لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أشارت فيه لعودة القوات الأمريكية إلى السعودية بعد رحيلها قبل 17 عاما. وقال جارد ماسلين في تقريره الذي كتبه من قاعدة الأمير سلطان الجوية إن حوالي 2.500 جندي أمريكي انتشروا في القاعدة التي تبعد 60 ميلا جنوب- شرق العاصمة الرياض ويعيشون بخيام في الصحراء. ومن هنا يطلق الجنود طائرات أف-16 ويحرسون بطاريات باتريوت من خلال ورديات على مدار الساعة. وفي أوقات الفراغ يلعبون الشطرنج أو ألعاب الفيديو، حيث تبرز لعبة مصممة على غرار فريق الكرة الأمريكية على شاشة رقيقة في قاعة الترفيه.
تعكس عودة القوات الأمريكية بعد عقدين من الزمان من الوجود الرمزي مظاهر القلق الأمريكي والسعودي من التهديد الذي تمثله إيران على المنطقة
وتعكس عودة القوات الأمريكية بعد عقدين من الزمان من الوجود الرمزي مظاهر القلق الأمريكي والسعودي من التهديد الذي تمثله إيران على المنطقة. وقال الجنرال جون وولكر، قائد الفرقة الاستكشافية بـ 378: “نواجه عدوا ذكيا يقوم بلعب نزاع إقليمي وإدارة استمراره، وهم جيدون في هذا”. وتقول الصحيفة إن انتشار القوات الأمريكية في قاعدة الأمير سلطان تعكس تغير الوجود الأمريكي في المنطقة المحيطة وسط سياسة الرئيس دونالد ترامب الصدامية مع إيران وقراره سحب القوات الأمريكية من سوريا. ورغم تعهد الرئيس ترامب بفك علاقة أمريكا مع المنطقة إلا أنه أرسل أعدادا جديدة من الجنود إليها.
وكانت القوات الأمريكية قد انتشرت في القاعدة حتى عام 2003 وبعد عقد من إرسال الولايات المتحدة أكثر من نصف مليون جندي لحماية المملكة بعد اجتياح صدام حسين الكويت عام 1990 وشن أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة والذي عارض الوجود الأمريكي في أرض الحرمين، سلسلة من الهجمات ضد الحكومة وأهداف غربية في المملكة. وفي عام 1996 تعرض مجمع للجنود الأمريكيين في الخبر لهجوم أدى لمقتل 19 من المارينز، ومع أن السلطات الأمريكية حملت إيران المسؤولية إلا أن ابن لادن مدح الهجوم وأثنى عليه.
وكانت آخر مرة عمل فيها الجنرال وولكر في السعودية هي عام 1997 حيث قال إن “الريح والغبار هي نفسها”. وقررت الولايات المتحدة سحب قواتها من السعودية عقب غزو العراق الذي أطاح بصدام حسين مما أغلق فصلا مشحونا في العلاقات الأمريكية- السعودية. وتم نقل القوات الأمريكية لمركز جذب جديد في المنطقة وهي قطر، مما جعل القادة السعوديين يتنفسون الصعداء وحررهم من عبء استقبال قوات أجنبية كان وجودها مصدرا للسخط الشعبي. وقال بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع السابق، في تصريحات لمجلة “فانيتي فير” وقت الانسحاب: “كان وجودهم وعلى مدى 12 عاما مصدرا للمصاعب الضخمة لحكومة صديقة”، مضيفا: “كان وجودهم أداة تجنيد كبيرة لتنظيم القاعدة”.
ويرى الكاتب أن ارتياح السعوديين لخروج الأمريكيين تحول إلى مصدر قلق بعدما لم يعودوا موجودين. فواحد من الأهداف المركزية للوجود الأمريكي في السعودية هو منع هجمات إيرانية متكررة مثل الهجوم الذي تعرضت له المنشآت النفطية في أيلول (سبتمبر) 2019. وأدى الهجوم إلى شل عملية إنتاج النفط وهدد إمداداته العالمية. وحمل المسؤولون الأمريكيون والسعوديون إيران المسؤولية، إلا أن الحكومة الإيرانية نفت أية علاقة لها بالهجوم.
واستخدمت في الهجوم طائرات بدون طيار وصواريخ ضربت مرة واحدة منشأة أبقيق النفطية وخريص في شرقي السعودية. ويقول المسؤولون الأمريكيون الآن إنهم قاموا بتقوية الدفاعات الجوية السعودية لدرجة تستطيع من خلالها منع هجمات غارات جوية مثل تلك التي تعرضت لها في أيلول (سبتمبر)، والفضل يعود لنشر صواريخ باتريوت في السعودية، بما فيها بطاريتا باتريوت في قاعدة الأمير سلطان.
ويعترف المسؤولون الدفاعيون أن أنظمة باتريوت الدفاعية تكلف ملايين الدولارات وهي أداة مكلفة لوقف صواريخ كروز رخيصة أو طائرات بدون طيار. وقال العقيد توم نوبل، الذي يشرف على قيادة فرقة الدفاع الجوي التي تضم صواريخ باتريوت في القاعدة: “بعيدا عن رخص الطائرات بدون طيار فالصدمة والضرر الذي تتركه الطائرات المسيرة يتفوق على ما نراه الكلفة أو الرخص فيما يتعلق بأنظمة باتريوت الدفاعية”.
وتم تصميم نظام باتريوت لمواجهة الصواريخ الباليستية التي تحلق على علو مرتفع وليس صواريخ كروز التي تحلق على علو منخفض. وفي عام 1991 أرسلت الولايات المتحدة أنظمة باتريوت في أثناء حرب الخليج حيث كافح الجيش السعودي من أجل مواجهة صواريخ سكود التي كان يطلقها الجيش العراقي. وتقول الصحيفة إن سربا من مقاتلات أف-15 نقل إلى القاعدة وتقوم بطلعات ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا. ونقل السرب من الإمارات العربية المتحدة. فيما نقل عدد من الجنود الأمريكيين إلى السعودية بعد قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا العام الماضي.
عودة القوات الأمريكية تشير إلى ثقة القيادة السعودية وأنها تستطيع تجنب التطرف الذي نشأ بسبب استضافتها للقوات الأمريكية
ويقول الكاتب إن عودة القوات الأمريكية تشير إلى ثقة القيادة السعودية وأنها تستطيع تجنب التطرف الذي نشأ بسبب استضافتها للقوات الأمريكية. وقادت حملة ضد القاعدة وشبكتها إلى سجن آلاف من المتعاطفين معها ووضع أعداد كبيرة في برامج لإبعادهم عن التشدد.
وتقول الصحيفة إن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، حاول تخفيف القيود الاجتماعية والذي سمح للمرأة بقيادة السيارة وسمح بالترفيه الغربي ودور السينما والحفلات الموسيقية، كل هذا في محاولة لتغيير الأعراف الثقافية وإظهار وجه حديث للبلد. واعتقل ولي العهد عددا من الدعاة المرتبطين برجال الدين المحافظين. بل واستخدم القتال ضد المتطرفين لسجن نقاد الحكومة بمن فيهم رجال دين معتدلون دعوا للإصلاح وعارضوا التشدد.
ولم تختف بعد المشاعر المعادية لأمريكا في المملكة. ففي كانون الأول (ديسمبر) 2019 قام متدرب سعودي في قاعدة جوية أمريكية بفتح النار ضد زملائه وقتل ثلاثة منهم. وعبر المتدرب عن آراء معادية لأمريكا من خلال منصات التواصل الاجتماعي. وطردت وزارة الدفاع 16 متدربا بعدما كشفت تحقيقات عن علاقة بعضهم بالجماعات المتطرفة. ولم تقل الحكومة السعودية الكثير عن نشر القوات الأمريكية غير إصدار بيانات مقتضبة تعلن عن وصولها. ويقول سعوديون إنهم يدعمون عودة الأمريكيين. وتقول سوزان إسماعيل المستشارة الطبية في جدة: “أنا واثقة من أن هذا سيجعل السعودية أكثر أمنا”.
وفي الوقت الحالي يظل الانتشار الأمريكي في قاعدة الأمير سلطان في حدوده الأساسية. وسيقوم السعوديون ببناء طريق لخدمة الجانب الأمريكي في القاعدة، فيما يقوم الأمريكيون بإيصال الكهرباء لخيام الجنود واستبدال بعضها بكرفانات.
وفي كانون الثاني (يناير) وبعد الغارة الأمريكية التي قتلت الجنرال الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد، قام الأمريكيون بتشديد الحمايات حول القاعدة. ويقول الطيارون والجنود والعاملون على نظام الصواريخ في القاعدة إنهم يركزون على مهمتهم والظروف اليومية.
وكم سيظل الأمريكيون في السعودية؟ أمر يعتمد على عدد من العوامل والقرارات السياسية في واشنطن للمؤسسة العسكرية وتقييمها لحجم الوجود العسكري في المنطقة. ويقول الجنرال وولكر: “المملكة العربية السعودية اليوم مختلفة جدا عن تلك التي كانت قبل عشرين عاما”.
ستبقى القوات الأمريكية في السعودية مادامت إيران يحكمها نظام الملالي .