وول ستريت جورنال: مع توسع تأثير الصين العالمي تزداد الهجمات على مشاريعها ومواطنيها

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده كل من سعيد شاه، وشون هان وونغ، أشارا فيه للتحديات التي تواجه الصين في تطوير مشروع “الحزام والطريق”، حيث بات العمال فيه عرضة للهجمات في آسيا وإفريقيا.

وأشار تقرير إلى تفجير أم لولدين نفسها في نيسان/ أبريل أمام بوابة جامعة كراتشي، حيث قتلت نفسها وحرقت حافلة فيها ثلاثة أساتذة للغة الصينية، وسائق الحافلة.

وكان هذا واحدا من ضمن عدة هجمات ضد العمال الصينيين العاملين في آسيا وإفريقيا، وإشارة عن التحديات التي تواجه الصين وهي تضخ المليارات في العالم النامي وتوسّع تأثيرها.

وتعتبر الصين أكبر مقرض للعالم النامي، عبر مبادرة الرئيس شي جينبينغ “الحزام والطريق”. وقدمت الصين نفسها بالبلد المُحسن الذي يفيد البلدان التي تعمل فيها، وحاولت تمييز نفسها عن القوى الغربية. إلا أن بكين تواجه وهي تحاول توسيع تأثيرها حول العالم، تداعيات استعراض القوة بما في ذلك الفساد وسخط السكان المحليين وعدم الاستقرار السياسي والعنف.

وتمثل الصين بالنسبة للدول النامية أفضل فرصة لبناء وتطوير البنى التحتية. وواجهت الصين انتقادات لطرق توفير قروض غير متوازنة تجعل الدول النامية للديْن بدون أن توفر المنافع  للاقتصاد المحلي. إلا أن الصين واجهت أيضا مخاطر محددة، من عدم الاستقرار السياسي الفعلي إلى المخاطر على الأرصدة الصينية والعاملين في الدول التي أقرضتها الصين.

وقال يان سون، مدير برنامج الصين في مركز “ستيم صن” بواشنطن: “اكتشف الصينيون حقيقة أن هذه الدول غير المستقرة وبسياسة هشة”، مضيفا: “لو كنت ستعمل هنا، فستواجه هذه المشاكل”. وتتقبل بكين وجود قدر من المخاطر، وهي تحاول تنفيذ مبادرة الحزام والطريق، وهي مستعدة للعمل مع الحكومات الشريكة مثل باكستان لتخفيف التهديدات ضد المعارضة الصينية، كما يقول الخبراء. ويقول الزميل البارز في المعهد الإستراتيجي الوطني بجامعة تسينغوا: “لا نستطيع انتظار حتى تنتهي كل الهجمات الإرهابية لكي نبدأ بمشاريع جديدة”، مؤكدا: “علينا مواصلة العمل ودراسة الموضوعات، وفي نفس الوقت اتخاذ إجراءات وقائية”.

وأصبح رجال الأعمال والعاملون الصينيون في الدول التي تستثمر فيها الصين أهدافا مفضلة. وينظر للمواطنين الصينيين بأنهم أغنى من السكان المحليين. وفي بعض الأحيان، يحصدون الكثير من ثمار الاقتصاد في المنافع وفرص العمل التي خلقها الاستثمار الصيني. ففي حزيران/ يونيو، اختطف مسلحون تسعة عمال الصينيين في شمال- غرب نيجيريا أثناء عملهم في منجم. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، قام بلطجية لم يكشف عن هويتهم، بقتل صيني هناك، وفقا للقنصلية الصينية في لاغوس. وحثت القنصلية الشركات الصينية على استئجار حراسات خاصة وتحصين مناطق عملها.

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تهمين فيها الصين على صناعة المناجم، عبّرت الشركات الصينية عن مخاوفها من زيادة عمليات السرقة والاختطاف في الأشهر الأخيرة، وحثت بكين السلطات المحلية على زيادة الأمن في الأرصدة الصينية والعاملين بها. ويوجد حوالي 440 ألف عامل صيني يعملون لشركات تعهد صينية في آسيا، إلى جانب 93.500 في إفريقيا، حتى نهاية العام الماضي، بحسب جمعية المتعهدين الدوليين الصينية ومقرها بكين. وأحصت جمعية “أوكوس” ومقرها في واشنطن، 160 اضطرابا مدنيا في وسط آسيا في الفترة ما بين 2018 ومنتصف 2021 بسبب الصين.

وتعترف بكين بالمشكلة، لكنها لا تريد إرسال جيشها نظرا لسياسة عدم التدخل التي تنتهجها، حسب أليساندرو أردوينو، مؤلف كتاب “جيش الصين الخاص: حماية طريق الحرير الجديد”، وبدلا من ذلك، تستخدم الصين تكنولوجيا مثل أساليب التعرف على الوجه واستئجار مزيد من المتعهدين الأمنيين الخاصين.

واختارت الصين باكستان لكي تظهر من خلالها إنجازات مبادرة الحزام والطريق، وهي بلد تقيم معه علاقات عسكرية واقتصادية قوية، وضخت فيه 25 مليار دولار على مشاريع الطاقة الكهربائية وميناء. وزار رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، بكين هذا الشهر لأول مرة منذ توليه منصبه في نيسان/ أبريل، والتقى مع الرئيس الصيني حيث تعهّدا بمواصلة الشراكة.

