حين رمتني المصادفات ضائعا في متاهات الوجود
لم تعتذر مني
لأنها لا تدري لماذا أوجدتني
ولَم يكن مقصودها أن أخوض عراكا مع دنيا
تثخنني بالجراح
وتحملني من الهموم ما لا يُحتمل
وليس سوء النية من شيمتها
المصادفات تلعب
ولا تدير بالا لما نحن فيه من حالات الوجود
فرحا، حزنا، غضبا، أملا، تشاؤما، فشلا، نجاحا
وشعورا بالعدم
لم تختر الزمان ولا المكان
عمياء كانت ومازالت
خرجت من الرحم باكيا
والخروج من الرحم ولادة الدمع
والصراخ
وحين شلّحتني أمي النهد
وأبعدتني عن صدرها وحضنها
وظنت بأني فُطمت
لم تكن تدري بأنها زرعت فيّ التوق الأبدي إلى النهد
كلما استفاق الذئب النائم في أعماقي
وغالبا ما يستيقظ متوحشا،
رمتني المصادفات مرة أخرى في حضن امرأة
تؤنسن ما بي من جموح الطبيعة الأولى
المصادفات تلاحقني أنىّ توجهت
تهديني الحياة وتمضي
علمتني المصادفات أناشيد الولادة والدهشة
دون أن تدري
الطفل المشاغب الفوضوي الجسور
لم يخفه الليل
ولَم يصدق بأن ليل الخرائب بيت الجن
أو منزل الأشباح
ولَم يرَ مرة واحدة دم القتيل
ولَم يعاد إبليس
ولَم يصطف إلى جانب نقيضه
لم تخفه النار
وما كانت الجنة يوما حلمه الوردي
الطفل هو أنا
أنا الجسد والجسد أنا
لم أغادره وما غادرني قط
لم يخني ولَم أخنه
حين قادوا الأطفال إلى طقوس الختان
هربت عبر البيادر إلى الحقول البعيدة الواسعة
لأحتفظ بروح جسدي بلا نقصان
أسكن بيت اللغة الخاوي من الحراس
وبساتين حياتي بلا أسوار
كونتني الفصول كلها
وتعيش معي بلا نظام
وأنا الذي أمنح السماء أزياءها
فألونها بكل أحوالي
بالفرح الهارب من الحزن الكلي
بالمتعة واللذة وشعاع العقل
سآلا أجوب متاهات الوجود
وأترك الأجوبة تلحق بي
وليس من عاداتي زيارة القبور
حقنت عروقي بحبر الكتب الصفراء
ثم فصدتها فسال منها قيح الأولين
وعادت نقية كنبع تفجر من قلب تلة خضراء
ويمضى جاريا بين الصخور
ثم يطير بأجنحة من غيم
حيث يشاء
لاجئ سكنت قصر اللغة
المشرعة أبوابه لسحر البيان
وعمق الكلام
أستضيف، حرا، ما أشاء من طغاة القول
وجن وديان الشعر
وأطرد السائلين والفقراء
المتسترين وراء أقوال تغضب روح الكلام
لاجئ بلا وطن السكان المسورين بحدود وخريطة وأختام
ولكن المدن التي آوتني ودعتني بالدموع
والأرصفة حفرت خطاي على جنباتها
والأشجار التي تواريت بها
حفرت، مراهقا، اسمي واسم حبيبتي على جذوعها
تطير حمامها إليّ محملا برسائل الشوق.
لي شرفة في الوجود
تطل على الوجود
الوجود الذي هو أنا وأنا هو
وأكتب إيماءاته فلسفة خالدة
أصم حين أريد
غير أني أسمع صوت النداءات البعيدة
أعمى إذا رغبت
لكنني أرى ما يختزنه الأفق من اللوحات
أبكم حين أحب
غير أني أصرخ حين تؤلمني القيود
لا سيد لي على هذه الأرض ولا في السماء
إلا ذلك الطفل الذي يستبد بي سعيدا
لم أعش في الكهف يوما كي أخرج منه يا أفلاطون
فأنا المولود من رحم الشمس
وفي رحم الشمس أعيش
وحين ستحرقني الشمس وتسويني نارا بلا رماد
سترمي بي إلى الظلمات مصباحا لا ينطفي
لأنني وأنا أقود مركب اللغة وأبحر في هذا العالم
لا أبحر إلا في ذاتي
ولا أكتب إلا أناي
الأشياء والطبيعة والأفكار والصديق والمرأة تسكنني وأسكنها
ما ليس في داخلي لا وجود له
الحب لا يغمرني
بل ينمو أيكه في داخلي
ويرتوي من جداولي
لذة التأفف لم تبارح عقلي
ومتعة اللا، حتى لو اختفت، تسري في صدري سعيدة
وحين حملتني على كفيها
وألقت بي بعيدا عن ملاعبي
وجدتني ألعب أني حطت نفسي
كما لو أني ولدت للتو
ألعب مع ذلك الطائر الذي يقف منفردا على غصن شجرة
أسأله إن كان ينتظر حبيبته
إن كان حزينا أم فرحا
إن كان يعاني اللجوء
أم نسي أشجار التوت البري
هو لا يجيب أبدا
غير أني أنا الذي أنطقه
لأني أنا هو
فلا مسافة تفصل بين عيني وقلبي
وما كنت يوما قاب قوسين أو أدنى ممن أحب
ومما أريد
حتى الصخرة التي نقشت عليها ذكرى اللقاء الأول
حين تلبستني آلهة الحب
لم تعد في الخارج
وحين يموت الذي في داخلي يموت الكلام
لم يحدث أن تشاجرنا أنا والأمل أبدا
سوء التفاهم الذي يحدث بيننا أحيانا
مرده إلى أني أحملّه في لحظة غضب ما لا طاقة له به
أو حين يتدخل الوهم ليفسد الود بيننا
وسوء التفاهم هذا سرعان ما يزول
دون أي طقس من طقوس الاعتذار
وحين يغادرني في غفلة مني
متأففا من تأففي
ويتركني كمحارب أعزل
أبعث وراءه الطفل الذي يلعب في بستان روحي
فيعود به باسما متبرجا بلون السماء
ويكون عناق
ويكون انتظار
ويكون معنى
أيتها المصادفات لا تنسني
لا تغربي
أيتها المصادفات
تكاثري أمام خطاي
كوني كما شئت
فرحا كونيا، حزنا
أو سريرا من الأشواك
حسبي أنك
لم تخطري لي يوما على بال
أيتها المصادفات
تكاثري أمام عيني
أدهشيني
وسعى الأحداق
وتوالدي كما تشائين التوالد
وموتي كما تشائين الموت
حسبي أنك لم
تخطري لي يوما على بال
أيتها المصادفات
تكاثري أمام قلبي
في أي زي تشائين تكاثري
ألما
أو زهر بنفسج
دنا من الخمر
أو كأس حنظل
حسبي أنك لم
تخطر لي يوما على بال
أيتها المصادفات
تكاثري أمام خطاي
كوني كما شئت
فرحا كونيا،
حزنا
أو سريرا من الأشواك
حسبي أنك لم
تخطري لي يوما على بال
أيتها المصادفات
تكاثري أمام عيني
أدهشيني
ووسعى الأحداق،
توالدي كما تشائين التوالد
وموتي كما تشائين الموت
حسبي أنك لم تخطري
لي يوما على بال
أيتها المصادفات
تكاثري أمام قلبي
في أي زي تشائين تكاثري
ألما
أو زهر بنفسج
دنا من الخمر
أو كأس حنظل
حسبي أنك حياة لم
تخطر لي يوما على بال
وأنت أيها العدم الذي تعيش في رحابي
وتمضي الوقت عابثا بي
أدرك أنك في انتظاري
وأنك لا تمل الانتظار
فكل الكائنات الحية وفية لعهدها لك
فاختر المكان والزمان كما تشاء
ولكن كن مصادفة لم تخطر لي يوما على بال
أكاديمي وشاعر فلسطيني
مقال ممتاز
جميلة ❤
عندما نتفق على (السلام لا يمس) كعقد إجتماعي يتم وضع كل هذه النقاط في إتزانها الكوني.