لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده جاريد مالسين قال فيه إن التقدم الذي تحققه قوات المعارضة السورية لنظام بشار الأسد يزيد من تأثير تركيا الجيوسياسي. وقال إن التقدم السريع الذي حققه مقاتلو المعارضة السوريون في الأيام الأخيرة يمنح تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي المزيد من القوة للحد من النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة، ولكنه يهدد أيضا بإحداث حالة من عدم الاستقرار على عتبة أنقرة.
وتتمتع تركيا بعلاقات طويلة الأمد مع المعارضة السورية التي دخل أفرادها مدينة حماة يوم الخميس واستولوا على ثاني أكبر مدن سوريا، حلب، قبل أيام.
ويمثل الهجوم التحدي الأصعب منذ سنوات لنظام بشار الأسد، الذي تدعمه موسكو وطهران.
تتمتع تركيا بعلاقات طويلة الأمد مع المعارضة السورية التي دخل أفرادها مدينة حماة يوم الخميس واستولوا على ثاني أكبر مدن سوريا، حلب، قبل أيام
وأضاف الكاتب أن التقدم العسكري سيقوي من تأثير تركيا على مستقبل سوريا، وبخاصة في ظل انشغال روسيا في الحرب بأوكرانيا وإيران التي تعيش مواجهة مع إسرائيل. وبات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وضع قوي للضغط على الميليشيات الكردية التي يعارضها وبعضها على علاقة مع الولايات المتحدة.
وأضاف مالسين أن الموقف القوي الجديد لتركيا قد يساعدها على اتخاذ موقف أكثر صرامة في المفاوضات مع روسيا وإيران بشأن مستقبل سوريا. فقد سعت أنقرة إلى تجميد الصراع من خلال التوصل إلى تسوية مع الأسد، وهي الآن تحث نظام الأسد على السعي إلى حل سياسي للصراع. كما يمنح الهجوم الذي شنه مقاتلو المعارضة، تركيا فرصة لمحاولة تخفيف الضغوط على حدودها الجنوبية.
فقد حوصر المقاتلون وأكثر من مليون سوري، معظمهم من اللاجئين، في منطقة في شمال سوريا. بالإضافة إلى ذلك، فر أكثر من ثلاثة ملايين سوري إلى تركيا خلال الحرب الأهلية، التي بدأت قبل أكثر من عقد من الزمان.
والآن، مع استيلاء المعارضة على المزيد من الأراضي، يأمل البعض في الحكومة التركية أن يجد بعض هؤلاء اللاجئين فرصة للعودة إلى ديارهم.
وتقول غونول تول، مديرة برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط بواشنطن ومؤلفة كتاب عن تعامل أردوغان مع الحرب السورية: “يريد أردوغان بالتأكيد تحويل هذا إلى فرصة. لقد أصبح الأسد ضعيفا. إن حجم الأراضي التي يسيطر عليها المقاتلون كبير جدا، وهو ما يمنح تركيا المزيد من النفوذ”.
وفي الوقت نفسه، يفرض تقدم المعارضة السورية المسلحة مخاطر جديدة على تركيا، بعد عدة سنوات من الهدوء النسبي في القتال. فقد كثفت روسيا والنظام السوري الغارات الجوية على حلب وغيرها من الأراضي التي يسيطر عليها المقاتلون في الأيام الأخيرة، وقد تؤدي العودة إلى القتال المكثف إلى إرسال موجات جديدة من اللاجئين إلى تركيا، بدلا من تخفيف الضغوط على حدودها.
قال محللون عسكريون إن الهجوم العسكري للمعارضة كان منظما جيدا، وهو مؤشر على التخطيط الذي من المرجح أن يمنح المسؤولين الأتراك الوقت لمعرفة المزيد عن الهجوم
وإضافة إلى هذا، فقد تسعى بعض الدول، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا إلى أنقرة وتطلب منها المساعدة في كبح جماح زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، وهو جهادي قال إنه تخلى عن التطرف. وصنفت الولايات المتحدة الهيئة كمنظمة إرهابية ولدى تركيا علاقة طويلة الأمد معها من خلال أجهزتها الاستخباراتية، على الرغم من أن أنقرة لا تسيطر بشكل مباشر على المجموعة.
وقالت الولايات المتحدة، حليفة تركيا في منظمة حلف الناتو، إن هدفها في الأزمة الحالية في سوريا هو التهدئة.
قال روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا: “يجب على الجميع العمل على التوصل إلى وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن. وهذا يعني إشراك الأتراك، وهذا يعني أيضا إشراك الروس والإيرانيين والحكومة السورية وإذا كان هناك وقف لإطلاق النار، فيجب أن تكون هيئة تحرير الشام بالتأكيد جزءا منه”.
وتضيف الصحيفة أنه بعد التراجع في البداية، انضمت فصائل معارضة أخرى مدعومة من تركيا إلى الهجوم الذي تقوده هيئة تحرير الشام ضد الأسد. وقاد هذا الجهد أيضا للاستيلاء على مناطق كانت تسيطر عليها فصائل كردية بالقرب من حلب، وهو ما يؤشر للكيفية التي ستستخدم فيها تركيا الموقف لصالحها.
وتشير الصحيفة إلى أن الرئيس التركي كان من أشد الداعمين للمقاومة المسلحة ضد النظام السوري بعد انتفاضة عام 2011، فقد سمح أردوغان للمقاتلين والأسلحة بالتدفق عبر الحدود التركية إلى سوريا. إلا أن الحرب سرعان ما أصبحت عبئا عليه، في ظل استمرار تمسك الأسد بالسلطة وبدعم من روسيا وإيران وسيطرة الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة على أجزاء من سوريا. وهو ما دفع تركيا لشن هجمات وإقامة منطقة نفوذ لها في الشمال.
إلا أن تدفق ملايين اللاجئين السوريين أدى لزيادة المشاعر المعادية للسوريين. وفي السنوات الأخيرة، غير أردوغان سياسته، وأغلق الحدود أمام اللاجئين وأطلق مفاوضات مع الحكومة السورية على أمل تسوية الصراع. وكجزء من اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020، نشرت تركيا قوات عسكرية في منطقة تحت سيطرة المقاتلين بمحافظة إدلب شمال سوريا.
وقال مسؤولون أتراك إن الحكومة لم يكن لها دور في دعم أو منح الإذن للهجوم الأخير للمعارضة. وقال وزير الخارجية التركي حقان فيدان في أواخر الشهر الماضي: “تركيا ليست متورطة في الاشتباكات في حلب”. وفي الوقت نفسه، قال أشخاص مطلعون على كيفية إدارة تركيا لعلاقتها مع هيئة تحرير الشام إن الحكومة ربما علمت بخطط الهجوم قبل الأوان. وتتواصل تركيا مع الجماعة من خلال أجهزتها الاستخباراتية وتدير حدودا مشتركة، بينما يعمل أفراد أتراك على الأرض في الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة.
وقال جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق في تركيا والمبعوث الأمريكي السابق للحملة العالمية ضد تنظيم الدولة الإسلامية: “هؤلاء الناس يعسكرون فعليا على مرمى بصر تركيا. لذلك كان من المفترض أن يعرفوا مسبقا أن هيئة تحرير الشام ستشن هذا الهجوم”.
وقال محللون عسكريون إن الهجوم العسكري للمعارضة كان منظما جيدا، وهو مؤشر على التخطيط الذي من المرجح أن يمنح المسؤولين الأتراك الوقت لمعرفة المزيد عن الهجوم. وقال ألبر كوشكون، المدير السابق للأمن الدولي في وزارة الخارجية التركية: “إن الروابط التي أنشأتها تركيا على مر السنين ووجودها على الأرض من شأنه أن يدفعني إلى افتراض أن تركيا لديها بعض المعرفة بالتطور التدريجي الذي كان يتخمر هناك”، و”فيما يتعلق بمعرفة وقدرة أنقرة على توقع الانهيار السريع للقوات السورية، فهذا سؤال آخر”. ولم ترد وزارة الخارجية التركية على طلب التعليق على ما إذا كانت تركيا قد حذرت من الهجوم.
وبحسب الرئاسة التركية فقد تحدث أردوغان يوم الثلاثاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقال له: “يجب عدم تحول سوريا إلى المزيد من عدم الاستقرار”، وإن تركيا تبذل قصارى جهدها لاستعادة الهدوء. وقال آرون شتاين، رئيس معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، إن تركيا تفضل استقرار الوضع من خلال اتفاق أوسع مع روسيا، جزئيا لتجنب تكرار مرحلة سابقة من الحرب حيث ساعدت الضربات الجوية الروسية في دحر المقاتلين وساهمت في تدفق اللاجئين. وقال: “وحدة الطيران الروسية هناك جاهزة تقريبا لقصف الخطوط الأمامية بالقنابل الانزلاقية” و”يريد الأتراك وقف ذلك”.