كما أن للسينما بعداً فنّياً وآخر اجتماعياً، لها كذلك بعدا سياسيا يكون في أحيان كثيرة مباشِراً، بحيث تخضع هذه «المباشرة» في أغلب الحالات إلى إسقاطات ايديولوجية للآراء السياسية لصنّاع الفيلم.
هذه الآراء، مهما كانت مُداراة في الفيلم السياسي، ومهما تفاوتت نسبة «المباشرة السياسية» فيه، تبقى جاذبة للانتقاد والردود بقدر ما تبتعد عن أو تتناقض مع الحقائق التاريخية والحدود الدنيا من معايير أخلاقية وإنسانية. وهي آراء قد يحملها الفيلم كما قد تحملها تصريحات أو لقاءات مع مخرج يحاول تحييد أفلامه عن النقاشات السياسية.
يمكن ببساطة أن يُعجب مُشاهد بفيلم، بعدة أفلام لمخرج يستطيع فعلاً أن يضحكه ويرفّه عنه، وأن يكتشف لاحقاً أن للمخرج موقفاً سياسياً مؤيداً لدول احتلال أو أنظمة ديكتاتورية أو تنظيمات إرهابية مثلاً، هل ستتوقف أفلامه عن كونها مثيرة للضحك؟ لا أعتقد إن كانت أساساً كذلك، إلا إنْ أغصب المشاهد نفسه على كتم ضحكه، أو أنه ضحك لاحقاً وخفية إن تذكّر المشهد. وضحكٌ أو رأيٌ كهذا فيه مغالاة وتكلّف ستُتعب صاحبها.
وودي ألن مثلاً، لم أقرأ له أو أسمع منه أي موقف مؤيد لإسرائيل قبل الحرب الأخيرة على غزة (بتقصير مني ربّما)، حتى في أفلامه، وإن تواجدت الشخصية اليهودية بكثافة (وألن من أسرة أمريكية يهودية ولا يخفي إلحاده) إلا أنه حرص على تصويرها كشخصيات حاضرة وفاعلة في المجتمع النيويوركي، مرفقها بآرائه النقدية لانعكاسات الدين (اليهودي) اجتماعياً، ومن خلال لقطات تهكّمية غالباً.
خلال الحرب على غزّة أُجريت مع ألن مقابلة على موقع «ذا ديلي بيست» الأمريكي تخلّلها سؤال يخصّ رأيه في الأحداث الجارية في غزّة. بعد أن يعبّر عن خيبة أمله لأن لا سلام حلّ بين العرب والإسرائيليين، وأن الوضع مازال «مأساوياً ومريعاً»» وأن «القادة في إسرائيل والقادة العرب لم يستطيعوا أن يتوصلوا لاتفاق» وأن «لا أحد من الطرفين يبدو مستعداً لتصحيح الوضع» (وهي مقدّمة لا يعوزها الخبث في تهيئة القارئ لابتلاع ما سيقوله)، بعد أن يقول ذلك يصرّح بما يودّ فعلاً أن يجيب به على سؤال كهذا: لكني أشعر أن العرب لم يكونوا لطفاء من البداية، وهذه كانت مشكلة كبيرة، كان اليهود قد خرجوا لتوّهم من حرب مريعة حيث أُبيدوا بالملايين وأضطُهدوا في كلّ أوروبا، وقد أُعطوا هذه القطعة الصغيرة جداً من الأرض في الصحراء، ولو أن العرب فقط قالوا: انظروا، نعرف ما الذي مررتم به، خذوا هذه القطعة من الأرض وسنكون جميعاً أصدقاء وسنساعدكم. وعندها سيأتي اليهود في سلام، لكن العرب لم يفعلوا ذلك ولم يكونوا لطفاء ما أدى إلى مشاكل، ومع السنين ارتكب الطرفان أخطاء، كانت هنالك أخطاء في العلاقات العامة، وكان هنالك سوء إدارة مريع جداً.
لا حاجة لنا بفيلم لوودي ألن يروي سينمائياً ما قاله. فمن إجابة كهذه في لقاء مع إحدى أشهر المجلات الالكترونية الأمريكية، يمكننا القول أن ألن لا يفارق الفكرة الصهيونية حين لا يرى مشكلة في سلب قطعة أرض من أهلها ومنحها ليهود، وتعداها (خبثاً لا جهلاً) دون أن يضطر للحديث عن احتلالٍ لأرضٍ ولملمةٍ ليهودٍ من عدة مجتمعات من العالم وإحلالهم محل أهل الأرض، المجتمع الفلسطيني العربي المشرقي المنسجم لغةً وثقافةً وتاريخاً وجغرافيا. فرأى أن المشكلة بدأت فيما بعد ذلك، حين رفض العرب منحهم هذه الأرض، كأنّه يخاطب بلهاء سيستسيغون تبسيطاته للصهيونية.
وألن الذي يبدو في أفلامه نقدياً وتهكّمياً من ممارسات مجتمعية ودينية، يُسقط إيديولوجية صهيونية على الحقائق التاريخية، فيقفز عن بعضها ويحوّر في بعضها الآخر ويحوم حول غيرها، لتناسب فكرةً مسبقة في رأسه أراد لها أن تنطلق من حقائق تاريخية، بل أن «تتعدّل» هذه الحقائق بما لا يناقض الموقف الإيديولوجي المسبق، إن لم نقل بما يخدمها. نضيف على ذلك أن لَي عنق التاريخ هذا يكشف عن نقص في منسوب الإنسانية لدى صاحبها وقسور في الأخلاقيات وبالتالي في مدى مصداقية ما يقوله في شؤون أخرى غير القضية الفلسطينية ومجمل السياسة والتاريخ، ما يقوله وما يطرحه في أفلامه.
أذكر هنا فيلمه Bananas الذي أخرجه عام 1971 والذي صوّر ثوّار في أمريكا اللاتينية كانتهازيين وأشرار والولايات المتّحدة كمقابل لهم، أي الخير وإن نالها بعض التهكّم، وهذا في عزّ الحرب الباردة، ممرراً ذلك بقدراته على السخرية من الجميع وإضحاك المُشاهد.
لن يكون هذا مجدياً في 2014، أن يتناول سينمائياً وبالأسلوب ذاته روايته لتاريخ القضية الفلسطينية وإسرائيل، تماماً كما ذكرها في المقابلة: أننا ألم نكن لطفاء بما يكفي مع اليهود فنمنحهم أرضنا. إن كان ثوّار أمريكا اللاتينية أشرار والأمريكيون أخيار، فكيف لا تكون المعايير هي ذاتها بالحديث عن الإسرائيليين والفلسطينيين!
أخيراً، كان يمكن أن تُفهم إجابته هذه، حرفياً كما هي، كنقد جذري للصهيونية إن قيلت بسخرية، لكنها كتلفّظات جادة، أظهرت مدى خبث صاحبها، لا أقول سذاجته.
كاتب فلسطيني
سليم البيك
وودي ألن أمريكي
وهو قد تكلم بالطريقة الأمريكية ولم يخطئ
فالأمريكان أبادوا شعوبا وقبائل قبل أن يصبحوا الولايات المتحده
فقصد هذا الخبيث هو أنه يجب ابادة الشعب الفلسطيني حتى تبقى فلسطين خالصة لليهود الصهاينة المغتصبين
ولا حول ولا قوة الا بالله
شكرا للسيد آلان. هل يكون لطيفا هو الآخر ويهبنا، نحن مجموعة من العرب المتضررين من الحرب، ولاية من الولايات الأمريكية ؟ غريب، لم أكن أتصوره على هذا القدر من البساطة. لكن أفلامه أطلف من كلامه !