لا تزال المظاهرات المناوئة للتمييز العنصري في الولايات المتحدة الامريكية مستمرة. قد تؤدي هذه الاحتجاجات وما صاحبها من دعم في بلدان أخرى الى تغييرات سياسية وقانونية داخلية، إلا أن المؤكد هو أنها لن تمس السياسية الأمريكية الخارجية. كما لاتزال السياسة الخارجية كما هي توحد الحزبين الرئيسيين ولا يتطرق اليها غير قلة أما من الموسومين باليسار أو الذين يقسمون الأنظمة والدول في ارجاء العالم الى صنفين هما حلفاء الولايات المتحدة وأعدائها.
لا يخضع التصنيف الأمريكي للحلفاء والأعداء لمقياس أخلاقي أو إنساني او حتى القوانين الدولية في معظم الأحيان اذ ترتبط أمريكا بعلاقات وثيقة مع العديد من الأنظمة التي تتعارض قيمها وسياساتها مع الضمانات الدستورية الأمريكية للديمقراطية وحرية التعبير والحق في الإجراءات القانونية الواجبة والعديد من الأنظمة الأخرى.
ينعكس هذا التصنيف، بشكل كارثي، على علاقتها كقوة عسكرية كبرى مع شعوب دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية من بين الدول الأخرى التي تذوقت ولاتزال معنى «الصداقة» و«التحالف» و«التعاون» مع أمريكا، أو ما هو متعارف عليه بتسميات الاستعمار والاحتلال والغزو، أي الوجه الحقيقي للعلاقة.
ويوفر لنا «الحوار» الذي تم في الأسابيع الأخيرة بين الإدارة الامريكية والنظام العراقي، حول اتفاقية الإطار الاستراتيجي، والزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الى واشنطن، نموذجا عمليا وآنيا لكيفية انتقاء وتثبيت آلية «التعاون» الأمريكي مع «الحلفاء» بالإضافة الى القاء الضوء على مفهوم الانتقائية الأخلاقية والترويج الإعلامي.
لتوضيح نوعية «التحالف» الذي تأمل جهات عراقية أن تحصده من توقيع المعاهدات مع أمريكا، وما ستتمخض عنه زيارة الكاظمي، يجدر التذكير بأن أمريكا لا تقيم علاقاتها مع الشعوب حسب ما تصبو إليه الشعوب وتقاتل من اجله. من البديهيات أن أمريكا تعمل بالدرجة الأولى والوحيدة لمصلحتها وتعاونها مع الآخرين، سواء كانوا دولا ام حكومات ام حركات وتيارات مختلفة، يٌقاس بمدى الفائدة المستخلصة منهم. لذلك تُقيم أمريكا علاقات وثيقة مع خمسين نظاما قمعيا في العالم، من بينها عديد الأنظمة العربية التي توفر لحكامها الحماية ضد شعوبها مقابل استحقاقات تدفع لها عاجلا ام آجلا. ولا تجد أمريكا حرجا في استبدال الحليف بمن كان عدوا أو العدو بمن كان حليفا أو وحسب استراتيجية مكافحة التمرد ان تدعم « تمردا» ضد من كان حتى الأمس حليفا، بغية تغيير النظام.
الأمثلة من التاريخ القريب متعددة. كما التعامل مع حليف الأمس شاه إيران، واللعب على الحبلين بين العراق وإيران (1980 ـ 1988)، وبينما كانت سوريا مدرجة في قائمة وزارة الخارجية الامريكية للدول الراعية للإرهاب منذ عام 1979، الا ان هذا لم يمنع الرئيسين بوش وبيل كلينتون من توكيل الرئيس الراحل حافظ الأسد على لبنان، مثلاً، (حكم الأسد من عام 1971 حتى وفاته في 2000)
يتخذ الدعم الأمريكي للأنظمة القمعية مستويات متعددة. حيث تسمح، أو ترتب، أو حتى في بعض الحالات توفر التمويل لمبيعات الأسلحة الأمريكية إلى 41 من البلدان الخمسين ذات الأنظمة القمعية
يتخذ الدعم الأمريكي للأنظمة القمعية مستويات متعددة. حيث تسمح، أو ترتب، أو حتى في بعض الحالات توفر التمويل لمبيعات الأسلحة الأمريكية إلى 41 من البلدان الخمسين ذات الأنظمة القمعية، أي بنسبة 82 في المئة. في حالات أخرى، تقوم أمريكا بمهام «التدريب» و «الاستشارة العسكرية» إلى 44 من أصل 50، أو 88 في المائة، لأنه بالإضافة إلى بيعها (أو منحها) الأسلحة وتدريبها، توفر الحكومة الأمريكية أيضًا تمويلًا مباشرًا للجيوش الأجنبية. من بين الحكومات القمعية الخمسين، تتلقى 32 منها «تمويلا عسكريًا أجنبيًا» أو تمويلًا آخر للأنشطة العسكرية من حكومة الولايات المتحدة. بل وتمضي ابعد من ذلك في علاقتها ودعمها عن طريق انشاء القواعد العسكرية، هذه الأوجه المتعددة وثّقها الكاتب والصحافي الأمريكي دافيد سوانسون في بحث له حول درجات تعاون ودعم الولايات المتحدة للأنظمة القمعية، والتي يتطرق فيها أيضا الى تفاصيل التدخل العسكري ودرجاته من الحرب بالشراكة، الى الغزو والاحتلال وتأسيس حكومات قمعية، من مصلحة أمريكا المحافظة عليه، كما في العراق.
سياسة أمريكا الخارجية اذن ثابتة وواضحة. ما هو متغير هو شخصية الرئيس، فنعومة خطاب الرئيس باراك أوباما تختلف عن عنجهية وابتذال ترامب غير ان كليهما حافظا على جوهر السياسة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بمقدار وحدود الحماية التي توفرها أمريكا للحكام، الذين يتم انتقاؤهم كحلفاء، ومتى يصبح من الضروري التخلي عنهم واستبدالهم بحكام آخرين.
«الحليف»، اذن، من البلدان التي كانت مستعمرة او محتلة او المُستَغلة أو الخاضعة لحكومات قمعية بحاجة الى الحماية، هو المُتغير لا بالنسبة الى أمريكا، فقط، بل وبقية الدول العظمى ضمن تحالفات وصراعات ونزاعات متسارعة، بشكل مذهل، وخارج القوالب الكلاسيكية المتعارف عليها سياسيا وعسكريا. تُقاد بشكل حرب أهلية/ دولية متعددة الأطراف (يطلق عليها مصطلح نزاع او صراع تزييفا) في بلد واحد كما في سوريا وليبيا واليمن. وهي حروب أهلية بمعنى ان وقودها هم أبناء الشعب وثروة البلد، وهدفها إبقاء البلد ضعيفا من الناحيتين البشرية والمادية لتسهل السيطرة عليه، لأغراض استراتيجية، سواء من القوى الخارجية او النظام القمعي أو كليهما تحت مظلة «تحالف دولي». هي حرب دولية لمشاركة عديد الدول فيها وان لم تعد بالشكل التقليدي. حيث فتحت التكنولوجيا الحديثة والتقدم العلمي السريع في مجال تطوير السلاح والعتاد ابوابا واسعة لتقليل الخسارة البشرية في الجيوش الحديثة. فالطائرات بلا طيار والاستهداف الجوي والصواريخ المتطورة، بالإضافة الى العمليات الخاصة المرتزقة، بل واستخدام جنود وقوات «البلدان الحليفة» للقتال على ارض بلدهم، يشكل دافعا أساسيا في إصرار الإدارة الامريكية على سحب معظم القوات العسكرية واغلاق المعسكرات ذات التكلفة المادية والبشرية العالية، ما لم تقم الأنظمة الراغبة بحمايتها من دفع التكلفة بنفسها. مما يحول القوات الامريكية، مثلا، بهذا المعنى، أو فرقا منها، الى قوات مرتزقة مهيأة للاستئجار من أي نظام أو جهة في العالم. وهي قفزة نوعية في تغير معنى التواجد العسكري الأمريكي أو غيره من الدول العظمى في «البلدان الحليفة»، تثير سؤالا جوهريا يعيدنا الى ألف باء العلاقة بين المُستَعمِر والمُستَعمَر، في مرحلة التحرر الوطني، وهو ما هو الثمن الذي ستدفعه الشعوب حين تقوم الأنظمة القمعية بالاستجارة بمرتزقة الدول العظمى لحمايتها، وهل بإمكانها أن تنهض، من جديد، لتخوض حرب تحرير وطنية أخرى؟
كاتبة من العراق
الذي أنا متأكد منه هو أن أمريكا ستترك العراق لإيران, مقابل أن تترك إيران سوريا ولبنان!
الدليل هو بالسماح لروسيا في البقاء بسوريا لحماية الكيان الصهيوني!! ولا حول ولا قوة الا بالله
الأخت السيدة هيفاء زنكنه معروفة بمواقفها الوطنية
وهذا المقال يضع النقاط على الحروف .سياسة الأدارة الأمريكية الأستعمارية معروفة ولن تتبدل وعلى الشعوب ان تصحوا وعلى المثقفين المندفعين بالعشق الأمريكي ان يعيدوا النظر في مواقفهم .واول الشعوب المغلوبة على امرها هو الشعب الأمريكي. فهم كمن (يطلب من شثاثه عافية)