ورطة عباس

حجم الخط
0

الصمت الصاخب الذي ردت به في اليومين الاخيرين المقاطعة على اختطاف الفتيان يدل أكثر من أي شيء آخر على الوضع الصعب الذي علق فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعلى السرعة التي يمكن للامور أن تنقلب فيها رأسا على عقب من ناحيته. ففي الاسبوع الماضي فقط وصل عباس الى احتفال تتويج عبدالفتاح السيسي في مصر وهو محمول على موجة أوبيرا اتفاق المصالحة الفلسطيني، وتأييد العالم له. وبعد وقت غير طويل من ذلك صلى في الفاتيكان للسلام مع البابا ورئيس الدولة شمعون بيرس ـ رغم استياء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وعندما عاد اعتقد بان بوسعه الان أن يركز على الاستعدادات للزيارة الاحتفالية في غزة في نهاية الشهر، قبيل رمضان وكذا على محاولاته حل أزمة الرواتب في القطاع وفتح معبر رفح. فجر يوم جديد، أو هكذا اعتقد.
لقد قلب الاختطاف الجرة على فمها وشوش جدول الاعمال الفلسطيني تماما. فنتنياهو لم ينتظر زمنا طويلا الى أن القى المسؤولية على عباس وبدأ يدفع بالقوات الى الضفة الغربية. ولم يمنح السلطة اي امكانية للاعتراض على هذه العملية أو حتى التحفظ منها. ففي اثناء الازمة لا توجد للسلطة سيادة على الارض وحتى شرطة السير لديها تختفي من المنطقة. ولكن من الجهة الاخرى من الخط الاخضر ايضا، يوجد عباس في مشكلة. ففي ختام تسعة اشهر من المفاوضات السياسية مع اسرائيل بقي اساسا مع تأييد دولي ولكن دون أي انجاز على الارض – وفي الشارع الفلسطيني يتعاظم العجب الى اين تسير وجهته الى جانب الانتقاد بانه لا يفعل ما يكفي من أجل السجناء الفلسطينيين والمعتقلين المضربين عن الطعام الذين يسجلون اليوم 53 يوما دون طعام.
هكذا، إذا تبين ان الاختطاف كان فعلا مخططا لغرض المساومة، فانه سيحظى بعطف في الشارع الفلسطيني، الوضع الذي سيجد عباس صعوبة في الوقوف ضده علنا في حالة الامور الحالية. فحركتا حماس والجهاد الاسلامي تحرصان على أن تذكرا كل الوقت بانهما تتوقعان مقابلا لقاء تحرير المخطوفين. واذا لم يكن هذا بكاف، فان الانتقاد على التنسيق الامني، الذي وصفوه في المقاطعة مؤخرا بالمقدس، يتعاظم اكثر فأكثر ويصبح اداة مناكفة ايضا من جانب حماس والجهاد الاسلامي ومن جانب الرأي العام على حد سواء.
سيناريو يتحرر فيه الشبان الثلاثة بمساعدة السلطة دون ثمن، سيعتبر في الضفة كانبطاح بل وخيانة للمعتقلين والسجناء الذين في اسرائيل. وحقيقة أن عباس نفسه لم يطلق رسائل واضحة – ويكتفي بارسال الناطقين بلسانه ومقربيه الى وسائل الاعلام – تدل على الورطة التي يعيشها. وبينما في كل الرسائل يتم الاعتراض على الاختطاف والوعد بان تفعل السلطة كل ما ي وسعها للعثور على الفتيان، في رام الله يحرصون على التشديد بان الشبان الثلاثة اختطفوا في المنطقة ج حيث لاسرائيل سيطرة أمنية كاملة. وعليه، كما يعتقدون، لا مكان للاحتجاج على السلطة التي عملت كثيرا في السنوات الاخيرة لاحباط اختطافات واعادة اسرائيليين دخلوا الى الضفة. واضافة الى ذلك، لا ينسى الناطقون بلسان عباس الضلع الثالث – اضراب المعتقلين الاداريين – في محاولة للتغطية على كل المسائل حتى لو لم تكن بالضرورة تستوي الواحدة مع الاخرى.
ينبغي لعباس الان أن يقرر اذا كان من المفضل له التأييد الدولي حتى لو لم تتقدم المفاوضات السياسية ام التأييد الجماهيري الذي سيمس بمكانته في العالم. بعد بضعة ايام من صلاته للسلام يتعين على عباس الان أن ينتقل الى صلاة اخرى – الا يفكك الاختطاف له كل الرزمة.

هآرتس 15/6/2014

جاكي خوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية