عوديد غرانوت
حسن نصر الله، بطل من الخندق، بدا وكأنه لم يتلقَ بلاغاً مسبقاً عن نية حماس الانطلاق إلى ذبح الإسرائيليين في السبت الأسود من 7 أكتوبر. ويصر على عدم معرفته بخطة الهجوم، ويشدد على أنه لم يشعر بالإهانة حين تبين أنهم لم يرووا له. “كان هذا قراراً فلسطينياً، وكان تنفيذاً فلسطينياً 100 في المئة”، قال.
ليس مؤكداً أنه يكذب هذه المرة، لكن حتى لو كان كذلك فيمكن فهم المنطق الذي خلق الحجة الدفاعية. لو اعترف الأمين العام لـ “حزب الله” بأنه كان شريكاً سرياً لذاك لهجوم الإجرامي، لاضطر أن يشرح لسامعيه لماذا لم يتفق مسبقاً، ولماذا لم ينسق هجوماً إسرائيلياً مفاجئاً مع حماس، وبالتوازي في جبهتين. بيننا وبين أنفسنا ملزمون بأن نعترف بأنه لو فعل هذا لبات وضعنا في ذاك السبت اللعين أسوأ بكثير.
ثمة قاسم مشترك لنصر الله ومحمد ضيف ويحيى السنوار. ثلاثتهم مفعمون بهدف إبادة إسرائيل، يفعلون هذا من أعمال الخندق خوفاً على حياتهم (لنصر الله أقدمية طويلة ومتراكمة من البقاء تحت الأرض). الثلاثة، كما ينبغي القول، هم أبناء موت.
لبنان أيضاً، مثل غزة، “اختطف” وبات يحكمه منظمة إرهاب إجرامية. بنت المنظمتان في نطاقهما آلة حرب لا تستهدف الدفاع عن أبناء شعبهما، بل المس بإسرائيل والإسرائيليين. في لبنان، مثل حماس في غزة حتى قبل نحو شهر، يستخدم “حزب الله” الإرهاب داخليا أيضاً؛ فمؤسسات الدولة مشلولة، ومنذ أشهر لا يمكن انتخاب رئيس بسبب “فيتو المنظمة”. لا يجاز أي قرار في لبنان دون إذن نصر الله. المنظمة تسيطر على الجيش اللبناني، وجنود القوات الدولية في الجنوب يساعدونها هذه الأيام في إخلاء شهدائها.
مخاوف في بلاد الأرز
لكن في لبنان، بخلاف سكان غزة الذين لم يتجرأوا بل ولم يرغب بعضهم في الخروج ضد حماس علناً، هناك كثيرون من أبناء الطوائف الأخرى، سُنة ودروز وحتى شيعة (الذين يشكلون نحو 40 في المئة من السكان)، يتمنون التخلص من هذا الكابوس الذي يسمى “حزب الله”. لا مصلحة لهم في حرب ضد إسرائيل، وهم يتذكرون الدمار والخراب الذي ألحقته بهم حرب لبنان الثانية.
سمعوا نصر الله وهو يتحدث عن أهمية “انتصار المقاومة” في غزة باعتبارها “مصلحة وطنية لبنانية” فخافوا. الشبكات الاجتماعية في لبنان تنتقد “حزب الله” الذي يوشك أن يوقع عليهم مصيبة أخرى. عشرات الآلاف من سكان الجنوب هجروا قراهم. سياسيون في لبنان، من رئيس الوزراء فما دون، يستجدونه كي لا يعمل.
غير أن القرار ليس في أيديهم، بل ليس في يدي نصر الله. فـ ”حزب الله” هو العنصر الأساس في “محور الشر”، الذي تقف إيران على رأسه، ويشكل “سلاح يوم الدين” للإيرانيين، أساساً في حالة تعرضهم للهجوم من الخارج. استخدام هذا السلاح الآن لغرض آخر، أي فتح حرب شاملة ضد إسرائيل يستوجب إذناً مسبقاً وإعطاء ضوء أخضر من طهران – وهذا، أغلب الظن، لم يصدر بعد. إسماعيل قاآني، قائد “فيلق القدس” الإيرانية وخليفة قاسم سليماني، زار بيروت الأسبوع الماضي والتقى نصر الله للتأكد من عدم الخروج عن الأوامر.
بالمقابل، صدر الإذن لكل فروع إيران في الشرق الأوسط، ابتداء من اليمن، عبر الميلشيات الشيعية في سوريا والعراق وبالطبع في لبنان، لفتح معركة جوية ضد إسرائيل بقوى منخفضة على صيغة محاولات تحرش تستهدف ظاهراً التخفيف عن ضائقة حماس في غزة. “حزب الله” يترجم هذا كل يوم إلى نار بذخيرة مختلفة نحو استحكامات الجيش الإسرائيلي ونحو بلدات إسرائيلية، في رد على ما يسميه “ضرب قرى لبنانية”.
المشكلة أن خطأ صغيراً في هذه المواجهة اليومية في الحدود الشمالية، الآخذة في التصعيد، أو هزيمة نكراء لحماس في غزة، من شأنهما أن يقلبا الجرة على وجهها وتدهور المنطقة كلها إلى حرب شاملة، لا تريدها في هذا الوقت لا إسرائيل، ولا الإيرانيون أيضاً.
جملة أساسية في خطاب نصر الله لم تنل عندنا اهتماماً كافياً. فقد قال إنه لا يمكن هزيمة إسرائيل بالضربة القاضية، أي بضربة واحدة. الطريق الوحيد للانتصار عليها هو بالنقاط، أي بمسيرة متدرجة من الاستنزاف، خطوة إثر خطوة. وذكر الانسحاب الذي اضطرت لأن تجريه من جنوب لبنان في العام 2000 وبعد ذلك في حرب لبنان في 2006، والتي برأيه انتهت بهزيمة للجانب الإسرائيلي.
غني عن البيان أن إسرائيل ستجد صعوبة في احتواء هذا النهج لزمن طويل. نصر الله عدو مرير وخطير وابن موت، و”حزب الله” لن يهزم بالنقط، أي في حرب استنزاف، بل بضربة واحدة. وإن كانت هذه تنطوي على ضربة شديدة للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وفتح جبهة حيال إيران، التي لن تسلم بفقدان سلاح يوم الدين، لكنها ستزيل التهديد المركزي عن إسرائيل، وضمناً عن لبنان أيضاً.
إسرائيل اليوم 5/11/2023