وقال شي بحسب بيان وزارة الخارجية الصينية: “تنظر الصين لعلاقتها مع باكستان من منظور إستراتيجي طويل الأمد… ظلت باكستان أولوية للصين في دبلوماسيتها مع الجيران”. وعبرت بكين عن قلقها من سلامة المواطنين الصينيين، وتعهدت إسلام أباد بزيادة الأمن على بعض المشاريع واستيراد عربات مصفحة، حسب مسؤولين باكستانيين.

وبعد الهجوم على بوابة جامعة كراتشي، حاولت الصين إرسال عناصر من شركات التعهدات الأمنية الخاصة، إلا أن إسلام أباد التي توفر 30 ألف جندي لحراسة الصينيين، رفضت الطلب.

وكان الهجوم الانتحاري قد استهدف حافلة لمدرسين صينيين عادوا للتو من تناول غدائهم ويعملون في معهد كونفوشيوس، وهو جزء من شبكة لتدريس اللغة الصينية وثقافتها. وكان من بين الأساتذة الذين قتلوا، هوانغ غوبينغ، الذي ساعد على إنشاء البرنامج قبل عقد. وقال هوانغ في حينه: “كراتشي هي موطني الثاني”. وجُرح مدرس آخر بشكل بليغ، حيث نقل وانغ يوكينغ إلى الصين للعلاج، وعاد 11 مدرسا آخر يدرسون في كليات ومدارس مختلفة بالمدينة إلى الصين.

 وأعلن جيش تحرير بلوشستان، الذي يعتبر من أكثر الحركات الانفصالية دموية، مسؤوليته عن الهجوم.

وفي أيلول/ سبتمبر، هاجم مسلح عيادة أسنان يديرها صينيان تربّيا في باكستان. وأطلق المسلح النار على الصيني وزوجته وكلاهما في سن السبعين، وقُتل عامل الخزينة. وأعلنت جماعة مسلحة المسؤولية عنه. وتعيش باكستان وسط اضطرابات سياسية بين الحكومة الحالية ورئيس الوزراء السابق عمران خان. وتواجه معدلات عالية من التضخم، وشهدت فيضانا، وحصلت قبل فترة على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي. وكان من المفترض أن يؤدي الاستثمار الصيني في باكستان إلى نتائج اقتصادية كما يقول مسؤولو البلدين. وتعهد شريف باستئناف مشاريع الحزام والطريق بعد توقفها في ظل حكومة خان التي تسائل وزراء الحكومة عن حيوية بعض المشاريع، وإن تم دفع رشاوى في مشاريع بناء طرق، وهي مزاعم تنكرها بكين بقوة.

وفي منطقة بلوشستان، حيث يقع ميناء غوادار الذي تحدثه بكين، هناك خطط لبناء مطار. وترسو في الميناء ثلاث سفن في الأسبوع، ويقيم فيه 28 صينيا إلى جانب الطاهي، حسب جانغ باوجونغ، مدير موانئ الصين الخارجية القابضة التي تدير الميناء. ويقول السكان الذين يعانون من مشاكل عدم توفر مياه الشرب والكهرباء، إنهم لم يروا منفعة من توسيع الميناء. وقاد هداية الرحمن بلوش، رجل الدين الذي فاز حزبه في الانتخابات المحلية هذا العام، حملة ناجحة استمرت لسنوات حاول فيها إقناع السلطات المحلية بعدم جرف أجزاء من المدينة لتوسيع الميناء، وتساءل: “ماذا يعني التطوير؟ لا توجد كهرباء، ولا صحة ونحن عطشى”.

وكانت إسلام أباد تأمل بتحفيز القطاع الصيني الخاص وبناء مصانع، لكن بعد حادث كراتشي، قرر الكثير من رجال الأعمال إلغاء استثماراتهم في ميناء غوادار، كما قال جانغ. وقال مدير الميناء: “الأثر كان سلبيا”. وقال رفائيل بانتوشي، مؤلف كتاب “صينوستان” حول التأثير الصيني في الدول ذات الغالبية المسلمة، إن هدف الحزام والطريق هو تنمية الاقتصاد والمساهمة في الاستقرار. و”الحقيقة أنها لا تخفف دائما مشاعر الغضب لدى الناس”. مضيفا: “باكستان هي سمّ متخمر للصين التي أصبحت العدو الأول لعدد من الجماعات المتشددة على الأرض”.

ويعتبر جيش تحرير بلوشستان منظمة علمانية، ويتهم الحكومة باستغلال مصادر المنطقة الطبيعية، بدون نفع للسكان المحليين. وجاء في فيديو بعد هجوم كراتشي: “شي لا يزال لديك وقت للخروج”. وفي العام الماضي، حمّل متشددون في شمال البلاد، سيارة بالمتفجرات، وهاجموا حافلة كانت تقلّ عمالا صينيين كانوا في طريقهم لموقع بناء سد، وقتل في الهجوم تسعة صينيين وأربعة باكستانيين.

وأصدرت محكمة باكستانية هذا الشهر، حكما بإعدام شخصين من طالبان باكستان لدورهما في الهجوم، مع أن الحركة لم تعلن مسؤوليتها عنه. وفي عام 2021، حاولت طالبان باكستان اغتيال السفير الصيني في إسلام أبا،د حيث كانت سيارته بعيدة دقائق عن فندق هاجمته الحركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية