نشرت ‘بي.بي.سي’ مؤخرا شهادة رجل يدعى فيلمون سميري، اريتري خرج من بلاده بحثا عن حياة أفضل بقليل. فوصل الى سيناء، ولكن ليس في اطار محاولة اخرى للوصول الى اسرائيل. وكل شهر، حسب تقدير الامم المتحدة، يحاول 3 الاف اريتري الهروب من بلادهم عبر شرق السودان. ليس السودان جنة عدن، ولكن هذا هو الطريق الاسهل الى الخارج. قبائل بدوية تسيطر هناك على الارض، ومن ينجح في الهرب منها ينجو. اما من لا ينجح، فيختطف ويؤخذ بالذات الى سيناء البعيدة، هناك يحتجزهم البدو المحليون، لغرض ابتزاز الفدية. اذا كان يخيل لنا ان الحديث يدور عن قلة من البدو لا يمثلون السكان، فان فيلمون سميري يروي انه مع آخرين من رفاقه نجحوا في الهرب. وبعد بضعة ايام اضطروا فيها الى شرب بولهم كي يعيشوا، وصلوا الى مدينة ما، وهناك، كما يتبين كان السكان هم الذين بلغوا خاطفيهم عن وصولهم. وفي غضون وقت قصير وجدوا أنفسهم مقيدين ومعصوبي العيون، مقتادين كالقطيع الى شقة خفية. وقد حظوا بسلسلة من الضرب والتعذيب، مضطرين الى الاتصال بابناء عائلاتهم لطلب 33 الف دولار. وعندما نجحوا في الحصول على بعض المبلغ، غير الخاطفون رأيهم، وطلبوا مزيدا من المال. واستمرت اعمال التعذيب بلا انقطاع. بعد سبعة اشهر، ومن اصل مجموعة من 20 شخصا، بقي 11 على قيد الحياة. كان يمكن النزول باللائمة على المصريين لعدم اكتراثهم بالافارقة، غير أن هذه ليست القصة. فهذه هي ذات سيناء التي يجري فيها واليها اختطاف ليس فقط لاجئين من دول افريقية، بل وحتى جنود وشرطة مصريون. ليس لدى أحد أي قياس لكمية المخطوفين، وعن صناعة الفظائع والجرائم. وحتى لو افترضنا أن 1000 من اصل 3000 اريتري مخطوفين الى سيناء لغرض الفدية، مضافا اليهم مئات آخرون من اماكن اخرى، كاثيوبيا، او اقاليم اخرى في السودان، كدارفور، فان الحديث يدور عما لا يقل عن نحو 1000 في الشهر، 50 في المئة منهم لا ينجحون في تجنيد المال. وهذا يعني أن نحو 500 يقتلون في الشهر. 500 ينجحون في تجنيد المال. لنفترض أن الحديث يدور فقط عن 10 الاف دولار. النتيجة هي 6 الاف قتيل كل سنة، و60 مليون دولار في السنة، الى أين يذهب هذا المال؟ هناك تقديرات عن مداخيل طائلة لحماس من هذه الصناعة، المبنية ايضا على أن سيناء اصبحت ارضا سائبة، فلا توجد حدود، يوجد وهم عابث بمعابر حدود شرق أوسط جديد بكل بهائه، ووصول حر لكل مكان. في الايام الاخيرة كانت تقارير متضاربة عن استعداد الرئيس المصري مرسي لمعالجة المشكلة، فصناعة الجريمة والجهاد، احدى النتائج العشوائية لدين السلام، تعرضه هو وحكمه لموقف صعب، ومن جهة اخرى، فانه حتى لو لم يكن الاخوان المسلمون مصنوعين من جلدة واحدة، فواضح ايضا أن بعض اولئك ‘الاخوان’ هم اساسا اخوان لذات ايديولوجيا الجهاد. فهذه هي قصة سياقات التطرف. النشر في ‘بي.بي.سي’ وليس هناك فقط يتجاهل الصلة بين حماس والجهاد وصناعة الخطف والتهريب. هكذا بحيث أن الاغبياء، في العالم وفي اسرائيل سيطالبون ‘بوصول حر’، ليس فقط من السودان الى سيناء، ومن سيناء الى القطاع، بل ايضا من القطاع الى الضفة الغربية. ثمة جمعية اسرائيلية تسمى ‘وصول’ (‘جيشا’)، غاية وجودها وصول حر من القطاع الى اسرائيل ومن اسرائيل الى الضفة. وكل المبررات مأخوذة من مجال خطاب الحقوق. ينبغي الكفاح في سبيل حقوق الانسان. ينبغي الكفاح ضد الاف المقتولين في السنة. ينبغي الكفاح ضد صناعة الجريمة لحماس والجهاد. ولكن لهذا الغرض ينبغي رؤية الصورة الكبرى. لا ينبغي منح المجرمين ‘وصولا’ آخر.