عواصم ـ «القدس العربي» ووكالات: تكثفت الاتصالات الدبلوماسية بالأمس لوقف الخروقات الإسرائيلية الخطيرة والمتواصلة منذ الأربعاء الماضي لقرار وقف إطلاق النار والانسحاب من البلدات اللبنانية الحدودية. يأتي ذلك عشية جلسة لمجلس الوزراء، وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمام زواره «أن الاتصالات الدبلوماسية مستمرة وتكثفت بالأمس لوقف الخروقات الإسرائيلية لقرار وقف إطلاق النار والانسحاب من البلدات اللبنانية الحدودية».
يجري ذلك وسط ترقب لبدء سريان «الهدنة» الفعلي ووجود شكوك بين اللبنانيين بوجود تنسيق أمريكي ـ إسرائيلي «سري» و«بنود سرية» بينهما تعطي فرصاً ومجالاً لجيش الاحتلال لكسب الوقت وممارسة نوع من «العربدة» وانتهاك الاتفاق الأخير لوقف الأعمال الحربية في الجنوب.
وقال ميقاتي: «لقد شددنا في خلال هذه الاتصالات على اولوية استتباب الأوضاع لعودة النازحين إلى بلداتهم ومناطقهم وتوسعة انتشار الجيش في الجنوب» موضحاً «أن اعلان قيادة الجيش الحاجة إلى تطويع جنود متمرنين في الوحدات المقاتلة في الجيش يندرج في سياق تنفيذ قرار مجلس الوزراء بزيادة عديد الجيش لتعزيز انتشاره في مختلف مناطق الجنوب».
وكان ميقاتي قد اجتمع بوزير الدفاع الوطني موريس سليم وبحث معه شؤون وزارته. كما اجتمع بوزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب وبحث معه نتائج الاتصالات الدبلوماسية الجارية واطلع منه على نتائج مشاركته في «المؤتمر الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة» الذي عقد في القاهرة.
مصدران لرويترز
وقال مصدران سياسيان لبنانيان لوكالة رويترز أمس الثلاثاء إن اثنين من كبار المسؤولين اللبنانيين طالبا واشنطن وباريس بالضغط على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار بعدما شنت عشرات العمليات العسكرية على الأراضي اللبنانية.
وزادت هشاشة وضع وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين الطرفين بعد أقل من أسبوع على دخوله حيز التنفيذ نتيجة هجمات إسرائيلية على جنوب لبنان أسفرت عن سقوط قتلى وإطلاق جماعة حزب الله صواريخ على موقع عسكري إسرائيلي الاثنين.
قيادة الجيش تعين قائد قطاع جنوب الليطاني ممثل لبنان في «لجنة الرقابة» الخماسية
وقال المصدران إن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الحليف الوثيق لحزب الله والذي تفاوض باسم لبنان من أجل التوصل للاتفاق، تحدثا إلى مسؤولين في البيت الأبيض والرئاسة الفرنسية في وقت متأخر أمس وعبرا عن قلقهما بشأن وضع وقف إطلاق النار.
ولم يتسن الحصول على تعقيب فوري من الرئاسة أو وزارة الخارجية في فرنسا. وتحدث وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر أمس وأكد ضرورة التزام الطرفين بوقف إطلاق النار. وقال ماثيو ميلر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية للصحافيين الاثنين إن اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال «سارياً» مضيفاً أن الولايات المتحدة «كانت تتوقع حدوث انتهاكات».
رئيس «لجنة المراقبة»
واجتمع ميقاتي الاثنين في بيروت مع الجنرال الأمريكي جاسبر جيفرز، الذي سيترأس لجنة المراقبة، ودعا إلى ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية في أسرع وقت. وقال مصدران مطلعان لرويترز إن الجنرال جيوم بونشين ممثل فرنسا في اللجنة سيصل إلى بيروت اليوم الأربعاء وإن اللجنة ستعقد أول اجتماع لها غداً الخميس. وذكر أحد المصدرين «هناك حاجة ملحة لبدء عمل اللجنة قبل فوات الأوان» مشيرا إلى تكثيف إسرائيل التدريجي لهجماتها رغم الهدنة. وقال ميلر إن لجنة المراقبة ستبدأ عملها «في الأيام المقبلة».
وقالت السلطات اللبنانية إن ما لا يقل عن 12 شخصاً استشهدوا بهجمات إسرائيلية الاثنين، وهو اليوم الأشد دموية منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وذكرت وزارة الصحة اللبنانية أن من بين القتلى ستة أشخاص في بلدة حاريص الجنوبية وأربعة في بلدة طلوسة بالجنوب.
تزامناً، سمّت قيادة الجيش ممثل لبنان في لجنة الرقابة الخماسية على وقف إطلاق النار وهو قائد قطاع جنوب الليطاني العميد إدغار لاوندس. وأفيد من مدينة صور عن انتشار كثيف للجيش اللبناني في أحيائها ومحيطها للحفاظ على الأمن، إيذاناً بالبدء في إعادة انتشار الجيش في الجنوب لا سيما في القرى الحدودية.
وتتولى لجنة مراقبة، برئاسة الولايات المتحدة، مسؤولية متابعة الهدنة والتحقق من التزام الطرفين بها والمساعدة في تطبيقها لكنها لم تبدأ العمل بعد. ويدعو القرار إسرائيل ولبنان إلى دعم وقف إطلاق نار دائم وحل طويل الأجل من خلال الاحترام التام للخط الأزرق (الفاصل) من جانب كلا الطرفين واتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
وفجر 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» أنهى قصفاً متبادلاً بدأ في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ثم تحول إلى حرب واسعة في الشهرين الأخيرين.
ومن أبرز بنود الاتفاق وفق وثيقة حصلت عليها الأناضول من رئاسة مجلس الوزراء اللبناني، انسحاب إسرائيل تدريجياً إلى جنوب الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل خلال 60 يوماً، وانتشار قوات الجيش والأمن اللبنانية على طول الحدود ونقاط العبور والمنطقة الجنوبية. وسيكون الجيش اللبناني الجهة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح جنوب لبنان، مع تفكيك البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة الأسلحة غير المصرح بها، وإنشاء لجنة للإشراف والمساعدة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.
عشرات الخروقات
وحث بري الاثنين اللجنة المكلفة بمراقبة الهدنة على بدء عملها «بشكل عاجل» قائلاً إن بيروت سجلت حتى الآن ما لا يقل عن 54 خرقاً من جانب إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار. وتقول إسرائيل إن أنشطتها العسكرية المستمرة في لبنان تهدف إلى تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وإنها لا تنتهك التزامها بالهدنة.
واستشهد 10 أشخاص وأصيب 3 آخرون، ليلة الاثنين ـ الثلاثاء، في حصيلة أولية جراء غارات إسرائيلية على بلدتي حاريص بقضاء بنت جبيل وطلوسة بقضاء مرجعيون جنوب لبنان. وأعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة اللبناني، في بيان، أن «غارة العدو الإسرائيلي على بلدة حاريص، أدت في حصيلة محدثة إلى استشهاد ستة أشخاص وإصابة شخصين».
اتصالات لبنانية مكثفة للضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها في الجنوب
وحسب المركز التابع لوزارة الصحة، «أدت غارة العدو الإسرائيلي على بلدة طلوسة إلى استشهاد 4 أشخاص وإصابة شخص». وسبق للوزارة أن أعلنت عبر بيان في وقت مبكر الثلاثاء، أن الغارة الإسرائيلية على حاريص «أدّت في حصيلة أولية إلى استشهاد 5 أشخاص وإصابة شخصين».
وإلى جانب استهداف بلدتي حاريص وطلوسة، نفذ الجيش الإسرائيلي سلسلة هجمات على الأراضي اللبنانية، تنوعت بين غارات من مقاتلات حربية، وأخرى من طائرات مسيرة، فيما استهدف قرى حدودية بالقصف المدفعي.
من جانبه، ادعى الجيش الإسرائيلي استهدافه «عناصر وأهدافاً لحزب الله» في مختلف المناطق التي ضربها جنوب لبنان. وقال المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، في بيان عبر منصة إكس، إن الجيش الإسرائيلي «هاجم مخربين وعشرات المنصات الصاروخية والبنى التحتية التابعة لحزب الله في أنحاء لبنان» وفق زعمه.
ورغم أن إسرائيل تخرق الاتفاق منذ سريانه، اعتبر أدرعي أن إطلاق القذائف الصاروخية نحو إسرائيل تشكل خرقًا للتفاهمات» مع لبنان.
وأضاف: «تطلب إسرائيل من لبنان تطبيق التفاهمات (اتفاق وقف إطلاق النار) ومنع عمليات عدائية لحزب الله انطلاقا من أراضيه» وفق تعبيره.
وفيما زعم أن «إسرائيل تبقى ملتزمة بالتفاهمات التي أبرمت بخصوص وقف إطلاق النار في لبنان» هدد بأن الجيش الإسرائيلي «يبقى مستعدًا لمواصلة الغارات وفق الضرورة».
وصباح الثلاثاء، جدد أدرعي تحذير أهالي 62 قرية جنوب لبنان من العودة إلى قراهم والعبور في اتجاه جنوب خط حدده بواسطة خريطة، تحت طائلة الاستهداف.
رسالة صاروخية
ومساء الاثنين، أعلن «حزب الله» في بيان أنه أطلق صاروخين «ردا دفاعيا أوليا تحذيريا» على الخروقات الإسرائيلية، مستهدفا «موقع رويسات العلم التابع لجيش العدو الإسرائيلي في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة».
وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان بدعم أمريكي على مدى أكثر من عام عن 3 آلاف و961 شهيداً و16 ألفاً و520 جريحاً، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، وجرى تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد تصعيد العدوان في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، وفق بيانات رسمية لبنانية.
وبشأن ما إن كان رد «حزب الله» على أهداف عسكرية بمنطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة يعد خرقا للاتفاق الأممي 1701 أم لا، يرى منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات اليونيفيل منير شحادة، أن رد الحزب لم يخرق القرار الأممي لأنه جاء في منطقة لا تخضع للقرار.
كما يرى مراقبون أن مناطق مزارع شبعا ونظراً للخلاف بشأنها مع سوريا لا تعد ضمن القرار 1701، ويستدلون على ذلك بالقرار الأممي رقم 1860 الذي صدر في مايو/ أيار 2006، ويشجع الجانب السوري للتجاوب مع مطلب الطرف اللبناني الداعي إلى ترسيم الحدود المشتركة بين البلدين لا سيّما في المناطق ذات الحدود الملتبسة أو المتنازع عليها (بينها مزارع شبعا).
ووفق تقارير صحافية لبنانية، فإن بنود اتفاق وقف إطلاق النار الحالي، تستند إلى القرار الأممي 1701 الذي صدر عام 2006 عقب 33 يوماً من حرب مدمرة بين «حزب الله» وإسرائيل، ويدعو إلى وقف كامل للأعمال العدائية بين الطرفين.