لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا قالت فيه إن بشار الأسد بعدما انتصر على أعدائه تحول ضد أصدقائه. وأشارت فيه إلى الخلافات العائلية التي طفت على السطح مؤخرا بين رئيس النظام السوري وابن خاله الملياردير رامي مخلوف.
وأضافت الصحيفة أن الأسد خاض حربا على المدى السنوات التسع الماضية، وسمح لأصدقائه بالتربح منها، ولكنه بات الآن يضيّق الخناق على نفس الأصدقاء من أجل تقوية موقعه والحفاظ على الاقتصاد مع زيادة فاتورة إعمار البلاد.
وتقول الصحيفة إن الأسد استهدف عددا من رجال الأعمال السوريين في مجالات تتراوح من العقارات إلى الاتصالات والطاقة، وأوصل رسالة إليهم أنه وحده من يملي ويقرر مستقبل سوريا.
وكان من بين الذين وصلهم غضب الأسد، رامي مخلوف ابن خال الرئيس، الذي ساهم في توفير المال للنظام طوال الحرب الأهلية. ففي شريطي فيديو نشرهما على صفحته في فيسبوك، ناشد مخلوف الرئيس بعدم مصادرة أرصدته، وبدا في الشريطين أشعثاً وقلقاً.
وقال رجل الأعمال الذي يهرب من الكاميرا، إن الاتهامات التي تقول إنه مدين للدولة بـ250 مليون دولار غير صحيحة وفبركتها الأجهزة الأمنية. وقال مخلوف: “سيدي الرئيس، هذه هي الحقيقة”. وواصل قائلا في شريطه الأول الذي بثه في 30 نيسان/ أبريل: “نحن مستعدون لفتح حساباتنا والتدقيق في الأرقام ولو وجدنا هذا الرقم فأنا سعيد لتقديمه”.
ولا يعرف من الفيديو إن كان مخلوف لا يزال مقيما في سوريا أم خارجها، وظل بعيدا عن الأضواء منذ ذلك. ولم تستجب شركته الرئيسية في دمشق “سيرياتل” لمطالب الصحيفة توفير اتصال معه أو من يمثله.
وينتمي مخلوف إلى الدائرة العليا في النظام المكونة من أربعة أشخاص، ومع استمرار الحرب حاول إثراء نفسه وبناء قاعدة شخصية له من خلال ميليشيا موالية له وعدد من الجمعيات الخيرية المفضلة. ولكن الدائرة الآن صغرت كما يقول جوزيف ضاهر، المحلل الاقتصادي السياسي السويسري- السوري والأستاذ المتعاون مع الجامعة الأوروبية في فلورنس، وصارت مكونة من الرئيس وزوجته أسماء وشقيقه ماهر الذي يقود الحرس الجمهوري.
وتعلق لينا الخطيب من المعهد الدولي للدراسات الدولية (تشامام هاوس) في لندن: “يحاول الأسد الحفاظ على السلطة في يديه” و”معاملته لمخلوف ترسل رسالة للمنتفعين من النظام أنهم وإن كانوا وسيلة مفيدة في أثناء الحرب لكن يمكن التخلص منهم مع انتهاء دورهم”.
ولكن مخلوف ليس الوحيد الذي استهدفه النظام في الأشهر الأخيرة. ففي أيلول/سبتمبر دعت الحكومة مجموعة من رجال الأعمال الأثرياء في سوريا إلى فندق هيلتون في دمشق وطلبت منهم إيداع أموال في المصرف المركزي لدفع العملية الضعيفة، وذلك حسب تقارير إعلامية سورية والتي نشرت صورا للمناسبة وضمت أيمن عبد النور المستشار الإقتصادي السابق لحزب البعث الذي يقوده الأسد.
وقلّد التحرك عملية القمع السعودية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 والتي تم فيها احتجاز رجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون وأجبروا على التنازل عن أجزاء من أرصدتهم وأملاكهم باسم مكافحة الفساد.
ومن بين الذين طلب منهم الحضور، سامر فوز، الذي يعتبر ثاني أقوى رجل أعمال في سوريا، وتعامل مع كل الأطراف في الحرب الأهلية، حيث أرسل القمح إلى المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم “الدولة” وكذا مناطق الأكراد، وكان يحضر نفسه في الفترة الأخيرة للعب دور كبير في مرحلة الإعمار ما بعد الحرب.
وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية العام الماضي عن فرض عقوبات عليه وعلى شركات أخرى زعمت أنها موّلت ودعمت الأسد. وفي اللقاء تبرع فوز بمبلغ 10 ملايين دولار لدعم العملة السورية، بحسب “إعمار سوريا” (وهي منظمة تجارية في دمشق) وعبد النور. لكن فوز ومساعديه رفضوا التعليق على مبلغ الـ10 ملايين دولار المتبرع به. وفي كانون الأول/ديسمبر تم تجميد حسابات تعود إلى أربعة رجال أعمال، منهم طريف الأخرس، أحد أقارب أسماء الأسد وواحد من ممولي النظام. وبحسب “سيريا ريبورت” فإن قرار وزارة المالية تجميد حسابات الأخرس؛ لأنه مدين لمصلحة الضريبة بملايين الدولارات.
وفي بداية هذا الشهر استقال رئيس مجلس المدراء واثنان من أعضاء مجلس شركة “إم تي إن” التي تعد ثاني شركة اتصالات في سوريا وذلك حسب خبر نشرته هيئة الأوراق والأسواق المالية. وجمدت أموال الشركة لأنها مدينة للخزانة السورية، حسب “سيريا ريبورت” والتي قالت إن القرار اتخذته وزارة المالية. وأكدت الشركة استقالة المدير وقالت إنها لأسباب شخصية بدون تعليق.
وتركت سنين الحرب أثرها على الاقتصاد السوري الذي انكمش من 67 مليارا عام 2011 إلى 17 مليار دولار عام 2017، وهي الأرقام المتوفرة عن حالة الاقتصاد من المركزي للإحصاء.
أما العملة السورية، فقد انخفضت قيمتها في السوق السوداء إلى 1400 ليرة مقابل الدولار الأمريكي الواحد، من 800 ليرة عام 2018. كل هذا جعل من أصدقاء الأسد رصيدا مهما، خاصة مخلوف.
فمع هجرة الكثير من رجال الأعمال السوريين بسبب الحرب، موّل مخلوف ميليشيا موالية للنظام، وذلك حسب وزارة الخزانة الأمريكية التي فرضت عقوبات عام 2017 على جمعية البستان التي مولت الميليشيا. وفي عام 2018 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مخلوف، صديق طفولة الأسد واتهمته بالإنتفاع من نظام الأسد لخدمة مصالحه التجارية.
وقال الولايات المتحدة إن تعاملاته التجارية أدت لتقوية نظام قمعي، فيما استفزت صلاته الشركات السورية الأخرى بشكل أضر بالسوريين العاديين، مما جعله أول مدير تنفيذي يوضع على القائمة السوداء بهذه الطريقة.
ومع بداية الحرب أصبح مخلوف الممول الأساسي للنظام، وكان مخلوف الذي اعتُبر أثرى رجل في سوريا، أول هدف للاتحاد الأوروبي الذي فرض عليه العقوبات بسبب دعمه للنظام.
واستفاد مخلوف من علاقاته مع الأسد لتنويع استثماراته والتي شملت الإعلام والأسواق الحرة والمصارف والعقارات، في وقت شردت الحرب 6 ملايين سوري، وجعلت 80% من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر.
ووسع مخلوف من عمليات “سيرياتل” التي تعد أكبر شركة هواتف محمولة في البلاد، وحققت عام 2017 أرباحا بـ380 مليون دولار، واشترى معظم أسهم مجموعة شام القابضة والتي أنشأت أول شركة طيران خاصة أجنحة الشام. ووضع ولداه صورا لهما على إنستغرام وهما يسوقان سيارات فيراري ويحملان قناني الشمبانيا في دبي التي يدير والدهما فيها شركات تجارية قبل الحرب.
وأصبح كل هذا تحت التهديد، حيث جمد الأسد “البقرة الحلوب” لمخلوف، وهي أرصدة سيرياتل، واعتقل الأسبوع الماضي مديرها. ولكن مخلوف لجأ للتحذير، وقال إن معاقبته قد تترك آثارا سلبية وتغضب أنصار الأسد الذين انتفعوا من جمعيته. وناشد الأسد قائلا إن هذا سيكون محتوما وسيحل العقاب الإلهي “لأننا في منعطف خطير”.
الغريب أن “وول ستريت جورنال” بدأت تقريرها بالقول أن بشار انتصر على أعدائه ثم بعد أسطر قليلة إذا هي تعدد هذه “الانتصارات !!” : احتجاز رجال أعمال “بشار” وإجبارهم على التنازل عن أجزاء من أرصدتهم وأملاكهم (من ضمنهم ابن خالته) ، انكماش الاقتصاد السوري إلى 25% في عام 2017 عما كان عليه عام 2011 ، انخفاض العملة السورية حوالي 60% من قيمتها منذ سنتين ،هجرة الكثير من رجال الأعمال السوريين ، شردت الحرب ملايين السوريين، %80 من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر.
إذا أضفنا قتل العباد و تدمير البلاد و تعبئة السجون، فإذن الانتصارات كانت تحويل سوريا إلى خراب ثم يجلس الفصيح على خربة و يقاقي فوقها .