وول ستريت جورنال: بريغوجين عاش كهارب دولي ولم تنقذه إجراءات أمن طائرته الخاصة من الموت عليها

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن –”القدس العربي”:

نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعدته مجموعة من مراسيلها حول رجل الأعمال العسكري وزعيم مجموعة فاغنر للمرتزقة، يفغيني بريغوجين الذي عاش كهارب دائم. وأشارت إلى الطرق التي استخدمها مع مساعديه لتجنب المراقبة والملاحقة عبر الجو.

قبل سقوط طائرته في الجو بموسكو توقع بريغوجين أن تكون طائرة رجال الأعمال الخاصة مسرحا لاغتياله.

فقد كان مطلوبا عالميا ووضعت الولايات المتحدة مكافأة مالية بـ 10 ملايين دولارا لمن يقدم معلومات عنه. وقبل سقوط طائرته في الجو بموسكو توقع بريغوجين أن تكون طائرة رجال الأعمال الخاصة مسرحا لاغتياله.
وكانت طائرة امبراير ليغاسي600، واحدة من عدة طائرات خاصة جهزها زعيم المرتزقة بمعدات للكشف عن الرقابة وبنوافذ إلكترونية ذكية ومعتمة ومقاعد بيضاء. وحاول بريغوجين وهو على متنها التحايل على شبكة من العقوبات التي تلتف حول عنقه وقائمة الدول التي تطارده، وذلك بحسب مسؤولي طيار روس ومنشقين عن فاغنر ومسؤولين في الشرق الأوسط وإفريقيا.
وكانت طائراته تقلع غالبا من قاعدة  تشكالسكوفي الجوية أو المطارات المدنية القريبة لزيارة عملائه في سوريا وليبيا أو بدول الساحل والصحراء الإفريقية.
وكان عادة ما يوقف أجهزة الإرسال والاستقبال، ويختفي من شاشات متابعة الطيران. ويقوم طاقم الطيارة الذي يحمل جوازات سفر مزورة بمراجعة قائمة الركاب قبل الإقلاع، ثم يعلن صوت في منتصف الرحلة عن تغيير مفاجئ في مسارها.
وتعلق الصحيفة أن بريغوجين قام بتشذيب طرق الحياة كهارب منذ أن كان شابا في شوارع سانت بطرسبرغ القاسية وخلال فترته في السجن ثم دوره كأهم رجل أعمال عسكري وانضمامه إلى حلقة الرئيس فلاديمير بوتين المقربة حتى تحديه له، لكن خبرات العيش كمطلوب وهارب لم تكن كافية لإنقاذ الرجل البالغ من العمر 62 عاما.

وول ستريت جورنال: قام بريغوجين بتشذيب طرق الحياة كهارب منذ أن كان شابا وخلال فترته في السجن ثم دوره كأهم رجل أعمال عسكري، لكن خبرات العيش كمطلوب وهارب لم تكن كافية لإنقاذه.

وعندما سقطت طائرته ليس بعيدا عن مقرات إقامة بوتين على البحيرات، قال المسؤولون الأمريكيون في تقييماتهم إنها عملية اغتيال. أما المسؤولون الروس فقالوا إنهم يحققون بالحادث ولم يقدموا أي تفسير وقاموا بتجريف مكان التحطم، مع أن الأعراف الدولية تقضي بالحفاظ عليه.

وفي السنوات التي سبقت مقتله، وضع بريغوجين خطة دقيقة لإخفاء خطط رحلاته الجوية، في محاولة لامتحان حدود قدرة مطلوب دولي على التحرك بين دول عدة ومطارات أجنبية بدون أن يتم التعرف عليه.

وللتعرف على حركة بريغوجين قامت الصحيفة بتتبع رحلاته من خلال سجلاتها التي وفرتها لها خدمة “فلايت رادار24” ومنذ عام 2020. وطالما اعتمدت الولايات المتحدة التي فرضت و30 دولة، عقوبات على أمير الحرب ووضعت مكافأة مالية لمن يقبض عليه، على حلفائها في إفريقيا، بمن فيها النيجر، ومنع توقف طائراته أو دخول أجواء هذه الدول أو صيانتها في دول الساحل. وحظرت وزارة الخزانة الأمريكية على المواطنين والشركات الأمريكية توفير الصيانة لطائراته ويُخوته، بعد اكتشاف حملة التضليل والتأثير على الانتخابات قبل انتخابات عام 2016. وفي نيسان/إبريل كانت طائرة استطلاع أمريكية تلاحق واحدة من ناقلات مجموعة فاغنر وعلى بعد 70 ميلا من الساحل السوري  واللبناني، وذلك بحسب إي دي أس بي إكسجينغ، وهي خدمة متابعة أخرى.
وغيرت الدعامة الرئيسية لأسطوله وهي إمبراير ليغاسي 600  تسجيلها وصلاحياتها القانونية عدة مرات، ومنذ أن استحوذت شركة مسجلة في جزير سيشل عليها عام 2018 من شركة مسجلة في أيل أوف مان، الملجأ الضريبي البريطاني.

وكان بريغوجين يغير طائراته مرتين وثلاث في الرحلة الواحدة إلى الدول الإفريقية، حيث توجد لفاغنر مصالح وعقود لحماية القادة والنخب العسكرية.

كان بريغوجين يغير طائراته مرتين وثلاث في الرحلة الواحدة إلى الدول الإفريقية، حيث توجد لفاغنر مصالح وعقود لحماية القادة والنخب العسكرية.

