كل الدراسات التي صدرت حديثا، تدعم ما سبق ونشر عن التعاون السري القائم بين حركات الإسلام السياسي والولايات المتحدة. فقد نجحت واشنطن، خصوصا في أعقاب غزوها للعراق، في تأجيج الخلافات الطائفية والعقائدية والمذهبية على أساس أنها الخطوة الأخيرة في تحقيق حلمها بإقامة نظام إسلامي سياسي في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت تجربة الولايات المتحدة في العراق تجربة غالية، حيث قتل أكثر من أربعة آلاف جندي أمريكي وعشرات الآلاف من الجرحى، مما دفع واشنطن الى تغيير اسلوبها في التعامل مع هذه الأوضاع، من دون أن تغير أهدافها. فأخذت تشجع الانقسامات والنزاعات الطائفية بهدف، ‘أن يحارب المسلمون بعضهم بعضا وبالتالي لا تقدم أمريكا قرابين أمريكية في هذه الحروب’، حسبما صرح به أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي.
وقد كتب عن ذلك بالتفصيل روبرت درافيوس، وهو باحث أمريكي متخصص بالإسلام في كتابه الذي نشر عام 2006 واسمه ‘لعبة الشيطان’. وجاء في ذلك الكتاب أن الولايات المتحدة عملت منذ عقود على تطوير علاقاتها مع منظمات وصفت نفسها بانها حركات إسلام سياسي، خصوصا الراديكالية منها.
وفي تقرير سري قدم للكونغرس الأمريكي عام 2005، يؤكد أن واشنطن قررت أن تكون جماعة الإخوان المسلمين هم الحكام الجدد للمنطقة العربية. وكان لا بدّ من اتخاذ عدة خطوات قبل تحقيق هذا الهدف، في مقدمتها التخلص من عدة أنظمة دكتاتورية، التي دعمتها واشنطن، وفي مقدمتها نظام حسني مبارك، ولهذا وجدت في ثورة 25 كانون الثاني/ يناير إمكانية الوصول إلى تحقيق هدفها بصورة ديمقراطية عن طريق صناديق الاقتراع، وزادت من دعمها لجماعة الإخوان المسلمين المصرية. وقد أثار هذا التعاون حفيظة بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي، فذكروا الإدارة الأمريكية بالدعم الذي قدم إلى أسامة بن لادن لمحاربة السوفييت في أفغانستان، وكيف وجهت الأسلحة التي قدمت لحركة بن لادن ضدّ الولايات المتحدة. وفي نفس الوقت بعث عضو الكونغرس الأمريكي فرانك وولف بمذكرة (في شهر تموز/ يوليو 2012 ) لمجلس النواب الأمريكي يطالب فيها أن يجرى تحقيق مع الرئيس أوباما ومع وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون بتهمة دعم جماعة الإخوان المسلمين المصرية بمبلغ 50 مليون دولار أثناء الانتخابات الرئاسة.
وكان الرئيس القائد جمال عبد الناصر قد أشار في عدد من خطبه الى العلاقات السرية القائمة بين حركة الإخوان وبين السفارة البريطانية وقوى أجنبية أخرى، مطالبة بأن تكون الاتصالات مع جماعة الإخوان وليس مع الحكومة المصرية، كون حركتهم تعبر عن أغلبية الشعب المصري، ولكن بعد وفاة الزعيم عبد الناصر وتولي أنور السادات الحكم، ورغم كل المساعدات التي قدمها للإخوان لضرب الحركة الناصرية، إلا أنه قتل على أيدي الإخوان، وبرهن تصرف الإخوان اليوم صدق ما قاله الزعيم جمال عبد الناصر.
وتحركت المنظمات الصهيونية ومؤيدو إسرائيل في الكونغرس الأمريكي من أجل دفع الرئيس باراك أوباما الى تقديم الدعم لجماعة الإخوان في مصر. فكتب روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، وهي مؤسسة صهيونية من أجل توطيد العلاقات بين أمريكا وحركة الإخوان في مصر من أجل المحافظة على السلام مع إسرائيل. فإذا حصل أي تغيير في الوضع القائم فإن ذلك سيؤثر على اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وقد يؤدي ذلك إلى تغيير الوضع على الحدود الجنوبية لإسرائيل استراتيجيا وعسكريا.
هذا المخطط الأمريكي لم يساعدها في تحقيق أهدافها في المنطقة، فقد مج الشعب المصري التحركات الأمريكية، ورفض قادة ثورة 25 يناير التعاون مع أمريكا أو قبول اية مساعدات منها. وفي نفس الوقت انتفض الشعب المصري مطالبا بإسقاط حكومة الإخوان، وموجها الاتهامات لها بالتعامل مع قوى أجنبية ضدّ مصلحة الوطن والشعب.
وجاءت بعد ذلك انتفاضة الشعب التونسي، خصوصا بعد اغتيال أحد قادة المعارضة ورئيس الحزب الناصري. كما فشلت في ليبيا من تثبيت أقدام الإخوان في الحكم. وفشلت في سورية وقررت إلحاق تدمير في البلاد لتكون عبرة لبقية الدول، من دون أن ترسل جنودا أمريكيين إلى أرض المعركة، ولكن هذا المخطط فشل أيضا ولم تستطع أمريكا والقوى الغربية من توحيد المعارضة السورية، أو كسر العمود الفقري للجيش السوري.
ولكن واشنطن لا تزال تحاول إظهار ‘وجه مشرق للإسلام السياسي’، محاولة الإشارة إلى إمكانية قيام نظام حكم إسلامي وديمقراطي، مشيرة إلى تركيا، ولكن سرعان ما سقط القناع عن وجه الحكم فيها، وسقطت نظرية الإسلام السياسي.
الفشل الذي لحق بفكرة الإسلام السياسي جاء نتيجة الأسلوب الذي اتبعته جماعة الإخوان، حيث كانت تستغل الدين لتوسيع رقعة شعبيتها، من دون أن تتطرق إلى السياسة إلا عندما يدور الحوار حول سيطرة الإخوان على الحكم في البلاد. في حين تجاهلت أمريكا (وبعض الدول الأوروبية ) هذا البعد واصبح الدعم مرتبط مع تسيس جماعة الإخوان، ولكن الجماعة لم تستطع أن تضع السياسة في المقام الأول بدلا من البعد الديني، وهكذا فشلت واشنطن مرة أخرى في تحقيق حلمها. وموقف واشنطن هذا جاء على أساس أن الإخوان المسلمين معارضون للفكر القومي، وتحقيق واشنطن لأهدافها في الشرق الأوسط لن يتم إلا إذا انتهى الفكر القومي العربي، ولكن الأحداث الجارية تشير إلى انتعاش في هذا الفكر، حيث عبرت الجماهير عن موقفها برفع صور الزعيم جمال عبد الناصر وشعارات تحمل اقوالا من خطب ناصر.
‘ كاتب فلسطيني
والله احسنت احسنت احسنت تحليل رائع وقراءة تاريخية حقيقية
تحية طيبة د. فوزي، شكرا جزيلا علي هذا المقال التنويري والمزيد من مثل هذه المعارف والحقائق العظيمة.
برأيكم كمفكر وكاتب قومي عربي، كم من الوقت تحتاج الحركات القومية في البلدان العربية لتستطيع مجرد الإقتراب من عظمة المسيرة الناصرية؟! نعم هناك أنتعاش في الفكر القومي العربي خاصة في مصر منذ ثورة 25 يناير، ولكن لا يجب الإفراط في التفاؤل والثقة بالنفس، فمجرد السكوت أو التلاقي والأسوء الإتفاق مع أطراف محلية محروقة أصلاً كالفلول، وعربية مُشبعة رجعية وتآمر على كل ما هو قومي عربي كحكم العائلة السعودية لضرب التجربة الديمقراطية الوليدة في البلاد، لا يمكن أن يكون في صالح الفكر القومي العربي، والتي بعد إنهيار شعبية الجماعة الإسلامية بشكل غير مسبوق، أصبح هذا الفكر الأصيل يتصدر الواجهة الشعبية المدنية في البلاد، لذلك في صالحه جداً التمسك بأحياء هذه التجربة وبأسرع وقت، فلا يجب منح القيادة العسكرية وقتاً أطول من اللازم، فإنسحاب الجيش الى ثكناته لتتسلم إدارة البلاد قيادة مدنية منتخبة ليس فقط حاجة وأولوية وطنية وقومية وإنسانية مُلحة، وإنما شرط أساسي لصالح إستتباب النهج الديمقراطي وتجسيد مبدأ التداول السلمي للسلطة في الوطن العربي الكبير إنطلاقاً من أُم الدنيا رائدة الفكر القومي العربي بلا منازع.
أكبر خطأ إرتكبه خالد الذكر أب الفكر القومي العربي، كان رفضه لتبني النهج الديمقراطي، على الرغم من أن شعبيته الطاغية كانت كفيلة بدحر أية وكل معارضة في حينه مهما كانت كبيرة، فلا يجب أن يتكرر ذلك الخطأ على يد الأبناء، شكراً.
تحياتي د. فوزي الأسمر وشكرا لهذا التحليل الممتاز الذي يبرز ويوضح العلاقة بين الغرب والإسلام السياسي . أؤيدك الرأي بان أميركا والغرب بشكل عام يفضلون التعامل مع الإسلاميين لان ولائهم الأول وهدفهم الأول هو ديني أي تحقيق الأجندة الدينيه ، وما يحدث في مصر الآن يؤكد على هذا. وأيضاً بتشجيع أميركا لحكومات دينيه تفسح المجال أمام إسرائيل لفكرة الدولة اليهودية وآلتداعيات لهذه الفكري معروفه .
الفكر القومي لايمكن ان يكون قاءما الابرعايه الجيوش كما في سوريا او الجيوش والمال الخليجي كما هو الان في الانقلاب المصري