تونس- يسرى ونّاس:
التقت برامج المرشحين لانتخابات الرئاسة التونسية حول عدد من الملفات الخارجية، وشهدت حملاتهم رؤى متناقضة في جوانب من السياسة المأمولة من كل منهم في حال فوزه باقتراع الأحد المقبل.
من تلك الملفات، النزاع في ليبيا والعلاقات مع بقية دول المغرب العربي والدول الإفريقية عامة، فضلا عن الروابط الخاصة بين تونس ودول الاتحاد الأوروبي.
لطالما حافظت تونس، عبر عقود وحتى بعد ثورة 2011، على علاقات “كلاسيكية” مع الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، وهو ما انعكس في حملات المرشحين الانتخابية.
المرشح عن حركة “تحيا تونس”، يوسف الشاهد، اقترح في برنامجه سياسة خارجية الأكثر جراءة مع الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأول لتونس، حيث يطالب بدعم أقوى لتونس مقابل التعاون مع الأوروبيين في مكافحة الهجرة غير النظامية.
وقال المرشح المستقل، عبد الكريم الزبيدي، إنه سيعمل على مزيد من العناية بالجالية التونسية بالخارج (النسبة الأكبر توجد في أوروبا)، التي تعد جزءا من الدبلوماسية التونسية، وتمثل المصدر الثاني للعملة الصعبة، بعد السياحة.
وبينما أعرب مرشحون عن تطلعهم إلى مزيد من توطيد العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، ومنها فرنسا، أعلن المرشح سيف الدين مخلوف، ممثل ائتلاف الكرامة (مستقل ذو توجه ثوري)، عزمه مطالبة باريس بالاعتذار رسميا عن استعمارها لتونس (1881- 1956)، في أول قرار له، حال فوزه بالانتخابات.
العلاقات مع الدول الإفريقية، لا سيما الحدودية منها، مثلت أولوية في برامج المرشحين، فمنهم من دعا إلى الانفتاح على الأسواق الإفريقية، باعتبارها واعدة، بهدف تطوير العلاقات الاقتصادّية معها.
الشاهد تعهد بالعمل على إحياء مشروع اتحاد المغرب العربي (تونس، ليبيا، الجزائر، المغرب وموريتانيا)، وإنشاء منطقة للتبادل الحر مع الجارة الجزائر، وإيجاد حلول للأزمة الليبية.
وشدد على ضرورة “الالتزام بثوابت الدبلوماسية التونسية، مع العمل على تعزيز علاقات تونس الخارجية، خاصة مع دول الجوار، عبر التدخل لإيجاد حل للأزمة الليبية، ولعب دور أقوى وأنجح من ذي قبل”.
فيما قال مرشح حركة “النهضة”، عبد الفتّاح مورو، إنه سيعيد النظر في العلاقات الدولية، وسيوجهها صوب مستوى النفع الاقتصادي المأمول لصالح تونس.
وأضاف أنه يرنو لـ”خلق سوق مشتركة مع دول الجوار، تنطلق بعقد اتفاقيات ثنائية أو متعددة مع بلدان المغرب العربي، ترسخ وتجذّر التعاون الاقتصادي والاجتماعي، خاصة مع الجزائر”.
وعبّر مورو عن أمله في فتح آفاق الاستثمار بالقارة الإفريقية، التي قدر أنها “تحتاج للإطارات (الكوادر) والكفاءات التونسية”.
وتعهّد الزبيدي بـ”دعم التعاون مع الأسواق التقليدية لتونس، كالاتحاد الأوروبي والدول المغاربية، والتوجه نحو مزيد من التعاون والتبادل مع الدول الإفريقية، عبر مزيد من تركيز التمثيليات الدبلوماسية وإحداث خط جوي وبحري ودعم بنوك الاستثمار”.
