اتفاق بشكل لا اتفاق هو آخر نتائج حوارات ماراثونية بين ‘المجلس الوطني الكردي في سورية’، و’الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية’،’ بدأت بوثيقة سياسية’بينهما في القاهرة، ولم توقع ‘من قبل الطرفين إلا في آب/اغسطس الجاري، من دون أن تحمل معها ما هو جديد أكثر من بلوغ خط النهاية، من دون أن تكون هناك اي نتائج لهذه المفاوضات، التي كانت تقول المعارضة فيها عن الكرد، بأنهم عشاق انسحاب من المؤتمرات وطالبو نزع الهوية عن هذا الوطن،’ويقول الوطني الكردي فيها عن المعارضة، بأنها ليست أفضل حالاً معهم من النظام. انتهت هذه المفاوضات من دون أن يكون طرفاها راضيين عما وقعا عليه، وهذا هو الغريب في الأمر، حيث يعترض المجلس الكردي على ثلاثة بنود متعلقة بشكل الدولة، وحجم تمثيلهم في الائتلاف، واسم الجمهورية التي يطالبون بتحويلها إلى السورية بدلاً من العربية السورية، وكل هذا’مقابل اعتراضات لا نهاية لها من قبل كتل وشخصيات كثيرة في الائتلاف، ابتداءً برفض حجم التمثيل، كما كان متفقا عليه في مؤتمر الدوحة بـ3 مقاعد للمجلس الكردي، وانتهاءً بمحاولة إلغاء الهوية’العربية عن سورية وتمزيقها. لم تستطع هذه الوثيقة السياسية الموقعة بين المجلس الوطني الكردي والائتلاف السوري أن تنهي كل ما كان يقال في سورية عن الأكراد، باعتبارهم’غير مخلصين للثورة، وأنهم منذ بدايات خروجهم في التظاهرات لم يخرجوا إلا وهم رافعون علمهم الكردي، وأنهم لم يشاركوا في القتال لاسقاط النظام، ولم تهمهم معاناة السوريين بقدر ما كان يهمهم الحصول على مطالبهم ولايزالون يفضلون إقامة كردستان مستقلة على حساب سورية الوطن، وهو همهم الأول. ومن المطلوب كبح جماح تطلعاتهم ومطالبهم التي لن تترك سورية بخير بل تحاول تجزئتها. لم يتخلَ الائتلاف – وهو المظلة الأوسع للمعارضة السورية’- عن اعتبار الكرد خنجراً للتقسيم في خاصرة سورية، كما لم ينجح المجلس الوطني السوري قبلاً في وأد هذه الفكرة، وازداد معه البعد القومي الكردي في سورية، فهو حاضنهم ومرجعهم الأكبر، مادام الشركاء لا يقبلون شكل التعايش الذي يرغبون هم به في سورية، طبعاً لو تجاوزنا التأثير الدولي والتركي بالأخص على الائتلاف، الذي لن يسمح بوجود كيان فيدرالي يثير شهية أكراد تركيا على الجانب الآخر من الحدود. في مقابل هذا عجزت الوثيقة السياسية الممهورة من الطرفين عن تغيير نظرة الأكراد السوريين في المعارضة، ولا سيما الائتلاف، في أنه يستكثر عليهم الاعتراف بهم كشعب له حقوقه، ولم يمنحهم نظام الحكم الذي يطمحون له وإنه الائتلاف – مصرّ على إلغائهم عبر التهرب من تطبيق ما تم الاتفاق عليه، وزاد من مخاوف الكرد ما طرحه الائتلاف في ختام مؤتمره’في الخامس عشر من الشهر الجاري – الذي اعتبره الكرد تملصاً من الوثيقة الموقعة بينهما – إذ أعلن فيه الائتلاف: ‘يلتزم الائتلاف بأن تخضع كافة الاتفاقات والمعاهدات والمواثيق التي تبرمها أي جهة سياسية سورية أخرى، إلى مصادقة أول مجلس نيابي منتخب، وله حق إقرارها أو تعديلها أو إلغائها’، وتم النظر كردياً إلى هذا الإعلان بأنه نشف الحبر من كلمات الوثيقة الموقعة بينهما، وأن الوثيقة ما عادت’قابلة للتطبيق. إزاء هذا المشهد لا يمكن القول إلا أنه بعد ثلاث سنين من الثورة، هناك ثمة شرخ كبير بين المكون الكردي وشركائه العرب في سورية، حيث لم تستطع هذه المدة أن تلغي الفكرة التي رسمها النظام عن كل مكون لدى الآخر، فالأكراد دعاة انفصال، والعرب شوفينيون لا يقبلون هذا الوطن إلا عربياً حتى النخاع. كان من الحري بالائتلاف ألا يكرر حالة الشرخ بينه وبين المجلس الوطني الكردي، في اعتبار الجمهورية الاتحادية، أي النظام الفيدرالي، كفراً وتقسيماً لسورية، وهو الحل الذي يمكن من خلاله تحقيق كل المطالب الكردية، فعلى وجه هذه المعمورة هناك 14 دولة تعيش ضمن هذا النظام، وأحد هذه الدول، أمريكا التي تبسط سيادتها على العالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بفضل نظامها الفيدرالي الاتحادي، ولو اعتمد الائتلاف هذا الطرح فإنه كان سيستطيع’ كتابة صفحة جديدة في تاريخ هذا البلد، وأن يجعل الأكراد يقفون معه بقوة في خندق النضال، من دون مخاوف، ويتمسكون بسورية بشكل أكبر. لا شك لن تستطيع هذه الوثيقة الموقعة أن ترى النور، لأنها لم ترض’الشارع الكردي، ولا العربي في سورية، حيث أن مطالب المجلس الوطني الكردي لم تلب ولا الائتلاف يملك القدرة على تلبيتها، بالإضافة إلى أن من يستلم زمام الأمور اليوم كرديا، هو’حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم، وما تم لم يكن بموافقته، وهذا ما حدث حيث اعتبر مسلم في آخر تصريح إعلامي له، أنهم كحزب غير معنيون بهذا الاتفاق، وأن المجلس الوطني الكردي لا يمثل كل الأكراد، ومن الضروري أن تكون أي خطوة سياسية في هذا السياق هي من عمل الهيئة الكردية العليا، وهي المظلة السياسية الكردية الأوسع التي تجمع المجلس الوطني الكردي السوري، ومجلس شعب غرب كردستان. وهل سيتغير شيء في الأمر حتى لو اعترف الائتلاف باستقلال أكراد سورية، مادام النظام حاكماً ومادام السوريون لا المعارضة فحسب هم الذين سيقررون شكل الدولة في المستقبل. في مقابل ذلك هناك أطر سياسية أخرى مازالت خارج مظلة الائتلاف السوري، وهي التي ستقول كلمة لاحقاً في سورية ما بعد الأسد، من دون القفز على كلمة القوى العسكرية السورية، وعلى رأسها الجيش السوري الحر- لو تجاوزنا التشكيلات الاسلامية المتشددة. عدا عن ذلك فالائتلاف نفسه وضمن بيانه الاخير أعاد الخوف إلى المتفائلين بهذه الوثيقة كردياً في أنها ستُرجأ إلى برلمان سوري حر إلى ما بعد سقوط النظام. الكلمة النهائية في هذه الوثيقة الموقعة بين الائتلاف والوطني الكردي وغيرها من القضايا المصيرية المتعلقة بشكل هذا البلد، من الصعب أن تكون لأي قوة سياسية تحكم المشهد الكردي أو السوري بشكل عام، وما سيتم الاتفاق عليه سيبقى ميتاً على الأوراق التي وقع عليها، وسيختلف واقع المعارضة السورية عن واقع المعارضة العراقية التي اجتمعت في لندن وحددت دستور وشكل العراق قبل اسقاط نظام صدام في 2003. فالثورة السورية كانت على خلاف كل بلدان الربيع العربي وستكون مختلفة أيضاً بعد سقوط النظام، بالإضافة ألى أن صوت السلاح سيغلب على كل حوار إلى أمد غير معلوم في سورية.