وكان يسأل طاقمه قبل الهبوط بشأن الطريقة التي سيتعاملون فيها مع الفرق على أرض المطار. وكان غالبا ما يجري مقابلاته على أرض المطار خشية القبض عليه والخروج سريعا. وفي تشرين الأول/أكتوبر  هبطت طائرة بريغوجين في شرق ليبيا للقاء خليفة حفتر، وكان يرتدي الزي العسكري ونظارات سوداء ووضع لحية كثة مستعارة. وزاد بريغوجين من الإجراءات الأمنية بعد محاولة العصيان الفاشل في حزيران/يونيو، وتوقف عن استخدام القواعد الجوية في موسكو أي مكان آخر في داخل روسيا، كما وتوقف عن استخدام طائرات الحكومة، وبخاصة طائرات الطوارئ وإدارة الكوارث من وزارة الدفاع. وفي رحلته الأخيرة لإفريقيا انطلق من مطار تجاري هادئ يبعد 20 ميلا عن العاصمة وأضاف اسمه إلى قائمة المسافرين قبل الإقلاع بوقت قصير.
وانتشرت في الإعلام الروسي ومنصات التواصل الاجتماعي الكثير من التكهنات حول مقتل بريغوجين. وقال بوتين إن أمير الحرب كان صديقه منذ التسعينيات لكنه “ارتكب بعض الأخطاء الخطيرة”. وقالت قنوات على منصات التواصل مقربة من المخابرات الفدرالية- أف أس بي- إن نظام الأمن حول بريغوجين ضعف في الأشهر السابقة على الرحلة الأخيرة. وورد في قنوات أخرى، شهادات لم يتم التأكد منها، عن عمليات صيانة غير عادية قبل الإقلاع وظهور رجلين كان يفكران في شراء الطائرة. ويقول دان هوفمان، المدير السابق لمحطة سي آي إيه في موسكو “يسافر بريغوجين كثيرا وهناك فرصة”. وشبه علاقته مع بوتين بفيلم الأب الروحي، عندما أخبر مايكل كورليوني الخائن كارلو ريزي أنه سينفى إلى لاس فيغاس ليقتله بعد دقائق.
وكان بريغوجين يعتبر نفسه من النخبة المقربة والمتآكلة حول الزعيم الروسي، لكن العلاقة أصبحت غامضة بعد العصيان. وكشف بوتين أن فاغنر ممولة من الحكومة، وبعد سنوات من نفي العلاقة معها.

وزعم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أنه أقنع بوتين بعدم التحرك وإعدام بريغوجين والسماح للأخير الانتقال وجنوده إلى بيلاروسيا، حيث وصل إلى قاعدة جوية خارج العاصمة مينسك، حيث كانت الحكومة تنشئ 300 خيمة لمقاتليه. وببداية آب/أغسطس بدأت مدينة الخيام بالاختفاء من صور الأقمار الاصطناعية، حيث فككتها الحكومة على ما يبدو. وبعد ذلك بدأ بريغوجين بالظهور في مقاطع فيديو وعد فيها بتوسيع نشاطات فاغنر والتأثير الروسي. وقبل أيام من مقتله استخدم مقاتلة سوفييتية الصنع، إليوشين، للسفر من جمهورية إفريقيا الوسطى إلى مالي. وفي طريق العودة تجنب الأجواء الجوية لنيجيريا، حيث لم تكن حكومتها راضية عن دعم روسيا للحكومات العسكرية في غرب إفريقيا.
وجاء تحطم الطائرة وسط لحظة مفتاحية لتوسع فاغنر بالقارة الإفريقية. ففي السودان مثلا، هبطت الطائرة نفسها في الخرطوم، وبعد أيام من سقوط البشير عام 2019، كانت تحمل وفدا منهم إيغور أوسيبوف، قائد الأسطول الروسي بالبحر الأسود والتقى مع المجلس العسكري الحاكم وتناقشوا بشأن الدعم العسكري الروسي الخاص والمساعدة بقمع التظاهرات. وبعد أسبوع حملت الطائرة وفدا سودانيا إلى موسكو، ومن بينهم محمد حمدان دقلو، حميدتي. وأصبح الجنرال المتهم بارتكاب جرائم بدارفور أهم شريك لبريغوجين في السودان، حيث أمده بالذهب من المناجم التي ساعد المرتزقة على توسيعها وإمداداها بالمعدات والأسلحة. وحضر بريغوجين عدة لقاءات في الخرطوم ولكنه كان يسافر باسم مستعار، بحسب مسؤولين سودانيين شاهدوه في القصر الجمهوري أو أحيطوا علما باللقاءات.
وبدأت إمبراير ليغسي 600 بإثارة انتباه الصحافيين الروس ومكتب إدارة الأصول الأجنبية بالخزانة الأمريكية، والتي أضافت الطائرة وأوتوليكس الشركة المالكة لها في سيشل إلى قائمة العقوبات في أيلول/سبتمبر 2019. وألغى بريغوجين التسجيل وأعاد تسجيلها باسم شركة ترانس لوجيستك بسانت بطرسبرغ. وصارت تحمل اسم أر إي- 02795، حيث استخدمت لنقل قادة جمهورية إفريقيا الوسطى في حزيران/يونيو 2021 من سانت بطرسبرغ، حيث شاركوا بمنتدى اقتصادي للعاصمة بانغي. وطلبت الولايات المتحدة من حلفائها في إفريقيا منع طائرات بريغوجين من أجوائها، ووافقت النيجر على حظرها من مجالها الجوي ما أدى إلى تعريض عمليات فاغنر للخطر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية