وجبات الكوميديا الشهية على موائد رمضان الدرامية

كمال القاضي
حجم الخط
0

في الموسم الرمضاني الماضي خسرت الدراما المصرية خسارة ملحوظة لوقوعها في فخ الأكشن الفج وتركيزها على الجريمة كعنصر جذب لما يكتنفها من غموض وإثارة، حسب ظنون الكُتاب والمخرجين الذين خانتهم التقديرات في حساباتهم مع الجمهور الذي تعامل بفتور مع النوعيات الرديئة وانصرف عنها لعدم مصداقيتها وغرابة طرحها وبُعدها عن المنطق والمُبالغة الشديدة في تصوير الواقع الشعبي ومُشكلاته وصراعاته ومعاركه.
وربما كان من أبرز ما تم عرضه ورفضه جماهيرياً مسلسلي «ملوك الجدعنة» بطولة عمرو سعد ومصطفى شعبان، و«لحم غزال» بطولة غادة عبد الرازق وعمرو عبد الجليل، فالاثنان اعتمدت أحداثهما على المركبين الأساسيين، الجريمة والعقاب، وظلت حلقاتهما طوال الشهر الكريم تتراوح ما بين القتل والخوف والترويع في مجافاة تامة للحالة الاجتماعية الحقيقية للحارة المصرية، فضلاً عن استخدام اللغة السوقية في الحوار كنوع من محاكاة اللهجة التي يتحدث بها بلطجية المناطق العشوائية وفق اعتقاد صُناع العمل، وقد تسببت تلك المعطيات المُلفقة في عملية الرفض وعدم قبول الجمهور للعملين بشكل واضح وصريح.
وعلى أثر ما تعرضت له هذه النوعية والنوعيات المماثلة من نقد سلبي لجأ كُتاب الدراما إلى تغيير المسار هذا العام بالاتجاه إلى اللون الكوميدي كبضاعة مضمونة الاستهلاك والترويج ولا يحتمل تقييمها لهجة النقد الحادة التي تؤثر على انطباع المُتلقي وتؤدي إلى العزوف عن المشاهدة. ولأن الكوميديا هي أنسب أنواع الدراما للعرض على المنصات الإلكترونية وأثبتت التجارب العملية نجاحها بقوة في الفترات الماضية، فقد انتبه المُنتجون إلى أهميتها ومن المتوقع أن تكون هي البديل الرئيسي لما تم تقديمه من قبل باعتبارها كما أسلفنا بضاعة مضمونة لا تبور ولا تخسر.
وبالفعل بدأت الاستعدادات منذ فترة طويلة لتجهيز عدد غير قليل من المُسلسلات الكوميدية القصيرة والآن يتم تصوير ما سوف يُعرض خلال شهر رمضان المُقبل في سباق مع الزمن لإنجازه بشكل سريع ليلحق بسباق الموسم بدون تأخير، حيث تستغرق عملية التصوير والمونتاج وقتاً طويلاً كي يُصبح المسلسل جاهزا تماماً للعرض الجماهيري سواء على المنصة أو الشاشة التلفزيونية.
ومن العناوين الكوميدية الجديدة التي تستعد للمنافسة بقوة على منصات العرض الإلكتروني وتعتمد فيها الحبكة الدرامية على التكثيف الشديد للأحداث لاختصار عدد الحلقات مسلسل «الكبير» لأحمد مكي وتقتصر حلقاته على 6 حلقات فقط بحسب ما صرحت به المصادر، وكذلك مسلسل «يوميات زوجة مفروسة» لا يزيد عدد حلقاته عن 5 حلقات كوجبات كوميدية سريعة تصلح للتسلية والفكاهة، وأيضاً مسلسل «عالم موازي» 15 حلقة بطولة دنيا سمير غانم وهو مؤجل من العام الماضي، إضافة إلى مسلسل «مكتوب عليا» لكرم حسني و«عودة الأب الضال» لبيومي فؤاد و«رانيا وسكينة» لروبي ومي عمر، وكلها مسلسلات قصيرة سيتم الاعتماد عليها في جذب النسبة الأكبر من هواة المشاهدة على المنصات الإلكترونية، خاصة من شريحة الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين ثمانية عشرة وخمسة وعشرين عاماً، وهؤلاء يمثلون قوة ضاربة قادرة على تغيير الموازين الرقمية في نسب المشاهدة والتأثير بشكل كبير على المشاهدة التلفزيونية التقليدية التي باتت تعتمد فقط على ربات البيوت والموظفين التقليديين وكبار السن، وهذه العينات هي بالتحديد الفئات التي لا تزال مُرتبطة بمتابعة التلفزيون والجلوس أمام الشاشة الصغيرة.
وقد يحدث تفاوت كبير في تقييم دراما رمضان هذا العام نظراً لاختلاف نوعية المُتابعين وأذواقهم والمسافة الشاسعة بين ما يعجب الشباب ويحظى بقبولهم وما يؤيده الكبار أو يرفضونه، وهذه الإشكالية ستضع الكُتاب والمخرجين والمنتجين ومسؤولي التسويق في حيرة لأن تعدد الأذواق يتطلب التنويع في العروض ومستوى البضاعة المقدمة وهو من الأبجديات الثابتة في اقتصاديات السوق، لا سيما سوق الدراما الذي يزخر الآن بالأشكال والأنواع والمضامين وبالتالي يحتاج لمزيد من الاهتمام والدقة في مراعاة ما يحتاجه المستهلك الجديد.
وقد بُنيت قياسات الموسم الرمضاني على ما تم اختباره من قبل وحصل على الامتياز الأقوى بما حققه من نسب المشاهدة المُرتفعة، كمسلسل «ليه لأ» بطولة منه شلبي وأحمد حاتم والذي تدور أحداثه حول قضية التبني أو الكفالة للأطفال الذين ولدوا في ظروف اجتماعية قاسية، وهذا المسلسل من جزأين كل جزء 15 حلقة، غير أن هناك أعمالا أخرى متميزة من بينها «ما وراء الطبيعة» بطولة أحمد أمين ورزان جمال و«أحسن أب» لعلي ربيع وسامي مغاوري وأحمد فتحي وهاجر أحمد، إضافة إلى مُسلسلات أخرى، «شقة 6» و«بين السما والأرض» و«60 دقيقة» و«جرائم مُرعبة» وغيرها.
كل هذه النوعيات بمستوياتها المختلفة خلقت نوعا من الزخم الفني والإبداعي وضاعفت من قيمة الدراما وأهميتها كسلعة ضرورية ومطلوبة، خاصة بعد حل أزمة العرض باكتشاف المنصات ووجودها كأمر واقع ونوافذ لديها القدرة الفائقة على منافسة الفضائيات واستقطاب جمهورها بمنتهى السهولة واليسر.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية