وصمة امريكا

حجم الخط
0

في يوم الخميس الاخير حاول موظف كبير في البيت الابيض، برسالة الى مجلس النواب الامريكي، أن يقول شيئا ما من غير ان يقوله بصراحة، وفي صياغة معوجة كثيرا مع جميع المؤثرات التي تتيحها اللغة الانجليزية بحيث لا يمكن ترجمتها الى العبرية، واعترف بأن الادارة الامريكية ‘تؤمن’ بأن سوريا استعملت سلاحا كيميائيا لكن ما زالت توجد حاجة الى برهان واضح على ذلك ويجب الفحص والتقدير والحصول على أدلة وما أشبه.
بدأت القضية بكلام رئيس قسم البحث من شعبة الاستخبارات العسكري، إيتي بارون، في يوم الثلاثاء على أن سوريا استعملت مادة حربية كيميائية في عدة فرص. وردت الادارة الامريكية بانكار ذلك ففوجئت قيادة المجموعة الاستخبارية وغضبت. فقد كان يبدو انه يوجد بين اسرائيل والولايات المتحدة اتفاق على المادة الاستخبارية التي جُمعت بهذا الشأن. وبعد عدة أحاديث غاضبة تذكر الامريكيون ايضا أنهم وافقوا على ذلك واضطروا الى الاعتراف نصف اعتراف بأن بارون كان صادقا. لكن الاحتيال اللغوي لقيادة الادارة في هذا الشأن لا ينبع فقط من الحرج مع اسرائيل بل من مشكلة أشد كثيرا.
لا يريد الموظفون الامريكيون ان يكذبوا لكنهم لا يريدون ايضا ان يعلنوا ان سوريا استعملت سلاحا كيميائيا لأن الرئيس اوباما عرف هذا الفعل قبل نحو سنة بأنه فعل سيجر ردا امريكيا قاسيا لم يوضحه.
وهنا يكمن الاخفاق الامريكي: إن الادارة لا تريد في الحقيقة ان تتدخل فيما يجري في سوريا كما لم ترد التدخل في مصر أو في ليبيا. لأن أخطار التورط بالنسبة لاوباما أصعب. وقد وجد الرئيس ذريعة ورسم الخط الاحمر في مكان اعتقد أكثر المشتغلين بهذا الشأن (ومنهم الموقع أدناه) ان الاسد لن يصل اليه أبدا كما يبدو وهو استعمال سلاح الابادة الجماعية. وتبين كما يبدو ان هذا كان افتراضا خاطئا.
كان هذا الخط الاحمر من البدء سخيفا. وذلك أولا لأنه ما هو بالضبط تجاوز ذلك الخط الاحمر؟ واذا تبين ان مادة حربية كيميائية تسربت عرضا من شاحنة للجيش السوري نقلتها من مكان الى مكان وقُتل السائق فماذا يفعلون؟ أهذا اجتياز للخط؟ وأهم من ذلك ان نقول لماذا لا يُسوغ نحو 80 ألفا من السوريين قتلوا الى الآن لا بغاز الخردل ولا بالسارين تدخل المجتمع الدولي، لكن اذا وجدت غدا براهين قاطعة على ان انسانا واحدا قتل باصابة بالسلاح الكيميائي فهل تتدخل الولايات المتحدة؟ تعمل في روندا اسلحة بسيطة لقتل 1.5 مليون انسان. ألم يكن من الواجب التدخل هناك ايضا؟
والآن بعد ان أفشلت الادارة الامريكية نفسها بهذا الخط الاحمر، تحاول التهرب من الوفاء بالتزامها وتقول إنها تحتاج الى أدلة اخرى. فقد أصبحت الادارة فجأة التي اعتمدت دائما على مصادر وتقديرات استخبارية لها هي نفسها واستهانت (حينما أرادت) بقرارات الامم المتحدة أصبحت تدعو الامم المتحدة الى تحقيق هذا الشأن. وليست هذه دعوة ساذجة لأنهم في الادارة يعلمون ان الامم المتحدة لا تملك قدرات استخبارية خاصة بها، بل تعتمد على عمل مراقبين، لكن الاسد لا يسمح لهؤلاء المراقبين بالدخول. ولهذا فان طلب تحقيق الامم المتحدة هو في الحقيقة محاولة اخرى لكسب وقت من غير ان يُقال بصراحة إن الاسد ارهابي كيميائي.
في المجزرة في روندا، وبرغم ما لا يحصى من المعلومات، رفضوا في الامم المتحدة، التي كان رئيس مقرها الأمامي في افريقيا كوفي عنان، وفي الولايات المتحدة التدخل. وفي كتاب نشره عنان منذ زمن غير بعيد أبدى الندم وقال انه اخطأ خطأ شديدا وإن الدرس هو أنه ينبغي التدخل فورا في حالات ذبح شعب وعدم انتظار الدبلوماسية. وسبقته الولايات المتحدة واعتذرت في سنة 2000 عن سلوكها الشائن.
اعتذرت لكنها لم تتعلم الدرس. وقد أصبح من الممكن الآن أن نصوغ اعلان الاعتذار الذي ستنشره الادارة الامريكية بعد عقد أو عقدين تطلب فيه المغفرة من عشرات الالاف من مواطني سوريا الموتى لأنها لم تهب لنجدتهم.

يديعوت 28/4/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية