زخّات المطر التي تطرقنا بغتة فننهض متلهفين للتلصص عليها من وراء نوافذنا، رائحة الأرض التي أكرمت وفادة الغيث، فنفثت في أنوفنا عبير اللقاء، قشعريرة البرد المُحببة التي تداهمنا مع هزيم الرعد ومرأى سنا البرق، وسكون الخلائق في جوف الليل الذي يشعرنا بأن الكون لنا، ولا تثريب على عشاق الشتاء.
يدور الزمان دورته، فيحط الشتاء رحاله، فيستبشر العباد بمعونة على صيام نهاره القصير، وفي ليلِهِ يتناوب قيامُهم وغفوتُهم، وأبَوْا إلا أن يسمونه ربيعا، فهو للمؤمن ربيع يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، بتعبير الفقيه ابن رجب.
يأتي الشتاء مع إلهاماته للشعراء، يسمونه «موسم الشجن» يربي لهم المشاعر، فيحصدونها قبل ارتحاله، ومنه يدخرون لأيام عجاف، فيرسلونها أبياتا سائرة، فيشرع امرؤ القيس ذات شتاء ليدعو لدار محبوبته هند بالسقيا، ويقرض محمود درويش عن شتاء «ريتا» الطويل، ويستقبل أبو القاسم الشابي بأعلام حزنه مُحدِّثا عن شتاء الضباب، شتاء الثلوج، شتاء المطر، فينطفئ السحر، سحر الغصون وسحر الزهور وسحر الثمر، أما بدر شاكر السياب، فإنه يغزل منه مرثِيّة في بلده العراق عبْر قصيدة «أنشودة المطر» يُذيّلها ببشرى وأمل. ولئن كان الشتاء منفى اختياريا للأدباء والكُتاب والروائيين، يمنحهم السكون الذي يأتلق لصريف أقلامهم، فإن ذلك الفلاح ابن الأرض ومِلْحِها ينتظر ذلك الزائر على جمر الشوق، يحدوه الأمل في أن يسقي أرضه بماء من السماء، ينوب عن حبات العرق التي تحدرت من جبينه وروت الأرض أشهر القيظ. بيد أن للعملة وجهين، وهناك وجه آخر للشتاء، لا تحمل قسماته ذلك الجمال «كل شيء جميل في الشتاء، عدا ارتجاف الفقراء» وسواء قالها مارك توين أو شكسبير، فإنها أصدق وأكثر واقعية من قول دوستويفسكي: «الشتاء بارد على من لا يملكون الذكريات الدافئة» فكل صرعى البرد والشتاء حتما يحملون بعض ذكريات دافئة، لكنها فاقمت شعورهم بالبؤس والشقاء، وبين الشتاء والشقاء رمْيةُ حرفٍ على ناصية الفقير والمسكين وطريد الأوطان وساكن الخيام البالية ومُلتَحِف العراء.
بين الشتاء والشقاء رمْيةُ حرفٍ على ناصية الفقير والمسكين وطريد الأوطان وساكن الخيام البالية ومُلتَحِف العراء
قال الزمخشري: «عادة العرب أن يذكروا الشتاء في كل صعب قاسٍ» وليس هناك أقسى ممن حُرم من جدران تؤويه، وسقف يمنع عنه سطوة لهب الشمس، وبأس دفقات المطر، أولئك يتلقفهم الجوع ويسلمهم إلى البرد، هنالك تُقرسُ العظام وتصطك الأسنان، ويصبح المعطف والموقد والحساء أقصى الأمنيات وأرفعها. برد الشتاء عدو قاهر مستبد، وقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، إذا حضر الشتاء تعاهد أهل الشام وكتب لهم الوصية: إن الشتاء قد حضر وهو عدو، فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعارا ودثارا، فإن البرد عدوٌ، سريع دخوله، بعيد خروجه» بل أحيانا يكون برد الشتاء أداة تعذيب في أيدي المستبدين يسلطونها على ضحاياهم، ويحكي المفكر الراحل محمد الغزالي في كتابه «الاستبداد السياسي» عما كان يفعله الإنكليز بالأسرى المصريين فيقول: «منعوا المنام عن أجفانهم، والطعام عن بطونهم، وتركوا تيارات الهواء فى برد الشتاء تخترق عظامهم، وسلطوا الماء البارد من تحت الأبواب الموصدة ليحرمهم نعمة الجلوس على الأرض». إن هذا العدو لا يأبه لعداوته المُنعَّمون المترفون الآمنون في أسرابهم، ولا يشعر به الجالسون في منازلهم يستدفئون ويستجلبون المزيد منه، من خلال تناول الأطعمة والأشربة الدافئة، وما أبرئ نفسي.
قد أسهبتُ في هذه المقدمة الطويلة حتى أصل إلى غاية واحدة، أن أوجه نداء لكل مسلم، لكل عربي، لكل إنسان مهما كان دينه أو قوميته أو لونه، بأن نضع ضحايا برد الشتاء في بؤرة اهتماماتنا، الذين لا يجدون مأوى، أو الذين يسكنون المخيمات، ويقضون ليلهم في انتظار الصباح وأشعة الشمس، وربما غزت المياه خيامهم فتزيد معاناتهم. وقد كان الصحابي أنس بن مالك ينصح الناس بالاستعانة على برد الشتاء بأكل التمر والزبيب، وكانت وقاية السجناء من بأس برد الشتاء هماً يشغل القاضي أبا يوسف، فأوصى خليفة المسلمين هارون الرشيد بأن يصرف للسجناء ملابس ثقيلة تحميهم من برد الشتاء، وملابس أخرى خفيفة تروح عنهم حر الصيف.
أما الإمام الليث بن سعد فكان يتعمد أن يطعم الناس في فصل الشتاء الأغذية التي تُولد الطاقة في أجسامهم، بل في السابقين من كان يكسو في الشتاء ألف جسد عارٍ. إنها دعوة للتفكر بقوة في أحوال البائسين الذين يقضون فصل الشتاء في كبد ومعاناة، وليس الكلام عن برد الشتاء ترفا، بل هو قضية حقوق إنسانية، وتجاهلها يولد سخطا عارما لدى المتضررين منه، بل ذكر ويل ديورانت في كتابه «قصة الحضارة» في سياق الحديث عن الأقاليم الألمانية، أن برد الشتاء دفع الناس إلى شفا الثورة.
إنني أتوجه بهذه الدعوة إلى الجماهير بعيدا عن الحكومات والأنظمة، التي لا نملك حناجر قوية بما يكفي لإسماعها، لكن بوسع كل امرئ أن يكون له دور في هذه المواجهة، من خلال التبرعات للمراكز والجمعيات والهيئات الإغاثية الموثوق بها للوصول إلى مخيمات اللاجئين، أو من خلال تفقد المحيطين من فقراء ومساكين وتقديم الأغطية ولوازم التدفئة. وإن التوعية بمخاطر البرد وأحوال ضحاياه لمن أبرز ما يمكن فعله تجاه هذه المأساة الإنسانية السنوية، ومن لم يسعه بذل شيء من هذه الأمور، فحسبه البذل بالمشاعر الصادقة والرغبة في رفع المعاناة عنهم، كما قال التابعي أويس القرني، وهو يعتذر إلى ربه لضيق اليد: «اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة، ومن كل جسد عارٍ، فليس لي إلا بما على ظهري وفي بطني» والله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
إعراب “صحت الأمة من غفلتها” :
صحت: فعل ماضي ولىّ، على أمل أن يعود.
والتاء: تاء التأنيث في أمة لا تكاد ترى فيها الرجال.
الأمة: فاعل هدَّه طول السبات حتى أن الناظر إليه يشك بأنه لا يزال على قيد الحياة.
من: حرف جر لغفلة حجبت سحبها شعاع الصحو.
غفلتها: اسم عجز حرف جر الأمة عن أن يجر غيره.
والهاء ضمير ميت متصل بالأمة التي هانت عليها الغفلة، مبني على المذلة التي ليس لها من دون الله كاشفة.
– من النت –
قال استاذ اللغة للتلميذ : قف يا ولدي واعرب : عشق المغترب تراب الوطن .
وقف الطالب وقال :
عشق : فعل صادق مبني على امل يحدوه ايمان واثق بالعودة الحتمية .
المغترب : فاعل عاجز عن ان يخطو اي خطوة في طريق تحقيق الامل ، وصمته هو اعنف ردة فعل يمكنه ان يبديها .
تراب : مفعول به مغصوب وعلامة غصبه انهار الدم واشلاء الضحايا والقتلى .
الوطن : مضاف الى تراب مجرور بما ذكرت من اعراب تراب سابقا .
– من النت –
كلامك سليم بارك الله فيك
فعلا وللشتاء وجه آخر
الله يجازيكي كل خير أستاذة احسان ??
بارك الله بكم استاذه إحسان وجزاكم الله خيرا
بوركت وسلمت ربنا يُسمع صوتك النفوس الكبار ذوي الهمم فالمسألة لم تعد مسألة مال وحسب وتحتاج جهود جبارة في كل المجالات
بوركتم أستاذة إحسان
جزاكم الله خيرا.
أنا فخور بك يابنت بلدي. اللهم خفف عن الفقراء برد الشتاء. ودفء احشائهم بحساء ساخن. واعذرنا أنا قصرنا في اعانتهم لقلة حيلتنا.