وشدد قيس سعيّد، مرشح مستقل، على أهمية الانطلاق من الانتماء العربي والإسلامي والانتماء إلى المغرب العربي وإلى شمال إفريقيا، فـ”لا مستقبل إلا مع دول الجوار”.
كما دعا إلى بناء علاقات متوازنة مع دول شمال البحر المتوسط (أوروبا)، إضافة إلى التركيز على القضية الفلسطينية.
وقال المرشح المنصف المرزوقي، الرئيس السابق (2011- 2014) إن علاقاته جيدة جدا بالدول الغربية، وستكون جيدة جدا بالفضاء الإفريقي والمغاربي، خاصة وأن الجزائريين سيصبحون قوة فاعلة في تحريك الملف (المغاربي) عكس الماضي.
ولم يستثن المرشحون القضية الليبية، فالدبلوماسية التونسية تعتبر أن أمنها من أمن ليبيا، ومن الضروري إنهاء النزاع على الشرعية والسلطة، في البلد الغني بالنفط، والذي ينحصر حاليا بين حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، وقائد قوات الشرق الليبي، اللواء متقاعد خليفة حفتر.
مورو اعتبر أن تونس أولى من غيرها بإدارة المصالحة بين الفرقاء الليبيين؛ فليس لها أطماع ولا مصلحة مع أي طرف، وهمّها الأوحد هو إحلال الأمن والاستقرار.
وقال المرزوقي إنه “مع الحكومة الشرعية (الوفاق)، التي تدعمها الشرعية الدولية”.
ورأى المرشح عن التيار الديمقراطي، محمد عبو، أن الحل الجذري للأزمة في ليبيا هو الحل الدبلوماسي، الذي يمكن أن تساهم فيه تونس، خدمة لمصلحة البلدين.
فيما يخص الملف السوري، الذي يشهد جدلا في تونس منذ الثّورة، ينقسم المرشحون إلى قسمين، منهم من يرغب بإعادة العلاقات مع دمشق، وآخرون يتمسكون بمواصلة القطيعة القائمة بين البلدين منذ 2012؛ بسبب ممارسات القمع من جانب النظام السوري.
واعتبر مورو أن إعادة العلاقات مع سوريا ينبغي أن تتم في إطار الجامعة العربية، مشددا على ضرورة الحفاظ على كيان الدول العربية من خلال الجامعة.
ويتمسك المرزوقي بموقفه السابق من النظام السوري، معتبرا أن “قضية سوريا هي قضية مبدئية.. عندما تصبح للشعب السوري الحقوق والحريات التي لدى شعبنا ويصبح له نظام ديمقراطي ويتفاهم مع بعضه، آنذاك ليس لي مشكل في إعادة العلاقات”.
بينما تقول المرشحة عن الحزب الدستوري الحر، عبير موسى، إنه في حال فوزها “ستصحح المسارات الخاطئة، وستعيد العلاقات مع سوريا”.
وتنفي عبير اتهامات لها بمناصرة نظام الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، الذي أطاحت به ثورة شعبية.
وبجانب تلك الفضاءات، دعا مرشحون إلى فتح آفاق لعلاقات جديدة، مثل الصّافي سعيد، مرشح مستقل، حيث يركز برنامجه على التوجه إلى شركاء أجانب جدد، وجلب استثمارات كبرى لتونس.
وقال سعيد إن وجهته ستكون شرقا إلى بلدان ثرية تبحث عن مواقع واستثمارات، مثل الصين وروسيا.
وأضاف أنه يفكر أن تكون زيارته الأولى إلى ليبيا وقد يذهب للصين في مرحلة ثانية، في حال فوزه بالرئاسة.
وفق عبد الله العبيدي، دبلوماسي سابق، فإن “السياسة الخارجية لأي بلد هي نتاج تفاعل مع الأحداث الجارية، وتُحدد إما حسب المصالح أو حسب الأيديولوجيات”.
وأضاف العبيدي: “أي سياسة خارجية تُبنى اليوم على حد أدنى من الثوابت، ونحن نعيش في منطقة اهتزت مبادؤها ولم يبق أي ثابت على حاله”.
وتابع: “هناك اليوم من يريد تحويل تونس إلى قاعدة خلفية لبلدان المحيط وإفريقيا ما وراء الصحراء، ومن يريد أن يضع فيها حكومات موالية، ليتمكنوا من أخذ كل ما يريدون”.
وأردف: “نظريا يمكن تحديد أحسن سياسة خارجية، لكن السؤال هو عن كيفية تحقيقها على أرض الواقع، خاصة وأن أغلب الأحزاب تشهد بداخلها توترات وعلاقات مهتزة”.
واعتبر أن “عدم وجود انسجام داخل أغلب الأحزاب يعكس عدم وضوح السياسات المطروحة لدى مرشحيها”.
ورأى أن “أغلب المرشحين لم يطرحوا سياسة عملية، فهي مجرد تخمينات، وأي مرشح لا يمكنه الابتعاد عن الثوابت التونسية”.
وشدد على أن “من يريد سياسة مستقبلية وخارطة طريق واضحة يجب أن يضع نصب عينيه المصلحة العامة، لكننا نرى كل مرشح يجذبنا إلى بلد معين ويتباهى بذلك وفق مصالحه”.
وقال العبيدي إن “المصالح هي التي تحدد العلاقات وليس الأيديولوجيات.. وضعنا الجغرافي وتاريخنا ومن أين تأتينا الأخطار ومن هددنا وما نرسمه لمستقبلنا ومدى إمكانياتنا هي التي تتدخل في رسم السياسة الخارجية”.
واستطرد: “كل مرشح مهما كانت عبقريته لا يمكنه تحديد ذلك ما لم تكن هناك أرضية صلبة وما يطرحه يظل وعودا انتخابية.. الاتحاد الأوروبي يشهد تحولات، وخارطة تتشكل من جديد إقليميا ودوليا”.
وبشأن الملف السوري، قال العبيدي: “ليس لتونس أزمة مع سوريا، وهناك جهة تدفعها (تونس) لتعيد العلاقات، وهم يؤمنون بالصف العربي، كما هناك جهات أخرى تدفعها إلى القطع مع سوريا، على غرار أمريكا”.
وفيما يتعلّق بالملف الليبي، اعتبر أنه “ليس لدى تونس الحجم والوزن الكافي لتحل ملفا بهذا التّعقيد، وقوى عظمى توظفها كأداة لقضاء مآربها في ليبيا”.
وشدد على أن “وزن الملف الليبي والثروات التي تزخر بها وموقعها الجيوستراتيجي، خلق مصالح لتلك البلدان في ليبيا”.
وختم بأن “العلاقات الخارجية تُفرض على تونس بحسب ميزان القوى، فتونس لديها نسب تبادل تجاري مع أوروبا تناهز 80 في المئة ولها أكبر جالية هناك، كما لديها مصالح مع الولايات المُتحدة، وبالتالي فنحن لا نحدد هذه العلاقات، وإنما نتفاعل مع السياسة الخارجية”.
ويختتم المرشحون، وهم 26، حملاتهم الانتخابية، بدأت في 2 سبتمبر/ أيلول الجاري، الجمعة المقبل، يليه يوم صمت انتخابي.
ويقترع الناخبون داخل تونس، الأحد، لاختيار خليفة للرئيس الباجى قايد السبسي، الذي توفي في 25 يوليو/ تموز الماضي، عن 92 عاما.
ويكون الاقتراع خارج تونس أيام 13 و14 و15 سبتمبر/ أيلول الجاري، على أن تُعلن النتائج الأولية في 17 من ذلك الشهر.
وفي حال إجراء جولة ثانية، فسيتم التصويت قبل 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بحسب هيئة الانتخابات. (الأناضول)