما احتلال المدينة بعد أن قلصت الولايات المتحدة معارضتها للعملية.
طلب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الحكومة نتنياهو، ووزير الدفاع غالانت، لم يكن مفاجئاً. أجرى نتنياهو نقاشات لساعات طويلة في الأشهر الأخيرة مع جهات رفيعة في وزارة العدل وجهاز الأمن لاستباق الأسوأ. بعد بيان المدعي العام، كريم خان، أصدر رئيس الحكومة إدانة لهذا الإجراء، ثم جنّد معظم الأحزاب في الكنيست لإرسال رسالة احتجاج.
تقوم إسرائيل من وراء الكواليس بهجوم مندمج من التوسل والتهديد والضغط غير المباشر في محاولة تجنيد دول غربية لصالحها لوقف إجراءات كريم خان. احتمالية النجاح في هذه الأثناء ضعيفة جداً. ونشرت الإدارة الأمريكية بياناً ينتقد طلب المدعي العام، علماً أن الولايات المتحدة لم توقع على الميثاق الذي أسس هذه المحكمة. ولكن تصعب رؤية الرئيس يغفو مرة أخرى على الجدار من أجل إسرائيل حول هذا الأمر.
في الوقت الذي قد تجد فيه إسرائيل، التي تمت مهاجمتها بشكل فظيع في 7 أكتوبر، قادتها على كرسي المتهمين ويواجهون ادعاءات بارتكاب جرائم حرب، لم يعد أمامنا إلا حالة لتبديد الاعتماد الدولي، ولا يمكن عزو ذلك فقط للاسامية أو للمعايير الأخلاقية المزدوجة، التي تستخدم أحياناً لإسرائيل. إن تدحرج الأحداث يثبت المكانة الدولية والمؤهلات الدبلوماسية لنتنياهو نفسه. فالشخص الذي تفاخر بأنه سياسي رفيع هو غير قادر على تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي وضعها للحرب، بل ويورط إسرائيل بمشكلات ستطارد الدولة ومواطنيها لسنوات كثيرة، حتى ما بعد النتائج المباشرة للمذبحة التي نفذتها حماس.
في ظل الجمود
أمام المسار الذي يلوح الآن لإسرائيل في الأفق، من مذكرات الاعتقال وأمر لوقف القتال وربما حتى قرار من مجلس الأمن لوقفه مع تهديد بفرض عقوبات، يقترحون الأمريكيون خطة للخروج. مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، ناقش هذه المواضيع مع قيادة إسرائيل أثناء زيارته للبلاد الأحد.
الوثيقة الأمريكية – السعودية، تقترب من الاستكمال. إذا فضلت إسرائيل الانضمام فربما تحصل على مكاسب مهمة مثل التطبيع مع الرياض، وعضوية فيما يشبه غطاء أمنياً مؤيداً لأمريكا مع دول في المنطقة يستهدف صد إيران، وإنهاء الحرب في القطاع، وإطلاق سراح جميع المخطوفين، واحتمالية إنهاء القتال ضد حزب الله على الحدود مع لبنان. في المقابل، تريد أمريكا إعلانا إسرائيليا عن عملية لإيجاد أفق سياسي لحل الدولتين والموافقة على آلية لإدارة قطاع غزة تشمل مشاركة السلطة الفلسطينية.
حسب المحلل العسكري في “واشنطن بوست”، ديفيد ايغنشيوس، تبدو السعودية مستعدة للاكتفاء بتعهد إسرائيل في ترسيخ “مسار موثوق” لإقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية. وقد تحدث عن تفاؤل نسبي لدى الإدارة الأمريكية حول وجود فرصة جديدة لإنهاء الحرب، على خلفية التفاهمات بين أمريكا وإيران، التي تم التوصل إليها مؤخراً، لمنع التصعيد الإقليمي. المصادر الأمريكية تنسب ذلك للتحذيرات المباشرة التي أرسلتها الولايات المتحدة لطهران
في هذه الأثناء، يبدو عرض الولايات المتحدة مليئاً بالثقوب؛ فهو يعتمد على موافقة حماس على صفقة التبادل. ولكن رغم أن مصلحة حماس الرئيسية هي إنهاء الحرب (التي ستوافق مقابلها على دفع الكثير) فإنها لا مصلحة لها في الاندماج بعملية تخلد التحالف بين إسرائيل والسعودية في المنطقة؛ العكس هو الصحيح. وحتى التفكير الذي يمكن بناؤه على بديل سلطوي بمشاركة السلطة الفلسطينية مشروط بإضعاف حماس، الذي مشكوك فيه أن يتحقق في سيناريو الذي ستنتهي فيه الحرب الآن.
في هذه الأثناء، يبدو أن نتنياهو ينوي رفض الاقتراح في كل الحالات، إزاء التحالف الذي عقده مع أحزاب اليمين المتطرف، التي تهدد بالانسحاب من الائتلاف بوجود أي إشارة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح عدد كبير من السجناء الفلسطينيين أو تعهد، مهما كان غامضاً، بالمضي نحو حلم الدولة الفلسطينية. ولكن ربما يجب على نتنياهو أن يأخذ شيئاً آخر في الحسبان. أول أمس، كان هناك تغيير واضح في وضعه الشخصي، فهو على بعد خطوة من إصدار مذكرة اعتقال دولية ضده للاشتباه بارتكاب جرائم حرب. وإن إجراء سياسياً تاريخياً مع السعودية قد يكون تذكرة خروجه.
رغم أن المحكمة تتبع مقاربة مستقلة، فربما تجد المؤسسة الدولية صعوبة في ملاحقة زعيم يقف أمام توقيع اتفاق مع الدولة العربية الأهم. يبدو أن هذا ما أشار إليه رئيس الدولة إسحق هيرتسوغ (بتصريح علني نادر لا يتعلق بالأوروفيجين)، ولكن في ختام لقائه مع سوليفان، قال إن التطبيع سيكون، حسب تعبيره، “انعطافة تاريخية في اللعبة”، ويأمل أن يتم فحص عرض أمريكا بجدية.
في الوقت الذي يدفع فيه سوليفان إسرائيل للتقدم مع السعوديين، تخفف الإدارة الأمريكية الضغط بشأن العملية في رفح. وإن إخلاء إسرائيل لمليون غزي من رفح، قلص القلق الأمريكي في هذا الشأن. قبل أسبوعين أوقف الرئيس الأمريكي إرسالية كبيرة من القذائف لسلاح الجو الإسرائيلي عقب الخلاف على رفح. أما الآن فيبدو أن الأمريكيين أصبحوا أقل انفعالاً.
مع ذلك نذكر بأن نحو 400 ألف غزي ما زالوا في المنطقة، والخط الأحمر الأمريكي هو قتل المدنيين جماعياً، الذي قد يثير الانتقاد ضد إسرائيل مجدداً. ويجب الأخذ في الحسبان خطورة قتل المخطوفين جراء قنابل إسرائيلية، حيث افتراض بأن بعضهم محتجزون في رفح. العملية الواسعة في رفح يجب أن تأخذ هذه الأمور في الحسبان.
الوضع في رفح يحدث على خلفية جمود في قضية المخطوفين. أمس، نشر أن نتنياهو لدغ الطاقم في موضوع الأسرى والمفقودين عندما حاول أعضاء الطاقم طرح اقتراح جديد لتحريك المحادثات، وقال إنهم لا يعرفون كيفية إجراء المفاوضات. وحسب نشر آخر في “كان”، فإن رئيس مركز الأسرى والمفقودين العسكري، الجنرال احتياط نيتسان ألون، تردد بشأن استمرار وجوده في الطاقم إزاء الجمود ومعاملة نتنياهو، لكنه اقتنع بالبقاء في منصبه بعد محادثات مع وزير الدفاع ورئيس الأركان. هذه صيغة حذرة للأحداث. عملياً، ألون غير بعيد عن تقديم استقالته، وقد يتخذ هذه الخطوة باستنتاج أنه لم يبق له أي تفويض لإجراء المفاوضات.
ربما تؤثر قراراته أيضاً على موقف حزب المعسكر الرسمي. ما زال غانتس متمسكاً بموعد الهدف البعيد الذي وضعه كإنذار لنتنياهو، 8 حزيران القادم، رغم أن رئيس الحكومة رفض علناً كل طلباته بعد أقل من ساعة من عرضها.
عاموس هرئيل
هآرتس 22/5/2024