برغم ما يعيشه ويكابده الأفراد في حياتهم وتطوّرهم، وفوق جميع مستويات الحزن والارتباك والمعاناة، لا بد لمشاعر الأمل والتفاؤل أن تعيش وتبقى ما دامت دواليب الحياة تدور وتدور، وقد لا تختلف الدول عن أفرادها بذلك، فبدون التفاؤل في التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لا يمكن بناء أنظمة ومؤسسات عادلة وحاضنة لجميع أبنائها، وبينما عالمنا العربي يثقله صمت الاحتباس السياسي، وتهزّه عربات الربيع العربي أينما حلّت وارتحلت، فليس له عن الأمل في الغد المكلل بالحوار والتفاهم مهرب أو مفرّ. لمشاعر التفاؤل السياسي في عالمنا العربي ما يبررها من الرغبة بحل الخلافات العالقة والعيش الهادئ في الإقليم المستقر، وما لا يبررها كثيراً كونها ليست أكثر من كونها جملة ورديّة من الأحلام والتطلعات، ففي كل مرة تجري الانتخابات الرئاسية الأمريكية، نجد أنفسنا نترقّب عصراً أمريكياً جديداً، عنوانه الخير والعدالة وإغاثة المستضعفين في الأرض وحل المعضلة الفلسطينية، وتوقع الضغوط تلو الضغوط لكبح جماح دولة إسرائيل، وفي كل مرة تتبدل فيها القيادة الإسرائيلية ترانا نعزو الجمود والتصلب والانسداد إلى الحكومة الإسرائيلية السابقة، وتغمرنا عواطف وقف الاستيطان، وإنصاف ألاجئين والمهجرين، وإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة على حدودٍ وبقاعٍ يرضاها الجميع، أما الآن وقد انتهت الانتخابات الرئاسية الإيرانية، فلا تنفك القيادات والنخب السياسية والحزبية والثقافية العربية تبني القصور فوق القصور، والتفاؤل فوق التمنّي، مُتناسية أن النظام السياسي الإيراني غير تقليدي، ويحتوي مؤسسات فاعلة وغير تقليدية في هيكله الرسمي، وان هذه المؤسسات تتداخل وتمتزج مع سلطاتها الثلاث بشكل مباشر وبيّن، وغير مباشر وعجيب، ولها من التأثير الفعّال في اتخاذ القرار السياسي النهائي الشيء الكثير، فكيف بالرئيس الإيراني الجديد المنبثق من عباءات ومؤسسات الدولة أن يحلّق ويتمادى في التغيير والإصلاح، وكيف به سيرفع منفرداً ثقل المرشد الأعلى ذي السلطات السياسية الواسعة في إقرار مصير الدولة بحربها وسلمها، وكيف به سيلاعب مجالس صيانة الدستور والخبراء وتشخيص مصلحة النظام في آن واحد، وهل سيعلن فجأة وقف برنامج إيران النووي المثير للجدل والريبة، أم سيعد كغيرة بمزيد من الانفتاح والشفافية طويلة الأمد، وهل سيبتر أذرع إيران ومناطق نفوذها في سوريا ولبنان، أم سيتشدّق برفض التدخل الأجنبي وضرورة بقاء الرئيس السوري رئيساً ومرشحاً وأمراً واقعاً، وهل سيزيل بواعث التدخل في الشأن الداخلي لبعض الدول العربية، ويطلب تحكيماً دولياً محايداً لحل مشكلة الجزر العالقة، أم سيؤكد على أنها إيرانية فارسية كانت وستبقى، وفي النهاية قد يصبح السؤال الكبير هل سيرغب الرئيس الجديد إن أراد، أن يبقى أو أن لا يبقى! في إيران أطنان من مشكلات الفقر والبطالة والتضخّم، عدا كميات الاحتقان بين نوازع المحافظة والتشدد وبين رغبات الاعتدال والإصلاح، وحول إيران أطواق من الخلافات السياسية التي قد لا تذوب سريعاً، وتحت إيران ألغازاً من البرامج والغايات التي ينظرها المجتمع الدولي بعيون الترقب والمتابعة، وفوق إيران غلافاً جوياً مفتوحاً لكنه مغلق ومظلم أمام سهولة التراجع و التغيير، فلا الوعود والخطب اللطيفة، ولا استنساخ دعوات الحوار بين الحضارات والأديان والمذاهب، ستصنع واقعاً داخلياً وإقليمياً جديداً، أما عالمنا العربي، فدعوة لمزيدٍ من الواقعية لا الإمعان في الأمل، في منطقة أصبح فيها التفاؤل والتشاؤم السياسي يتلونان بلون واحد وطعم مختلف! م. زيد عيسى العتوم – الاردن- اربد [email protected]