عمر الدولة الأردنية لم يكمل بعد المئة عام، لكن عمر الأردنيين أكثر امتدادا عبر السنوات وأعمق في تخوم هذه الأرض التي تتنفس من رئة النهر، وهكذا بدأت مشكلة الأردنيين مع دولتهم، ولا أقصد قطعا بالدولة، الأرض والتاريخ والتراث الذي تفتح وعينا ووعي الأجيال عليه، إنما القصد متعلق بأولئك الذي أمسكوا بزمام الأمور، وحولوا الدولة من أرض إلى جغرافيا، والفرق واضح بين المعنيين، ومن تاريخ إلى زمن ينمو بالتقادم فقط، والعمران ليس سوى قشرة ملونة، أو ثوب خِيط بإبر طالما أدمت أيدينا، ومنذ أول وثيقة وطنية عمومية ونحن نجتر ذات الأفكار وذات اللغة الرصينة، التي رغم رصانتها إلا أنها لم تتجاوز حدها اللغوي المجرد، منذ أن خرجت وثيقة أو ميثاق المؤتمر الوطني الأول الذي انعقد في مقهى حمدان، في 1928، باعتباره التجربة الأولى في التعبير عن وعينا الوطني كأردنيين وبوصلتنا السياسية باتجاه مستقبل الدولة وشكلها وشخصيتها، توالت الوثائق والمواثيق، واختبرنا هذا الوعي الوطني غير مرة، لكننا في كل مرة كنا نخرج أكثر خيبة وخسارة.
لقد تحولت (الوطنية) كمعنى وقيمة واعتبار إلى مؤسسة رسمية شبيهة بكثير من مؤسساتنا الرسمية المصابة بالعطب والتخلف والتشوه والفساد، والعبارة المشهورة على ألسنة السياسيين الحكوميين (دولة المؤسسات والقانون) ليست سوى خدعة الديمقراطية التي تنطلي علينا دائما، ونحن نعلم أو لا نعلم، لا فرق في ذلك، ما دامت النتيجة واحدة، باختصار، مؤسساتنا قائمة رغم عطبها وتخلفها، ليس على حساب عوائدها، بل على حساب جمهورها الضروري أو الافتراضي من أبناء هذا الشعب المغلوب على أمره، وتقوم بدور رائع وكبير في المهام الجبائية والضرائبية والتمكين الرأسمالي لنخبة الإقطاعيين الجدد والرأسماليين المتحكمين، وحين خاطب رئيس الوزراء المعيَّن بالمحاصصة الحكومية البرلمانية، المجتمع الأردني قائلا على سبيل المثال ان رفع أسعار الكهرباء مسألة وحاجة وضرورة وطنية، وحين رفع أسعار الوقود، كانت الحجة الوطنية هي الحجة الوحيدة أمامه، يحسن جيدا الكلام، ويحيك بمهارة القرارات بالحجة الوطنية الجاهزة، وان على الأردنيين أن يصبروا ويكونوا وطنيين إجباراً لا اختياراً، ومهما كنا مجبرين على أن نكون وطنيين ونقبل بكل أمراض الوطنية إلا أن الأمر لن يستمر طويلا، وكما قال لاوتسي (لا بأس أن يكون المتكلم أحمق، ما دام المستمع حكيما).
من مفردات ميثاق المؤتمر الوطني الأول أن كل انتخاب للنيابة العامة (البرلمان) يقع على غير قواعد التمثيل الصحيح وعلى أساس عدم مسؤولية الحكومة أمام المجلس النيابي، لا يعتبر انتخابا ممثلا لإرادة الأمة وسيادتها القومية ضمن القواعد الدستورية، بل يعتبر انتخابا مصنعا لا قيمة تمثيلية صحيحة له، ومنه أيضا أن كل تشريع استثنائي لا يقوم على أساس العدل والمنفعة العامة وحاجات الشعب الصحيحة، يعتبر تشريعا باطلا، وللقارئ أن ينظر في مدى التطابق في المشكلة التاريخية التي استمرت منذ بدايات تأسيس الدولة وإلى يومنا هذا، برلمانات مزورة ومصنعة، وتشريعات لا تقوم على أساس من العدل والمنفعة، وقرارات يتم تمريرها بأساليب أقل ما توصف به أنها لا أخلاقية. في الحملة الحكومية لتمرير رفع أسعار الوقود أسال الرئيس لعاب النواب للتوزير، وحينما تم الرفع، كانت الإرادة الملكية بالانتظار بمنع توزير النواب، والآن لتمرير رفع الكهرباء بلا مشقة، يحاول استدراج تواطؤ النواب مع القرار بتعيينات الأعيان، يا الله كم هذا الشعب الأردني مغلوب على امره باسم الوطنية وباسم الحكمة، وباسم الصبر وباسم أن الأردن أمانة في أعناقنا، بينما أعناق المسؤولين والحكوميين لا تحتمل إلا ربطات العنق.
السؤال الحاضر دائما.. أين الملك عما يحدث وعما تقترفه الحكومة من أخطاء تزيد من تعبئة الشارع وفرص العودة للحراكات الفاعلة، التي هدأت نسبيا، وتجاوز الخطوط الحمراء، أين الملك عن سياسات حكومة مرفوضة شعبيا ومجلس نواب كشفت الابتزازات الحكومية عورته، أين الملك من خسارة النظام المحتملة للولاء العشائري، الذي ظل النظام يراهن عليه دائما بالمجان، وأمام ائتلاف العشائر الأردنية لم يعد ثمة قيمة واعتبار لمستشارية العشائر التي أصبحت عبئا ثقلاً يسحب جسم النظام للأسفل نحو الغرق أكثر في سياسات غير محسوبة النتائج، سيبقى النظام يخسر أكثر مما يكسب من حكومة غير نظيفة ومجلس نواب ضعيف، أمام شعار الوطنية المزورة الذي حولته الحكومة إلى مؤسسة ربحية، خاصة في استخداماتها غير الأخلاقية له للجباية من الشعب، وأيضا سيخسر النظام أكثر أمام مثلث الخطر (العشائر والأقليات والمخيمات) الذي أخذ يعيد حساباته من كل ما يحدث من لصوصية ونهب للخيرات واغتصاب للسلطة والولاية العامة.
‘ كاتب أردني مقيم في البحرين
الأردن وغيرها من الدويلات في مشرق ومغرب الوطن العربي هي حصيلة إتفاقيات ومؤمرات سايكس بيكو و مؤامرات الدول الغربية وعلى رأسها دول الإحتلال .. المملكة المتحدة و فرنسا..
الأردن وغيرها من الدويلات في مشرق ومغرب الوطن العربي هي حصيلة إتفاقيات ومؤامرات سايكس بيكو و مؤامرات الدول الغربية وعلى رأسها دول الإحتلال .. المملكة المتحدة و فرنسا..