وثيقة تاريخية عن خبايا السياسة الإسرائيلية توصيات بتأجيج الفتنة بين الطوائف

 وديع عواودة
حجم الخط
1

الناصرة ـ «القدس العربي»: رغم المحاولات المتواترة لحجب الوثائق الأرشيفية الخاصة بتعامل دولة الاحتلال مع الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر ينجح بعض المؤرخين، خاصة المؤرخين الإسرائيليين الجدد، بكشف خبايا وكواليس سياساتها العدوانية والكيدية تجاههم.
وتكشف وثيقة تاريخية عن توصيات بزرع الفرقة بين المسلمين والمسيحيين والدروز ومحاولة منعهم من التعلم الجامعي وبلورة طبقة مثقفين وبناء أحزاب سياسية مستقلة. وفي واحدة من هذه الوثائق يكشف المؤرخ آدم راز مساعي إسرائيل في العقد الأول بعد النكبة لحشر فلسطينيي الداخل في الهوامش والحيلولة دون تطورهم وبقائهم حطابين وسقاة.
وتظهر الوثيقة الأرشيفية أيضا أن قادة إسرائيل اعتقدوا أنه لا مكان للأوهام بأن دمج الفلسطينيين المتبقين فيها بعد نكبة 1948 (140 ألف نسمة ) من شأنه تحويلهم لمواطنين مخلصين بل ربما يخفف فقط من وطأة عدائهم العلني لها ويحول دون ترجمته ترجمة عملية.
وتأتي الوثيقة بعنوان «توصيات لمعالجة الأقلية العربية في إسرائيل،» وهي صادرة في سبتمبر/ أيلول 1959 عن الحزب الحاكم المؤسس لدولة الاحتلال، حزب «مباي» بقيادة دافيد بن غوريون.
ويستنتج الباحث راز من قراءة الوثيقة التاريخية أن إسرائيل تنازلت على محاولة تحويل فلسطينيي الداخل الى جزء من مواطنيها ومنحهم مواطنة متساوية. وتم إعداد هذه الوثيقة عشية اجتماع داخلي خاص لتداول «مباي» في السياسة الأفضل للتعامل مع الفلسطينيين المتبقين في وطنهم وصاروا رسميا مواطنين في الدولة التي هجرت شعبهم وسلبت وطنهم.

فرق تسد

وتوصي الوثيقة ببذل كل الإمكانيات لتطبيق سياسة «فرق تسد» بين المسلمين والمسيحيين والدروز الفلسطينيين، معتبرة أن هذه «وسيلة مجربة وناجعة» لخلق جدران عازلة بين الطوائف. ويتنبه آدم راز إلى أن هذه التوصية ظلت صالحة ومعتمدة في العقد الثاني من تأسيس إسرائيل، بإشارته لوثيقة أخرى أعدها شموئيل طوليدانو صاحب لقب «مستشار رئيس الحكومة لشؤون العرب». ويتابع راز في تسليط الضوء على سعة وعمق انشغال إسرائيل بالفلسطينيين المقيمين فيها ممن اعتبروا «طابورا خامسا» فيشير إلى أن وثيقة طوليدانو كانت أساس اجتماع «سري جدا» تم في يوليو/ تموز 1965 للتباحث  في سؤال السياسة المطلوبة لتعامل الدولة اليهودية مع «الأقلية العربية»، وشارك  فيه مندوبون عن رؤساء أجهزة المخابرات «الشاباك» و»الموساد» والشرطة ومندوبون عن وزارتي الخارجية والتعليم. وتقضي الوثيقة الأخيرة بعدم مطالبة الأقلية العربية بالولاء بكل ما تعنيه الكلمة لدرجة التماثل مع أهداف الدولة اليهودية خاصة تجميع يهود الشتات وبناء كينونة قومية ودينية لـ «شعب إسرائيل».
وتعلل رؤيتها هذه بالقول إن مثل هذا الطلب ليس واقعيا وغير شرعي ولذا يجري السعي لتسليمهم السلبي بوجود إسرائيل وتحويلهم لمواطنين يحافظون على القانون. وتعكس الوثيقتان مسعى إسرائيل لمنع  تسييس فلسطينيي الداخل والحيلولة دون تبلور وتطور قيادة عربية عصرية، وهذا جرى خلال فترة الحكم العسكري وفرض منع التجوال الليلي واعتماد نظام التصاريح الخاصة بالتحرك، التي امتدت من 1948 إلى 1966. وفي الاجتماع السري المذكور عام 1965 تم التباحث في كيفية منع تطور طبقة مثقفين عرب في إسرائيل بدعوى أن نخبة كهذه تميل لمواقف قيادية راديكالية.
وتقترح الوثيقة «حلولا بطيئة « كالامتناع عن تشجيع فلسطينيي الداخل للدخول الى الجامعات خاصة في مواضيع الحقوق وكلية الآداب مع السماح لهم بتعلم الطب والعلوم الطبيعية. كما توصي وثيقة طوليدانو بمنع تبلور  تكتل حزبي لدى فلسطينيي الداخل كي لا تتشكل أطر سياسية مستقلة على أساس قومي. وترى الوثيقة أنه ينبغي توجيه أصوات العرب لدعم الأحزاب الصهيونية التي ينبغي أن « تفتح أبوابها « أمام انضمامهم لها تدريجيا وتحت الاختبار.

بين البارحة واليوم

وتشدد الوثيقة الأولى عام 1959 على أن سياسة «فرق تسد» خلال العقد الأول بعد النكبة قد مكنّت إسرائيل من منع تبلور الأقلية العربية لكتلة منسجمة موحدة وأتاحت لقادة الطوائف الانشغال بقضايا الطائفة بدلا من الشؤون العربية العامة.
ويقول الباحث راز إن معاينة الوثيقتين التاريخيتين تثير مشاعر ساخرة حزينة، لافتا أنه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي عملت قيادة إسرائيل بعناد من أجل منع تشكيل أحزاب عربية مستقلة وشجعت التصويت لقوائم صهيونية تسميتها وهويتها المظهرية عربية برئاسة وجهاء ومخاتير.
يشار الى أن هذا ما حصل على الأرض حيث تأسست قوائم عربية اصطناعية برئاسة وجهاء عرب بمبادرة مباي»، وكانت قد دارت في فلك « مباي» منذ الانتخابات الأولى للكنيست عام 1949 حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي عندما تلاشت هذه القوائم وبدأت تظهر أحزاب وحركات عربية مستقلة في الداخل.
وضمن قراءته للماضي والحاضر في ضوء الوثيقتين يقول راز  الذي سبق ان كشف عن وثائق حول مخططات تهجير إسرائيلية فعالة وصامتة لفلسطينيي الداخل.
وأصدر كتابا عن خبايا ومرامي مجزرة كفر قاسم عام 1956 . وبخلاف موقف المؤسسة الحاكمة وقتذاك فإن الأحزاب العربية اليوم مستقلة، بينما تكاد تخلو الأحزاب الصهيونية من ممثلين عرب. ويوضح أن دمج العرب في الأحزاب الصهيونية خلال العقدين الأول والثاني بعد النكبة كان يهدف لتكريس عدم تعرض المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل للتسييس، وأن إقصاءهم اليوم عن الأحزاب الصهيونية الكبيرة يهدف للحفاظ على الفصل بين الشعبين ويبعد العرب من مراكز صناعة القرار. ويضيف «في بداية الطريق كان العرب ورقة تين، أما اليوم فقد تم تحوليهم لكبش فداء. واليوم أيضا فإن فقدان العرب في قوائم « المركز» مرده الرغبة بالفصل كما يتنافس قادة هذه القوائم على من هو أكثر عداء للعرب».

الحكم العسكري لم ينته

كما يشير الى عدم رغبة حزب العمل» بنشاط للعرب في صفوفه، كما ينعكس في فقدانهم من قائمة مرشحيه للكنيست، فيما تم ترشيح فتاة درزية واحدة في أول 40 مرشحا لحزب « أزرق – أبيض «، في المكان الخامس والعشرين. ويستذكر أن وثيقة «مباي» جاء فيها أنه لا يمكن التفكير بنظام حكم مستقر عندما تكون أغلبية الأقلية العربية موجودة في المعارضة».
ويتابع « تم دحض هذه المقولة لأن العرب في المعارضة منذ 70 عاما دون أي قوة حقيقية رغم أن معظمهم غير راغب بذلك ويرغب 60% منهم بانضمام نوابهم للحكومة، فيما اشترط نصفهم فقط بأن تكون هذه حكومة يسار صهيوني، وفق استطلاع « هآرتس « قبيل الانتخابات السابقة.
وينبه راز الى أن اليمين بقيادة نتنياهو يرى في مشاركة العرب تهديدا انتخابيا سياسيا لحكمه، ويقول إن معارضيه أيضا يتساوقون مع هذه الرؤية ويشرحون للجمهور الواسع لماذا العرب « غير شرعيين « في الشراكة بالحكم، بل يساوون بين التجمع الوطني الديمقراطي وبين حركة كهانا العنصرية.
ويخلص لمواصلة المقارنة بين الأمس واليوم وربما المستقبل بقوله « في مثل هذا الواقع لا حاجة لتشريعات وإجراءات ونظم من أجل الفصل بين الشعبين. الحكم العسكري تم إلغاؤه لكن روحه ما زالت سائدة في أوساط اليمين». لكن رؤية للخلف تظهر أن فلسطينيي الداخل تطوروا كما وكيفا بعد 70 عاما على النكبة كما يتجلى بازدياد عددهم عشرة أضعاف وتطوير مسيرة تعليم لافتة وبناء أحزاب وجمعيات أهلية ومؤسسات لم تكن إسرائيل ترغب بها رغم كل المعيقات. ولذا يرى قادة سياسيون كثر في أراضي 48 أن الخوف من تنامي قوة فلسطينيي الداخل دفع إسرائيل بعد هبة القدس والأقصى عام 2000 لاحتلال قلعتهم من الداخل وتدمير مكتسباتهم وإفشال مسيرة تبلورهم كأقلية وطن قومية من خلال صرف النظر عن تفشي السلاح وتفشي الجريمة والقتل وغيره، كما تكرر دائما لجنة المتابعة العليا في مواقفها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري:

    العرب لم يفهموا الى الان ان في وحدتهم قوتهم وان الاستعمار لعب ومازال يلعب على الوتر الطائفي والعرقي كي يفرق فيما بينهم

إشترك في قائمتنا البريدية