لا جدال في أن عالم النشر الإلكتروني يحفل اليوم بتراكم هائل جدا من مشاركات المرأة في الكتابة منذ مطلع الألفية الثالثة، مع تعاظم دور منصات جديدة للنشر الذاتي، ساهمت كثيرا في تحرير صوت المرأة من رقابة المجتمع وسلطة هيئة التحرير التي تفرضها مؤسسات النشر الورقي، كما خففت عنها من إكراهات الطبع والتوزيع وتحقيق متعة التواصل مع القراء.
فبعكس النشر في الجرائد والمجلات الورقية، التي تفرض قوانينها وتوجهاتها الإعلامية والأيديولوجية، وقبل كل شيء إكراهات الحيّز الورقي الضيق فقد أفسحت المنصات الرقمية (مواقع إلكترونية، منتديات، مدونات، مواقع التواصل الاجتماعي) آفاقا لا محدودة للنشر الذاتي، وما قد تتيحه خوارزمياتها من تنسيق وتعديل، وإضافات وجماليات تتعلق بالألوان والصور والفلاشات، إلخ.
ورغم كل ذلك التراكم الأدبي الذي لا نخفي تفاؤلنا الكبير في كمه ونوعه، فهو لا يعد أدبا إبداعيا رقميا، بل إبداعا أدبيا إلكترونيا، أي أنه أدب تتاح قراءته على حوامل إلكترونية فقط مثل الحواسب والهواتف الذكية والتابليتات وغيرها، وبالتالي فهو إبداع أدبي لا يختلف متنه الإلكتروني عن متنه الورقي، سوى في نوع السند الذي ينقل إليه. فقد نعثر على قصيدة في ملحق ثقافي ورقي، ويمكن أن نقرأ القصيدة نفسها في موقع إلكتروني، أو على صفحة فيسبوك، دون أن تغير هذه المنصات من بنيات ودلالات متن القصيدة.
للإبداع الأدبي الرقمي خصوصيات جمالية وفنية ترتبط أساسا بممارسات رقمية وتقنية ينصهر فيها النص الأدبي، وتنصهر هي أيضا في متنه، لكي يتفاعل معها القارئ المفترض. ولعل من أوجب قواعد الإبداع الأدبي الرقمي حتمية حضور الروابط التشعبية بمساراتها المفترضة، ناهيك من عناصر أخرى كالصور والفيديو والملفات الصوتية والشرائط المتحركة، إلخ لكن ليس بالضرورة أن يقحم الكاتب(ة) جميع هذه الآليات والأدوات في النص الواحد، بل قد يستجيب لذلك وفق ما تطرحه محتوى النص الأدبي من معان وأحداث ومجازات وصور ..إلخ وتشكل الروابط التشعبية مدارات أساسية في النص، قد تكون عبارة عن كلمة أو جملة أو علامة أو صورة تتيح للقارئ إمكانية الانتقال من حيز إلى حيز آخر يرتبط به ارتباطا عضويا، أو قد يكون مستقلا عنه في المبنى والمعنى، وفي الشكل والثيمة، كأن ينتقل القارئ من أبيات شعرية إلى فقرة شذرية يحتمل أن تكون بلون مختلف وبخلفية صوتية، أو عبارة عن نص متحرك من اليسار إلى اليمين، أو من الأسفل إلى الأعلى تماشيا مع إيحاءات النص الأدبي.
أخيرا وانطلاقا من هذا التمايز بين الكتابة الرقمية النسائية في وجهيها المختلفين، بين الإبداع والنشر، تتأكد هذه الجدلية الراهنة بين الحضور والغياب، بين حضور لافت في منصات النشر «مواقع إلكترونية ـ مواقع التواصل الاجتماعي ـ مدونات، إلخ» وغياب واضح على مستوى الإبداع الأدبي الرقمي.
كاتب مغربي