أكّد الحراك الجماهيري الشبابي الذي يهزّ أرض السودان الآن، أن شباب السودان ليس، ولم يكن أبدا، مجرد متلق سالب، أو سلعة تتنافس على شرائها الحكومة وقيادات المعارضة، كما ظل قادة النظام يحاولون تصوير ذلك، وإنما هم مشاركون أصيلون، بل هم الطرف الرئيس الذي يملك الحل الصحيح لمعادلة التغيير في السودان. وأكّد الحراك أيضا، أن الشعب السوداني، وفي طليعته فئة الشباب، أصبح واثقا من قدرته على فتح كل المنافذ، حتى يسود الوعي، مستخدما الشعار السليم والتحليل المنطقي، لرفع درجة الحساسية تجاه الآخر، وتجاه كل ما هو متعلق بالحرية والكرامة والحقوق، ومستنتجا الإجابات الصحيحة للأسئلة المثارة حول إستمرار الحرب الأهلية في البلاد ولماذا لا تطفأ نيرانها؟
ولماذا لا تفضي حوارات ومفاوضات الحكومة ومعارضيها إلى حلول جذرية لمشكلات السودان؟، إلى غير ذلك من الأسئلة الأخرى المتعلقة بفشل نظام الإنقاذ في إدارة السياسة والإقتصاد، وبالفساد المتفشي بصورة ممنهجة ومؤسسة في البلاد، وبضنك الغلابة وشظف العيش وقتامة المستقبل، وبإصرار قادة البلاد على مضاعفة أسعار المواد الضرورية للحياة، كالأدوية، غير آبهين لغضبة الحليم. لكن، كل هذه الأسئلة المثارة، يتخللها السؤال الرئيس: لماذا يصر قادة هذا الزمان على مقارعة شعوبهم، فيرفضون التنحي الآمن ؟.
ومتسلحا بالإجابات الصحيحة لهذه الأسئلة، بدأ شباب السودان فصول معركة الحسم، لن تعيقه أي من آليات الفرملة التي يشدّها النظام، ولن يصيبه اليأس والإحباط إذا تأخرت قليلا لحظة وصول ردة الفعل الجمعي التي تتوج الفعل والحراك وتعلن تغيير المشهد السياسي. ونحن، وبما تمليه علينا ضمائرنا وعقولنا وإنسانيتنا وسودانيتنا، لا نملك سوى الإستجابة لصرخة شباب وفتيان وفتيات السودان، والوقوف معهم بكل قوة وصلابة، موقفا عمليا، ضد تحالف الفساد والإستبداد، وحتى تتجرع الإنقاذ، رغما عن أنفها، حنظل سياساتها المعطوبة وسوء إدارتها للبلاد، وسقط قول قادتها وفاحشه تجاه المواطن البسيط.
بدأ شباب السودان فصول معركة الحسم، لن تعيقه أي من آليات الفرملة التي يشدّها النظام، ولن يصيبه اليأس والإحباط إذا تأخرت قليلا لحظة وصول ردة الفعل الجمعي التي تتوج الفعل والحراك وتعلن تغيير المشهد السياسي
إغترت السلطة بردة الفعل الضعيفة تجاه الدم المسفوح لشباب سبتمبر/أيلول 2013، والذين خرجوا إلى الشوارع غير مسلحين إلا بهتافات الحناجر ضد زيادات الأسعار. يومها تجشأت السلطة فرحة حين ظنت أنها أخمدت شعلة الإنتفاضة، ولم تكن تدري إستحالة أن تطفئ جذوتها. وتفاجأت السلطة اليوم، عندما أعلن شعب السودان، صراحة، رفضه مواصلة التفرج على خشبة الحياة وهي تتهاوى في كل بقاع الوطن، وقرر ترجمة هذا الرفض إلى هبة جماهيرية كاسحة، لا يقودها ولا ينظمها ولا يستغلها أي حزب أو تنظيم سياسي، وحظيت بإجماع شعبي، ربما الأول من نوعه في تاريخ السودان المستقل. إنهم ذات شباب «النفير» الذي هب يومها لدرء كارثة السيول والأمطار، وذات شباب مساعدة المرضى المحتاجين في شوارع أقسام الطوارئ والحوادث بالمستشفيات، وذات شباب الصدقات وإفطار الجوعى والمعوزين في شهر رمضان وغيره، وشباب جلسات التلاوة والتفسير، وشباب المساجد عقب صلاة الجمعة، وذات شباب عديل المدارس، وشباب الأندية والجمعيات الثقافية، وشباب فرق «الكورال» الموسيقية والفرق المسرحية…، وغيرهم، تنادوا من كل فج عميق مطالبين بالتغيير لأجل تحقيق ذات الهدف في الحرية والسلام والعدالة والعيش والكرامة. والشباب المنتفض في شوارع السودان، تخطى وصفات الثنائيات الكلاسيكية، من نوع يمين ويسار، أو رجعي وتقدمي، أو علماني وديني، وغيرها، ليؤكد تمدده ليضم كل الشرائح السياسية والإجتماعية والثقافية والدينية وحركة المجموعات الإثنية والقومية…الخ، وليضم أيضا بعض المجموعات الخارجة على النظام، والتي أعلنت خطل ما كانت تسير عليه، وقررت نفض يدها عن النظام، مبدية إستعدادها للمساهمة في معارك التغيير ومعارك الحفاظ على الوطن. وعلى الرغم من إختلاف المصالح ووجود نزاعات قائمة، مع إتساع وتنوع هذه القوى، فإن قيادتها لا بد أن تأتي تعبيرا حقيقيا عن هذه التركيبة الجبهوية الواسعة والعريضة، ولا مجال لسيطرة هذا المجموعة أو تلك الفئة. وفي سودان اليوم، الوضع لم يعد يحتمل إعادة انتاج خطاب القائد وإيماءات الرعية، سواء على مستوى الحكم أو مستوى المعارضة. وزمان القائد الواحد ذي السلطة المطلقة قد ولى، ومعاملة جماهير الشعب وكأنها قطيع يساق حيثما يشاء الراعي، أصبحت في حكم المستحيل. ولا مناص من القبول بحقيقة بروز أكثر من قائد، في أكثر من موقع ورقعة، يمكن أن يعمل مع الآخرين لإحداث وإنجاز فعل التغيير. ونحن عندما نتحدث عن ضرورة الإبداع والإلهام في قيادة قوى التغيير، فإن من ضمن ما نقصد هو كيفية تجسيد التكامل بين تلك القيادات المتعددة والمتنوعة.
أهل السودان، كغيرهم من شعوب العالم، تختلف طرائق تفكيرهم، مثلما تختلف رؤيتهم للأشياء بإختلاف الزوايا التي ينظرون منها، ولكنهم يسعون لتحقيق ذات الأهداف التي تسمح بتعايشهم السلمي الذي يحفظ لكل منهم تماسكه الوجداني، وكرامته الإنسانية، وتطلعاته الاقتصادية. وحتى المتضررين من ممارسات السلطة، ورغم ما حل بهم من ذل وظلم، فإنهم لا يهددون بحملات «الدفتردار» الإنتقامية، بل يتطلعون لتحقيق الأهداف نفسها. وقطعا ستتحقق هذه الأهداف عند بلوغ النقطة التي تتقاطع فيها خطوط الفعل المقاوم الذي يقوم به هذا الفصيل وتلك الحركة المطلبية وذاك التحالف الشبابي، في المركز وفي الهامش. إنها نقطة التغيير، ومفتاح الإجابة على سؤال السودان إلى أين. فنحن نتوق إلى الديمقراطية والسلام والأمان، حتى نبني الوطن وننعش التنمية ونؤهل الأجيال الجديدة. وشعبنا يطمح الى حياة تقوم على إعلاء شأن الإنسان والقيم الإنسانية الحقيقية. والوطن بحاجة لمشاركة الجميع للتصدى للقضايا التى توحد كل السودانيين بصرف النظر عن لونهم او دينهم او لغتهم أو معتقداتهم الفكرية والسياسية، وهذا ما إنتبه إليه شباب السودان، فنزل إلى الشوارع حتى يصبح ذلك ممكنا، وحتى تتحول الحكومة الى جهاز اداري في خدمة الشعب وليس بقرة حلوب على اكواب البعض. وما يقوم به هولاء الشباب، يجعل المرء يطمئن تماما على مستقبل هذا الوطن.
كاتب سوداني
الحالة السوادانية أصبحت فريدة وذات أهمية قصوى, لأنها جاءت بعد بدا للجميع أن الربيع العربي أنكسر وأن التوحش انتصر على الإنسان العربي. إلا أن الشعب السوداني نهض كمن ينهض من بين الركام يرفع صوته عالياً, وأعلن أن الربيع العربي لم ينكسر لأن الشعوب لاتنكسر وإن لم تنتصر لفترة من الزمن طالت أم قصرت. ومن هنا فإن العرب ينظرون بترقب شديد فيه نوع من الحذر ولكن بكثير من الأمل في أن يستطيع الشعب السوداني تحقيق التغيير المطلوب. دعائنا لكم ياشعب السودان الأبي بالقوة والثبات والنصر إن شاء الله.
اللهم نصرا مؤزرا لشعب السودان الباسل