وتعطلت لغة الكلام!

صديقة عادت من بيروت وروت لي أنها شاهدت على شاشة التلفزيون اللبناني حواراً بين سياسي كبير معروف وصحافي راق. وكان من المفترض أنهما يختلفان في الرأي ويدور بينهما حوار حول ذلك. وقالت لي إن أحدهما انهال بالضرب على الآخر، وذكرت لي الأسماء (ولن أذكرها لأنني لم أشاهد البرنامج!). هل يعقل أن يتحول الحوار إلى تضارب وتتعطل لغة الكلام إلى لغة الضرب المتبادل؟
هل نحن أمام صورة لحرب أهلية جديدة ممكنة في لبنان؟
متى نرضى بالاستماع إلى الرأي الآخر بهدوء وبدون تضارب، فالعنف لغة الذي لا يثق برأيه أو يرفض حوار الرأي الآخر ولا يعبر عن ذلك بلغة الكلام. وأتساءل: لماذا لا يبدأ (الحوار بدقيقة مصارعة حرة يدرك بعدها المتحاوران أنه لا بد من وضع الأعصاب في (ثلاجة) وترك لغة العقل تسود الحوار.
لا أريد أن أسمع بعد الآن عن (حوار) بين شخصين على درجة كبيرة من الرقي الفكري لكنه ينتهي بلغة العنف. تريدون معرفة أسماء عمن أتحدث عنهما حيث ينتهي الحوار بالتضارب؟
اسألوا أي شخص يعيش في بيروت وحتى أنا أعرفهما ويعز عليّ أن تتعطل لغة الكلام وتتم المخاطبة ضرباً.

أهلاً بك يا «أميناتو»

على النقيض مما تقدم، شاهدت فيلماً ضد العنصرية التي تفسد حياة الكثير من الناس، فيلم فرنسي لا أعتقد أن من شاهده سيرضى بالعنصرية. وأقصد هنا كراهية الفرنسي أبيض البشرة ضد “سوداء البشرة” (أو أسودها). والفيلم يقف ضد العنصرية البيضاء، فبطلته الأخرى هي القزمة الممثلة ميمي ماتي. والمجتمع الأوروبي لا يحب السود ولا الأقزام. وفي الفيلم نحن أمام سوداء من السنغال وبيضاء لكنها قزمة، وأغلب المجتمعات المعاصرة (بما في ذلك بعض العربية) لا تنظر بعين الرضى إلى النموذجين البشريين.

أعترفْ!

إذا جاء ابنك وأنت العربي ـ يريد الزواج من سوداء من السنغال، هل سترضى عن ذلك أم ستصمت تهذيباً؟ وماذا عن ابنتك التي أرسلتها للدراسة في لندن فعادت إلى بلدها العربي ومعها زميلها الأستاذ الدكتور أسود البشرة لأنه من إفريقيا. ونترك الاعتراف العلني وكل شخص يحاسب نفسه بصمت بينه وبين نفسه. ونعود بالفيلم الذي أتحدث عنه ويوقظ هذه الأسئلة كلها في النفس. هذا شاب فرنسي قروي وسيم أزرق العينين يلتقي بالجميلة أميناتو في رحلة عمل إلى السنغال، ويغرم كل بالآخر، وتأتي أميناتو إلى فرنسا للتعارف إلى القرية الفرنسية التي ستعيش فيها حين يتم الزواج بينها والحبيب الفرنسي.

العداوة المجانية لأنها سوداء

أميناتو جميلة بمقاييس غير الشقراوات الأوروبية، تسيل طيبة وبراءة. تحمل معها هدية إلى والدة خطيبها، ولكنها (حماتها) ترمي بها إلى الأرض. وجوزفين القزمة الفرنسية الشقراء ترى ذلك، وتحزن. فهي ليست سوداء ولكنها قزمة ووظيفتها إطعام البقر وقت ذلك وحلبها.
باختصار، الكل يكره أميناتو لمجرد أنها سوداء، ويعاديها (كحماتها) وحتى ابن خطيبها الصبي الصغير الذي ماتت أمه وهو طفل والآن يريد والده الزواج من أميناتو. وتكيد لها حماتها القادمة، فإذا أعدت الطعام تخربه لها برش كمية كبيرة من البهار، بحيث لا يستطيع أحد الأكل، وتقسم أميناتو أنها لم تفعل ذلك! ويكيد لها الجميع بسبب العنصرية، وحدها القزمة الشقراء جوزفين تساندها.

كلهم ضدها لأنها سوداء!

صديق طفولة خطيب اميناتو يكذب ويدعي أنها غازلته والعكس هو الصحيح، وكذلك سائق الشاحنة. أشخاص قرويون بسطاء لا يقصدون الشر والأذى، ولكنهم كبروا على هذه الأفكار.
جوزفين التي كانت هناك نقلت الحقيقة وكذبتهم لأنهم يريدون التخلص منها لأنها سوداء، كما والدة زوجها وكما ابنه، حتى كاد الزواج الموعود لا يتم. ولكنه تم أخيراً على الرغم من أنف كل شيء. وأعفي القارئ من التفاصيل. وطوال عمري أقف ضد تقسيم البشر إلى أبيض وأسود ونرغمهم على الزواج من الذين لهم لونهم. فلون البشرة هو قشرة لا أكثر. وإذا جاء ابني غداً ومعه نسخة عن أميناتو، سأتعارف إليها إنسانياً وأرحب بها وأطبق عليها المقاييس التي قد أطبقها على فرنسية شقراء. فلون البشرة قشرة، والمهم الإنسان. أحببت الفيلم لأنه يقف ضد الكراهية المجانية للسود كما (اميناتو) وللأقزام كما ميمي ماتي التي تمثل في الفيلم دور جوزفين دولامار. وباختصار، كانت للفيلم نهاية سعيدة، ولكن هل يحدث ذلك حقاً في الحياة اليومية؟

انتصر لكنه مات مقتولاً!

إلى جانب ما تقدم، أكره العنف حتى إذا كان في حلبة مصارعة يحيط بها مئات المشجعين لهذا أو ذاك.
وهذا ما حدث في مباراة ملاكمة، حيث انتصر أحدهما على الآخر الذي ارتمى على أرض الحلبة ولم ينهض قبل أن ينجز الحكم العد للعشرة.
ولكن المفاجأة كانت بموت المنتصر في النزال وفوزه، أي أنه انتصر لكنه مات مقتولاً!
أتمنى أن يأتي عصر تلغي فيه الملاكمات لكيلا يخسر البعض حياتهم سواء انتصروا أو هزموا. فالمنتصر الحقيقي هو عدم نبذ العنف بمعانيه كلها حتى إذا كانت مباراة ملاكمة.
واسألوا الملاكم البريطاني سكوت ويتسميرالد، الذي انتصر في حلبة الملاكمة لكن الموت هزمه! وكسر قلب والدته ومن يحبه.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية