وماذا عن لمّ شمل الجزائر والمغرب؟

حجم الخط
27

الجزائريون يسعون لاستعادة دور يرون أنه انحسر وتقلص في السنوات الأخيرة في المنطقة، لكن فيما هم يحاولون وبدرجة متفاوتة توسيع نفوذهم في ليبيا وتونس وموريتانيا، فإنهم يستمرون بالمقابل في بناء جدار عال وسميك بينهم وبين جيرانهم في المغرب.
وفي الداخل يبدو مهما للغاية أن يفكروا الآن وبعد ستين عاما من إعلان استقلالهم في لم الشمل. فأعتى الخصوم والمعارضين للرئيس عبد المجيد تبون قد يجدون أنفسهم اليوم متفقين معه، وعلى الأقل من حيث المبدأ على الفكرة التي تجدد الحديث عنها هذه المرة في افتتاحية مجلة «الجيش الجزائري» لشهر يوليو الحالي، التي مهرت باسم الرئيس، وتلخصت في دعوة الشعب الجزائري إلى «لم الشمل ورص الصفوف وتوحيد الجبهة الداخلية»، فبغض النظر عن تفاصيل أو خلفيات ما باتت تعرف بالمبادرة التي أطلقها تبون منذ نحو شهرين من الآن، ومدى تقبل الجزائريين لها أو تجاوبهم معها، لا يبدو أن أحدا منهم سوف يتردد في أن يشاطره الرغبة في أن يتم «كسب معركة التجديد التي نخوضها، لكسب الرهانات وتحقيق تطلعاتنا المنشودة في جزائر قوية شامخة وآمنة مثلما أرادها شهداؤنا الأبرار»، مثلما جاء في نص الافتتاحية.

الجزائريون يسعون لاستعادة دور يرون أنه انحسر وتقلص في السنوات الأخيرة في المنطقة

غير أن تحديد طبيعة تلك المعركة وتصور الطرق والوسائل والخيارات الأمثل والأنسب لكسبها والنجاح فيها، تبقى المدار الحقيقي الذي قد يفرق اليوم بين الموالين، والمعارضين للنظام في الجزائر. لكن السؤال هو هل إن فكرة لم الشمل تبقى مناورة سياسية داخلية محدودة الأفق؟ أم إنها قابلة للتوسع أكثر والانفتاح على الخارج؟ وبمعنى آخر هل إنها تنحصر فقط في الداخل الجزائري، أي بين الجزائريين أنفسهم فحسب؟ أم إن دائرتها يمكن أن تتوسع، إن عاجلا أو آجلا لتشمل علاقاتهم كذلك بباقي جيرانهم وفي المقدمة الأقربون منهم؟ لقد كان لافتا أنه يوما واحدا قبل ظهور افتتاحية مجلة «الجيش الجزائري» التي تحدث فيها الرئيس تبون عن لمّ الشمل في الداخل الجزائري، كان وزير خارجيته موجودا في لبنان للبحث في عدة قضايا وموضوعات عربية، كانت من بينها مسألة لم الشمل مع النظام السوري، ورفع التجميد عن عضويته بالجامعة العربية بمناسبة القمة التي يفترض أن تستضيفها العاصمة الجزائرية خريف العام الجاري. وما قاله رمطان لعمامرة خلال مشاركته في اجتماع لوزراء الخارجية العرب في العاصمة اللبنانية، إن بلاده «لا تمانع في عودة سوريا لتشغل مقعدها في الجامعة العربية، وأن لا مشكلة لديها في ذلك»، قبل أن يضيف أن «الجزائر ستبذل قصارى جهدها لجمع الشمل وتقوية الإرادة العربية المشتركة من أجل رفع التحديات الجماعية»، على حد تعبيره. وفي السياق الإقليمي والدولي، بدا سعي الجزائريين نحو السوريين مفهوما، في ظل الروابط المتينة التي تجمعهم بحلفائهم الروس والإيرانيين، لكن إن كانت تلك الروابط والتحالفات قد تبرر أو تفسر رغبة الجزائر في أن يستعيد النظام السوري مقعده الشاغر في الجامعة العربية، فهل إن الخلافات والتوترات، أو حتى التناقضات الحادة بالمقابل بينها وبين جارها المغرب، تكفي لسد الباب نهائيا أمام أي مسعى للمّ شمل البلدين، وإعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بينهما منذ ما يقرب العام؟ في مايو الماضي كان رئيس الدبلوماسية الجزائرية حاسما في الموضوع، حين قال في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي، إن قطع العلاقات بين بلاده والمغرب «لا يحتمل وساطات لا بالأمس ولا اليوم ولا غداً»، واضعاً بذلك حداً لما تداولته عدة مصادر إعلامية عن وجود ترتيبات، أو حتى وساطات عربية وأجنبية لجمع البلدين المغاربيين. ومع ذلك فإن لاءات لعمامرة الثلاثة بدت بعيدة جدا عن المنطق الذي تحدث به الرئيس الجزائري في نوفمبر الماضي، خلال مقابلة تلفزيونية قال فيها في معرض حديثه عن القمة العربية، التي تستعد بلاده لاحتضانها، إنها «يجب أن تكون جامعة، وانطلاقة للمّ شمل العالم العربي الممزق»، لأن «الجزائر دولة تجمع الفرقاء»، على حد تعبيره. فهل كان ممكنا أن يرفع فيتو في تلك الحالة في وجه بلد عربي وجار هو المغرب، ويستثنى اليوم وربما حتى غدا من جهود لم الشمل العربي، التي عبر الرئيس الجزائري عن سعيه لبذلها؟ لعل المؤلم في القصة الآن هو أن ذلك يحصل والجزائر تحتفل بالذكرى الستين لإعلان استقلالها. فكيف يمكن للمسؤولين الجزائريين أن يقنعوا شعبهم بفكرة لمّ الشمل في الداخل، ويقطعوا بالمقابل الطريق أمام أي محاولة أو مسعى لجمعه مع أقرب شعوب الشمال الافريقي إليه وهو شعب المغرب؟ ألا يبدو أن هناك تناقضا صارخا بين الأمرين؟ فهل سيكون منطقيا أن يطلب من الجزائريين أن يصفوا قلوبهم ويمدوا أيديهم لبعضهم بعضا، ثم يبقوا نار الأحقاد نحو جيرانهم متقدة في الصدور، ويرفضوا الرد على الأيدي التي يمدها هؤلاء لهم؟ أليسوا مطالبين بتقديم توافقات وتنازلات متبادلة في ما بينهم؟ فإذا كانوا مستعدين للتنازل لبعضهم بعضا من أجل المصلحة العاجلة لبلدهم ألن يكون حريا بهم أن ينظروا أيضا للمصلحة الآجلة له، ويقتنعوا بأن الجزائر ستزداد قوة وشموخا وعنفوانا بمغرب كبير موحد وليس بجزائر كبرى منفردة؟ إن الحجة التي قد يقدمها البعض هنا هي أن الخلاف الجزائري المغربي هو خلاف منهجي بين نظامين، وليس خلافا مبدئيا بين شعبين، تبدو واهية للغاية وبعيدة جدا عن الواقع. فمن يكتوي بنار الفرقة والانقسام والقطيعة بين البلدين غير الشعبين بالدرجة الأولى، وربما الوحيدة؟ لقد كانت ألعاب البحر المتوسط بوهران فرصة جديدة لتأكيد تلك الحقيقة المؤلمة. فالاستقبال الرائع للبعثة الرياضية المغربية في المطار الجزائري، كاد أن يكون نقطة انطلاق جديدة في مسار العلاقة بين البلدين، لولا أن الطريقة التي منع بها الصحافيون المغاربة من تغطية الحدث، أعادت الأمور على ما يبدو إلى نقطة الصفر. ولعل الانطباع الذي قد تركه ذلك هو أن هناك جزائرين اثنتين تتصارعان داخل الجزائر الواحدة، الأولى تريد وضع حد للخلاف مع المغرب، أو حتى التخفيف من وطأته، والأخرى لا ترى بديلا آخر سوى استمراره وبقائه إلى أمد غير معلوم. وحتى الآن فإن صوت الجزائر الثانية يبدو الأقوى والأعلى. لكن هل قدر على الجزائريين والمغاربة أن يعيشوا وبعد أكثر من ستين عاما من حصولهم على استقلال كان من المفترض أن يكون عن فرنسا، على انفصال واستقلال تام وشامل بات في الواقع عن بعضهم بعضا؟ الأمل أن لا تحيا الجزائر بمعزل عن جيرانها، وأن تتخلص من كل رواسب الفرقة والقطيعة التي تركها المستعمر بينها وبينهم قبل ستين عاما من الآن.والأمل الايكون لمّ الشمل مناورة تكتيكية داخلية محدودة الأبعاد؟ بل فرصة حقيقية لفتح آفاق جديدة لجزائر تستحق بالفعل أن يكون لها دور ريادي ومؤثر في المنطقة.

كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول شمالي:

    النظام الجزائري بابقاءه مشكل الصحراء قائما يظن واهما انه سيشغل المغرب وتبقى له الساحة والقوة والنفوذ لوحده للاسف نظام لا زال يعيش على ماض تجاوزه الزمن والقوة تأتي بالاندماج الاقتصادي مع دول المحيط الجغرافي وليس بالقطيعة التي يتخذها ذريعة لالهاء الشعب عن همومه

  2. يقول سلام لمن اتبع الهدى:

    العداوة ليست قدرا محتوما إلى ما لا نهاية. شعوب كثيرة عاشت في الماضي التوترات والقطيعة، قبل أن تتأكد قيادتها بعبثية مواصلة سياسة لا فائدة منها. الجزائر بالنسبة لنا كمغاربة، هي شعب مغاربي مثل التوانسة والليبيين والموريتانيين، يجمعنا فضاء متوسطي إفريقي عربي أمازيغي، تعقدت أحواله بسبب رفض القيادة الجزائرية، الإعتراف بأنه بعد نصف قرن من خلافات الصحراء السياسية والدبلوماسية والإعلامية الحامية الوطيس، تأكدت دول كثيرة ووازنة زار مسئولوها وسياحها جنوب المملكة، بأن تقسيم المغرب هو أمر مستحيل حتى ولو تم تسليم هذا الإرث من زمن الحرب الباردة، إلى جيل وقيادة جديدة في الجزائر.

    1. يقول لطفي الجزائري:

      الأخ : سلام لمن اتبع الهدى
      تقول : “العداوة ليست قدرا محتوما إلى ما لا نهاية. شعوب كثيرة عاشت في الماضي التوترات والقطيعة، قبل أن تتأكد قيادتها بعبثية مواصلة سياسة لا فائدة منها. الجزائر بالنسبة لنا كمغاربة، هي شعب مغاربي مثل التوانسة والليبيين والموريتانيين، يجمعنا فضاء متوسطي إفريقي عربي أمازيغي،” إلى هنا كلامك موضوعي وجميل جدا لا يختلف عليه مغاربيان.
      ما يليه من كلام هو رأيك لكونك مغربي . وعلى هذا فإن كلامك صواب بالنسبة إليك. كما أنه “قد” يحتمل الخطأ بالنسبة للرأي المخالف سواء كان هذا الرأي صادر من المغرب أو من الدول المغاربية الأخرى وبالأخص الجزائر.

  3. يقول ابن سعيد:

    رمي الاستعمار بالتفرقة بين الجزائر والمغرب هذا قول فيه خطأ تاريخي ،، ثم لماذا لانتحلى بصراحة الشجعان والانصاف ونرمي باخطاء ما بعد الاستقلال على الحكومات الوطنية التي تولت الحكم في بلداننا المستقلة ومع ذلك عملت كل مافي وسعها من اجل افساد العلاقات الودية بين الشعبين وبكل الطرق ،، فتارة تغطيها الاطماع التوسعية وتارة اخرى بخلق للشعب عدو وهمي من اجل السيطرة والتمكن من البقاء في الحكم الى أطول مدة لا يعلمه الا الله.

