واشنطن وانتخاب السيسي

حجم الخط
0

عشية الانتخابات في مصر أصبحت صورة مؤيدة السيسي التي هتفت في الميكروفون، «سد فمك، يا اوباما» نجمة جماهيرية. وقد اعطت الصرخة صداها في كل العالم العربي، واصبحت بطلة الشارع ضيفة شرف في «منتدى الاعلام العربي في دبي». كيف حصل أن الرئيس الامريكي بالذات الذي صعد كالنيزك في سماء الشارع العربي – الاسلامي، تحول الى «الرجل الاكثر كرها في مصر»، حسب أحد الصحافيين؟ ما معنى الامر من ناحية مكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط؟ يرتبط الجواب بشرك «الشارع العربي» – فهم اشكالي سيطر على النقاش في السياسة الامريكية.
لعشرات السنين سعى المسؤولون في واشنطن الى فهم مزاج الجمهور في البلدان العربية. وثمة في اوساطهم من يخشى ويحذر من غضب الجماهير، وثمة من يرغب في ارضائها. وفي بداية الخمسينيات كتب من صار لاحقا محرر صحيفة «الاهرام» حسنين هيكل يقول ان الولايات المتحدة تعتبر في الشارع العربي «الدولة اللامعة» فوق الامبراطوريات الاوروبية الفاشلة؛ غنية، مع ثلاجات، تلفزيونات وروح جديدة. ولكن سرعان ما تطورت كراهية الشارع لامريكيا، وفي اطار العروبة للرئيس ناصر اعتبرت كاستمرار للاستعمار، كعدو للعالم الثالث وكصديق لـ «الكيان الصهوني».
ومع أن الهزيمة في حرب الايام الستة استوجبت من مصر التسليم بالقوة العظمى، الا أن الحلف المصري مع الولايات المتحدة والذي أدى الى اتفاقات كامب ديفيد كان قبل كل شيء «تعبيرا عن التسليم المصري بالقيود العربية الداخلية»، مثلما كتب المثقف اللبناني الامريكي فؤاد عجمي.
الى جانب الاعجاب بالثقافة والقوة الامريكية، لم تنطفىء الكراهية لواشنطن – وقد شجب الرئيس السادات كخائن وقتل «لاستسلامه للصهاينة وحلفائهم في واشنطن». وحتى بعد تحرير الكويت في 1991 واتفاقات اوسلو في 1993 لم تنجح امريكا في دخول القلوب العربية، وفي اعقاب عمليات 11 ايلول كان في امريكا حتى من تبنى تفسير اسامة بن لادن في أن «غضب الشارع العربي الاسلامي» يرتبط بالمسألة الفلسطينية. وادعى ليبراليون بارزون وحتى جمهوريون «واقعيون» بان أمريكا تتسبب بـ «الاضطراب في الشارع العربي»، والرئيس بوش الابن قال ايضا انه يجب العمل على اقامة دولة فلسطينية من أجل تغيير الصورة الامريكية. ولكن سرعان ما تحول بوش الى عدو الشارع العربي الاسلامي، بعد الاجتياح للعراق ولافغانستان.
ادارة اوباما هي الاخرى وقعت في شرك العسل «للشارع العربي». ففي «خطاب القاهرة في 2009 وعد الرئيس بـ «بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين في العالم»، وسعى الى كسب ود العرب التواقين للديمقراطية والحرية. وبالذات بعد اندلاع أحداث ميدان التحرير، هزت نظرية الشارع العربي امريكا بأضعاف: فقد وجدوا في واشنطن صعوبة في الفهم كيف جعل «الجمهور الديمقراطي» الثورة حملة كراهية ضد الولايات المتحدة ورئيسها. «يا اوباما، يا اوباما، كلنا اسامة»، هتفت الجماهير في القاهرة في يوم الذكرى لاحياء 11 ايلول، ولكن الرئيس الامريكي لم يتراجع. فقد تمسك بالديمقراطية التي انتخبت مرسي رئيسا، وعندها مرة اخرى كانت الجماهير هي التي فاجأت عندما اسقطت بمعونة الجيش والجنرال السياسي الرئيس واشارت الى اوباما كخائن.
هكذا حصل أن في غضون وقت قصير، بدأ مؤيدو الحداثة والمسيحيون الاقباط يكرهون اوباما على تأييده للاخوان المسلمين، والاخوان المسلمون يشتمونه على هجر «رئيسا منتخب».
ان انتخاب السيسي على خلفية اصوات المرأة التي تدعو الى «سد فمك يا اوباما»، هو فرصة للامريكيين للتوقف والتفكير – فهم لم يخونوا الشارع العربي، هم ببساطة أسرتهم اسطورة القوة والتخويف التي خلقها. على أصحاب القرار في واشنطن ان يقرروا ما هي أهداف امريكا في الشرق الاوسط ومن هم حلفاؤها. التفكير المبسط عن «الشارع العربي» لا يوفر سوى خيالات متغيرة.

يديعوت 8/6/2014

يوسي شاين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية