دمشق – رويترز: صرح وزير الاقتصاد والتجارة السوري محمد ظافر محبك في مقابلة مع رويترز ان بلاده تتعرض الى حرب اقتصادية ممنهجة أدت الى تدمير المفاصل الصناعية والإنتاجية الأساسية في البلاد، لكنه قال ان الدولة لازالت قادرة على تأمين أمن مواطنيها الغذائي والصحي والتعليمي.
وقال إن دولا غربية وعربية تشن حملة دولية على سوريا وتدعم مسلحين ينتمون الى القاعدة بهدف قلب النظام. وأضاف ان سوريا تتعرض ‘لهجمة مسلحة وذات طابع عدواني وهذه الهجمة وهذه النزعة العدائية تجاه سوريا إتخذت محورين محور سياسي عسكري أمني ومحور لا يقل أهمية عن هذا الجانب هو الجانب الاقتصادي.’
وتابع القول ‘نستطيع أن نقول أن سوريا تتعرض إلى حرب إقتصادية بكل معنى الكلمة. وتأكيدا على هذا الكلام أن الأحداث بدأت مع بداية عام 2011 بالهجوم على المؤسسات الإنتاجية وكثيرا ما كان الإستهداف للمؤسسات الأكثر قدرة والأساسية والمنتجة للمواد الأولية التي تغذي فروعا إنتاجية كبيرة.’
وكان محبك يتحدث لرويترز من مكتبه الفخم في وزارة الاقتصاد والتجارة الممتلئ بصور للرئيس بشار الاسد في مناسبات عدة والمبني على الطراز الاثري السوري المطعم بالموزاييك.
وأعطى مثلا بصناعة الخيوط في حلب فقال أن ‘أول ما إبتدأت الأحداث كان تدمير مصنعين يغذيان ..حاجة سوريا من صناعة النسيج التي تعتبر من الصناعات الرائدة في سوريا…حيث تم احراق المصنعين الأساسين اللذين يساهمان بتمويل سوريا من المادة الأولية التي يسمونها الممزوجة أو المركبة من الخيوط’.
كما أعطى أمثلة عن الهجوم على آبار البترول وخطوط النقل والمؤسسات النفطية وعلى مصانع شركات إنتاج الدواء بحلب وغيرها من المدن السورية. وتحدث كذلك عن مهاجمة او تدمير المصانع المنتجة للخميرة ومطاحن الدقيق وصوامع الحبوب التي تحتوي على مخزون سوريا لأكثر من عام بالإضافة إلى محالج القطن والتي تعتبر مادة أساسية لقاعدة صناعية كبيرة أغلبها لها علاقة مباشرة بالصادرات السورية.
وتشهد سوريا انتفاضة منذ عام 2011 ما لبثت ان تحولت الى حرب أهلية أدت إلى مقتل اكثر من 70 ألف شخص حسب احصاءات الامم المتحدة والى تدمير معظم البنى التحتية في العديد من المناطق السورية التي تشهد المعارك.
ويحظى المسلحون الذين يقاتلون في سوريا بدعم مالي وعسكري من دول اجنبية وعربية. ويقاتل مسلحون متشددون أجانب في سوريا في اطار جبهة النصرة التي تربطها صلات بتنظيم القاعدة. ويقول هؤلاء إنهم يقاتلون من أجل إقامة دولة إسلامية في سوريا سواء رضي المقاتلون المعارضون السوريون الذين يسعون للاطاحة بالرئيس بشار الأسد بذلك أم لا.
وقال لقد ضربوا مفاصل الصناعة الرئيسية منذ بداية آذار/مارس 2011 وحتى الان.
واضاف ‘بإختصار إستهدفوا القاعدة الإنتاجية أولا .ثانيا تم إستهداف الصناعيين الأكثر تمييزا في الإقتصاد الوطني. النقطة الثالثة هو قطع خطوط إمدادات المواد الأولية والصادرات. وإنتهى الأمر إلى تفكيك الكثير من المصانع…وتهريبها إلى الدول المجاورة وبالدرجة الأولى إلى تركيا بشكل يوضح بدون شك أن الهدف الأول كان منصبا على تدمير البنية الإنتاجية وخاصة البنى الأكثر تطورا التي تربطنا بالعالم الخارجي.’
وأشار الى ان ‘السرقات تمتد إلى آبار النفط التي يرغبون بشرعنة سرقتها وتصديرها إلى الدول الأخرى.’
وكانت حكومات الاتحاد الأوروبي اتفقت في وقت سابق هذا الاسبوع على تخفيف العقوبات على سوريا حتى يتسنى شراء النفط الخام من المعارضة على أمل توفير دعم مالي لمقاتلي المعارضة الذين يسعون للإطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد.
وفرض الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة حزمة من العقوبات تتعلق بحظر التعاملات التجارية والتحويلات المصرفية بالاضافة الى فرض حظر على الاسلحة والنفط مع النظام السوري بسبب قمعه للحركة الاحتجاجية التي اندلعت ضده منتصف مارس 2011.
كذلك تبنت جامعة الدول العربية عقوبات اقتصادية ضد دمشق أبرزها تجميد المبادلات التجارية مع الحكومة السورية وتجميد أرصدتها في الدول العربية ومنع مسؤولين سوريين من السفر إلى الدول العربية إضافة إلى تعليق الرحلات الجوية بين سوريا والدول العربية.
وتشهد سوريا أزمات في المشتقات النفطية. وتشكو الأمم المتحدة من صعوبة وصول المساعدات إلى السكان لا سيما في المناطق التي تشهد أعمال عنف.
وتحدث محبك أيضا عن تهريب قطاع الثروة الحيوانية وتدمير مراكز البحوث العلمية المتطورة التي تعنى بإنتاج السلالات الزراعية والحيوانية ذات الكفاءات الإنتاجية العالية ومركز تربية الخيول العربية وتحسينها في حلب ودمشق.
وقال ان هذا ‘التدمير الشامل إقترن مع تقديم المساعدات والعون لرجال الأعمال الذين تم إستهدافهم فقدموا لهم مغريات للإستثمار في هذه الدول…وهم يتلقون الآن رعاية ضخمة سواء في تركيا أو في دول عربية أخرى بهدف تشجيعهم على الإنتقال من البيئة الإنتاجية السورية إلى دعم إنتاجات هذه الدول>’
وأضاف ‘طبعا ذهاب رجال الأعمال أدى إلى ضغوط على القطع الأجنبي بحيث حولوا كل نقودهم السائلة ورؤوس أموالهم إلى قطع أجنبي وتم تهريبه عبر حدود غير منضبطة مع بعض الدول المجاورة.’
وقال ايضا ‘هذا التدمير المخطط له والممنهج لا يمكن أن يكون نتاج الفوضويين أو أناس يدعون بمطالب مشروعة كالحرية والديمقراطية إنما هو عمل منظم ومدار من قبل جهات واعية’.
وردا على سؤال عما إذا كان الإقتصاد على وشك الانهيار قال ‘صار لنا سنتين هل إنهار الاقتصاد. إذا كان على وشك الإنهيار كان يجب أن ينهار منذ عام أو أكثر’. وأضاف ‘الإقتصاد الآن قوي. الإنتاج متأثر بدرجة كبيرة. وحاليا الخطط الإستثمارية سواء في القطاع الخاص أو العام تكاد أن تكون في حدودها الدنيا. لكن في مجال الاستهلاك الدولة وبالتعاون مع القطاع الخاص تؤمن كل إحتياجات المجتمع من المواد الغذائية والأدوية والتعليم والرعاية الصحية وغير ذلك.’
وبالنسبة للغالبية من محدودي الدخل في سوريا التي يبلغ عدد سكانها نحو 23 مليون نسمة توفر الاسعار الارخص في المتاجر الحكومية بعض الارتياح من التداعيات الاقتصادية للانتفاضة التي عطلت مصادر الدخل بالعملة الصعبة من النفط والسياحة وأدت إلى تراجع قيمة الليرة السوري.
وكانت متاجر السوبرماركت في العاصمة السورية الحكومية مليئة بالمنتجات الاجنبية من الاجبان والالبان والمواد الغذائية باسعار رخيصة قياسا الى البلدان المجاورة.
ورفض الإفصاح عن حجم الخسائر قائلا ‘على إعتبار ان الأزمة لم تنته فانه لا يوجد تقدير دقيق للخسائر وإنما تقديرات أولية وهي بمبالغ ضخمة جدا’.
ولم يعط رقما لكنه قال ‘كل جهة فيها خسائر وتحتاج الى نقطة مركزية لجمع خسائر البلاد من كل الجهات وهذا مناط بجهة أخرى التي هي وزارة الإدارة المحلية… وقد يكون الرقم كبيرا.’ وعن العلاقات الإقتصادية مع الدول المجاورة قال انها ما زالت ‘على نفس ما كانت عليه قبل الأزمة. رجال الأعمال في القطاع الخاص يتاجرون يبيعون ويشترون من العراق إلى لبنان إلى الاردن إلى مصر إلى السعودية إلى كل الدول العربية.’
واضاف ‘لا نزال نستورد من كل الدول العربية ونصدر إلى كل الدول العربية. وارداتنا إنخفضت بنسبة معينة في مجال السلع الرأسمالية والمواد الأولية اللازمة للصناعة. إنخفضت الأرقام إلى درجة كبيرة. لكن بالنسبة لإستيرادنا من المواد الغذائية بسبب التدمير الذي حصل تم تعويضه برفع معدل واردات السلع الغذائية.’
وحول ما إذا كانت سوريا مازالت قادرة على تأمين الاموال لصادراتها بالعملة الأجنبية قال ‘حتى الآن ماشي الحال لا مشكلة’ لكنه رفض إعطاء أي أرقام.
وكانت الاحتياطيات السورية بالعملة الأجنبية تبلغ 17 مليار دولار عندما بدأت الحرب قبل أكثر من عامين. لكن حاكم مصرف سوريا اديب ميالة اعتبر هذا الاسبوع ان رقم اربعة مليارات غير صحيح وقال ان الاحتياطات اكثر بكثير من ذلك.
وقال محبك ‘بالنسبة لنا لا شك أن صادراتنا من النفط إنعدمت. وبالعكس أصبحنا مستوردين للمشتقات النفطية. مداخيل السياحة إنعدمت تقريبا. تحويلات المغتربين السوريين من الخارج إنخفضت إلى الحدود الدنيا. الإستثمار الأجنبي المباشر انعدم. اذن مصادر الحصول على القطع الأجنبي أغلبها تأثر بشكل كبير. النقطة الأساسية في إقتصادنا تقوم حاليا على إستيراد وتصدير السلع الغذائية والأدوية وضرورات الحياة الأساسية.’
ومضى يقول ‘ان شاء الله نتحمل بقدر ما تمتد هذه الأزمة لكن على ما يبدو ان شاء الله ستكون نهاية هذه الازمة قريبة.’
‘هم يعرفون لماذا يدعمون إرهابيين سواء أمريكا أو دول الإتحاد الاوروبي أو حتى الدول المجاورة.’ وسأل ‘لماذا تتقدم السعودية لدعم الإرهابيين في سوريا تحت إسم مناصرة الشعب السوري…ألا يتعرض الفلسطينيون في فلسطين المحتلة إلى إضطهاد أو إلى حرب؟ لماذا لم تكن الحمية لحل مشاكلهم.’
وأضاف متسائلا ‘لماذا هم يدعمون الإرهاب في سوريا. لماذا لا يحاولون إصلاح العلاقة بين المعارضة والحكومة…نرى بعض مواقف الدول الاوروبية وكأنها تعامل سوريا كعدوة وليس كدولة فيها مشكلة بحاجة إلى حل. هناك تساؤلات كيف يحاربون الإرهاب في مالي ويدعمونه في سوريا’.