    1. يقول أمير - (عن هشام عبود):

      كلام معقول

  4. يقول Abdelaziz Ananou (المغرب):

    شكرا الكاتب عل المجهودات وأسأل المغاربة الذين يدافعون بسذاجة لعلاقات لم تكن طبيعية منذ ظهور من يعنون..
    ألا تكفيكم الشعوب الإفريقية من سينغالية وإيڤوارية وغابونية وشعوب كل الدول الإفريقية، الصديقة منذ عقود.. أليسوا مسلمون؟.. أليسوا بشر؟؟ وكثير من الشعوب العربية والإسلامية البعيدة التي تقدرنا وتقدر تاريخنا.. وكذلك الشعوب التي تزورنا بالملايين كالإسبانية والفرنسية والأمريكية والبلجيكية والبولونية وآخرين والتي فيها من يعرف تاريخنا ويقدره وفيها من لا يعرفه فيبحث فيه.. نعم ألا تكفي كل هذه الشعوب. هل تعرفون أن إسم المغرب معروف ومقدر في الدول الأنغلوساكسونية كقوة وكحضارة.. إذا لا تعرفوه فاسألوا..
    .
    ألا تكفى هذه الشعوب ؟؟ أم تبحثون عن العلاقات الشاذة وتخلقوا لأنفسكم، وتتركوا لأولادكم مشاكل أخرى كما فعل أجدادنا.. انتصرتم في كل شيء: سياسيا، اقتصاديا، تكنولوجيا،عسكريا، استراتيجيا.. وصلتم لهذا بفضل أدمغة أبنائكم.. وهو ما لا يملكه الآخرون.. ولو كانوا يملكونه لما احتاجوا للغاز والبترول..

    المغرب محصن ، وبعض “الخواتيون” المغاربة عليهم مراجعة أنفسهم.. من يريدكم ويحبكم، فليقترب هو منكم ويطلبكم.. لأنه أنتم من لكم الفضل، وبدون توضيح..

    1. يقول عروة بن الورد:

      السي عبد العزيز تحية صادقة على تعليقك. كلام في الصميم و عين العقل. أنا فعلا أتمنى أن كل المغاربة قيادة و شعبا يولون وجوههم إلى غير رجعة إلى الشعوب الحقيقية الأصيلة التى ترى إلى المستقبل و ليس من يجرنا إلى الوراء و الحقد الأعمى.

  5. يقول أمازيغي حر:

    الحقيقة : لن يكون هناك لم للشمل والجزائر لن تفتح الحدود حتى يتنازل المغرب عن صحراءه لصالح الجزائر.والمملكة المغربية لن تتنازل عن حبة رمل من صحراءها حتى ولو التصقت السماء مع الارض قضي الأمر الذي فيه تستفتيان يا عْرِيبَّان يا أمة ضحكت من جهلها الامم

  6. يقول غضبان:

    أسئلة عميقة تستحق التنويه.كيف يعقل أن تكون علاقة الجزائر والمغرب بالمستعمر أفضل من علاقتهما معا؟!

  7. يقول عبد القادر UK:

    نجد دائما صوتا للحكمة في مقالات الكاتب الكريم، و نرجوا ان يجد اذانا صاغية من الجانب الجزائري.

  8. يقول ايمن:

    حفظ الله الجزائر و جيشها الباسل المكون من مختلف شرائح المجتمع من أبناء الشعب البسيط خاصة أبناء الفلاحين و الطبقة العامة من الناس لذلك فشلت كل المؤامرات و الدسائس من أجل عزل هذا الجيش الوطني عن الشعب الجزائري الذي تمكن من كشف خيوطها وأصبح اليوم يتغنى عبر كل المنابر بعبارة جيش شعب خاوة خاوة وتوجيه رسالة لكل الخونة و العملاء بأن مخططاتهم انكشفت و بأن الشعب واعي عن بكرة أبيه مهما كان حجم التزييف و التضليل لذلك دعائنا اليوم الجمعة يوم عرفة أن يحفظ الله الجزائر من كل سوء ومن كيد الكائدين و غدر الخائنين ومن الفتن ما ظهر منها و ما بطن و أن يحفظ سائر البلاد الإسلامية من مشارق الأرض إلى مغاربها

  9. يقول عبد الله البوليساريو:

    وماذا عن لم شمل العائلات من ابناء جمهورية الصحراء الغربية التي شردهم الاستعمار الملكية المغربية المحتلة؟؟؟
    بإذن الله ستستقل جمهورية الصجراء الغربية وسيهزم الاستعمار الملكي المغربي الغادر المحتل وسيفر ذليلا بإذن الله كما هزم وفر الاستعمار من الجزائر. (فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري الى الله إن الله بصير بالعباد).

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية