كمال القاضي
صارت حياة أشرف عبد الغفور الفنية والإبداعية على عكس ما كان يُريد ويرغب. فمنذ تخرجه في المعهد العالي للسينما في أوائل الستينيات كان يحلم كغيره من زملاء دفعته بالشهرة والنجومية وظل ينتظر الفرصة لتحقيق الحُلم الكبير.
لكنه على عكس ما كان يُخطط ويرتب لم يسعده الحظ بالتوفيق في السينما، إذ جاءت تجاربه الأولى فيها ضعيفة ودون المستوى المتوقع برغم أنه عمل مع المخرج الكبير نيازي مصطفى في واحد من أفلامه المتميزة نسبياً “بلا رحمة” عام 1971 في بطولة مُشتركة مع فريد شوقي وبوسي وهالة فاخر كمقدمة لبداية ظن أنها مهمة فتشجع وشارك بعدها في فيلم آخر من نفس العام بعنوان “رجال في المصيدة” إخراج محمود فريد ومن قبل ذلك كانت تجربته الأضعف في فيلم “الشيطان” مع المخرج محمد سلمان.
هذه المحطات العابرة كان لها تأثير بالغ في عزوف الفنان الراحل عن العمل في السينما والتوجه إلى المسرح بادئاً مشواره فيه بالدراسة الأكاديمية والحصول على دبلوم الفنون المسرحية كتأهيل علمي وارتقاء منطقي في مجال آخر رأى أنه الأنسب لطبيعته وثقافته وميوله.
وقد نجح بالفعل أشرف عبد الغفور في تثبيت قدميه على خشبة المسرح القومي بجوار نجومها الكبار، حيث وجد ضالته وسعى جاهداً للتميز كي يُعوض ما فاته في السينما التي خذلته في بداية مشواره، فمن بين ما ساهم في إبراز موهبته كممثل مسرحي الأعمال الفارقة التي قُدمت في ستينيات القرن الماضي وحظيت باهتمام الجمهور والنقاد كمسرحية “وطني عكا” ومسرحية “النار والزيتون” وهما اللتان قدمتا مُعالجتين فنيتين ناضجتين عن القضية الفلسطينية من الناحية التاريخية والاجتماعية والإنسانية وأبلى فيهما الفنان الصاعد آنذاك بلاءً حسناً وتميز أدائه التمثيلي تميزاً ملحوظاً فخطى خطواته الواثقة بعد ذلك في ذات المضمار وحصل على بطولات مهمة.
مسرحية «ليلة مصرع جيفارا»
كانت مسرحية “ليلة مصرع جيفارا” أيضاً من العلامات الأساسية في مشوار الفنان الراحل الكبير والتي قدمها في عام 1968 وهي واحدة من الأعمال المهمة للكاتب ميخائيل رومان.
كما قدم عبد الغفور مسرحيات أخرى متميزة مثل مسرحية “جُلفدان هانم” ومسرحية “سليمان الحلبي” ومسرحية “ثلاث ليالي” فبرهن بكفاءته والتزامه على موهبته الكُبرى وثقافته الواسعة.
وعلى مدى مشواره ومسيرته ظل متوازناً في اختياراته الفنية لأدواره وحريصا تمام الحرص على الانتقاء ورفض كل ما هو غث وغير ملائم، فلم يُشارك قط في هوجة المسرح التجاري ولم ينزلق في هوة الانتشار وغواية الشهرة الرخيصة، بل عمد إلى تحقيق طموحه كفنان بلا أدنى تنازلات فجمع بين التمثيل الإذاعي والتلفزيوني والمسرحي وكون بفضل اجتهاده رصيداً وفيراً من الأعمال القيمة ذات المضمون والرسالة.
وربما ارتبط أشرف عبد الغفور بالدراما التلفزيونية لأنها وفرت له شروط التميز بلا إسفاف فتوافق ذلك مع قناعاته الشخصية في تحقيق المُعادلة الصعبة بأكبر المكاسب وأقل الخسائر، لذا نجح بشكل واضح في تصويبه تجاه الأعمال التاريخية والدينية مضمونة التأثير كمسلسل “محمد رسول الله” و”الإمام مالك” و”أئمة الهدى” و”هارون الرشيد” وغيرها، فضلاً عن مشاركته في أوبريت “الليالي المُحمدية” و”الكتاب المسموع” بأداء صوتي مُتقن ومدروس.
على جانب آخر ظل الفنان الكبير الراحل أشرف عبد الغفور مُرتبطاً بالإبداعات الدرامية الاجتماعية التي نشأ عليها وقدمها في بداية مشواره كمسلسل “وعاد الماضي” الذي جسد فيه دوراً مُركباً يجمع بين الأداء الإنساني والأداء الشرير لشخصيتين مُختلفتين ومسلسل “القاهرة والناس” مع رفيق دربه ومشواره الفنان الراحل نور الشريف.
لم يتخل عبد الغفور عن مسؤولياته تجاه جمهوره ومُجتمعه، فقد قدم في مراحل نضجه ونجوميته مسلسل “جبل الحلال” مع محمود عبد العزيز قبل عدة سنوات وتفوق في أداء شخصية الأخ الانتهازي الطماع المُتآمر ليُعطي درساً بليغاً في فن التمثيل والتقمص.
فكما كان الفنان مُقنعاً في تصويره الإبداعي لدور الرجل الطيب المسالم كان كذلك أيضاً في أداء أدوار الشر، فهو المُمثل المُحترف مُتعدد الخبرات والتجارب وصاحب المدرسة الخاصة في فن الأداء كونه جمع بين الدراسة الأكاديمية في السينما والمسرح معاً ووفق بينهما واكتسب مزايا كل منهما وبالعمل الشاق والدأب صار من كبار المُمثلين وأبرز نجوم جيله.
لقد توفي الفنان الراحل إثر تعرضه لحادث سيارة على طريق مصر-الإسكندرية وكان لا يزال يعمل ويُبدع فقد ترك بقية مشاهد دورة الأخير في مسلسل “نقطة سوداء” ولم يُكمل تصويرها فكانت دلالة العنوان إشارة إلى رحيله وفقدانه.