لم تدم طويلا فرحة احتمالية التخلص من بنيامين نتنياهو، المتربع على رأس الحكومة الإسرائيلية منذ نحو12 سنة، ليتفوق حتى على مؤسسي دولة الكيان الصهيوني في عدد سنوات الحكم. وأنا هنا أتحدث عن فرحة فشل تحالف اليمين، الذي يقوده نتنياهو في الحصول على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة المقبلة، بفضل الإقبال العربي على التصويت.
ورغم ذلك، سارت الأمور بما تشتهي سفن نتنياهو، وحالفه الحظ كما العادة، إذ سرعان ما دبّت الخلافات داخل تحالف «أزرق أبيض» بعد أن رفض اثنان من نواب التحالف اعتماد زعيمهم بني غانتس في تشكيل حكومة أقلية، بمساندة نواب المشتركة، وهددا بالانشقاق، وانشقا فعلا، وشكلا حزبا خاصا بهما، ما أفقد «أزرق أبيض» إمكانية تشكيل حكومة أقلية. فعزز هذا التطور من موقف نتنياهو، رغم عدم وجود أغلبية لديه.
ولعبت الانتهازية السياسية، والطموحات الشخصية لغانتس إلى توجيه الضربة القاصمة لـ «أزرق أبيض»، بقبول دعوة نتنياهو تشكيل حكومة طوارئ مناصفة وتبادل منصب رئاسة الوزراء. غير أن هذا الموقف لم يرق لحلفاء غانتس ليعود التحالف إلى مركباته الثلاثة «حوسن ليسرائيل» بزعامة غانتس وغابي أشكنازي حديث النشأة، والحزب الثاني «هناك مستقبل» برئاسة لبيد، الذي شارك في انتخابات عام 2013، وجاء في المرتبة الثانية بعد الليكود بعدد المقاعد، وشارك في الحكومة كوزير للمالية قبل أن ينسحب منها، والحزب الثالث هو «تيلم» بزعامة موشيه يعلون، وحافظ لبيد ويعلون على تحالفهما بـ16 مقعدا. وأصبح نتنياهو الذي سيمثل أمام المحكمة لمواجهة ثلاث تهم فساد في مايو المقبل يتفاوض من موقع القوة.
وجاء وباء كورونا ليصب أيضا في صالح نتنياهو، الذي لم يضيع دقيقة واحدة في استغلاله خدمة لطموحاته، فلعب على فكرة حكومة طوارئ يترأسها هو أولا لسنة ونصف السنة، لتنقل بعد ذلك إلى غانتس للمدة نفسها، لمواجهة الوباء، الذي بدأ يعصف بالبلاد، ولا تزال المفاوضات بين الطرفين مستمرة. وهناك في الأوساط الإسرائيلية من يعتقد أن نتنياهو قد يعطي غانتس أكبر «خازوق» برفض التنازل، متحججا بأسباب كثيرة، وقد يحل الكنيست ويدعو إلى انتخابات عامة، بعد أن يكون قد قضى سياسيا على غانتس. وإذا كان غانتس قد شق ما يسمى باليسار الصهيوني التقليدي، فجاء حزب العمل الذي فقد بريقه بقيادة عمير بيريتس، ليغرز في قلبه خنجرا مسموما، ويقضي عليه بقرار الانضمام إلى الحكومة، التي يجري التفاوض على تشكيلها، والأرجح أن يخرج بخفي حنين بعد التوافق بين غانتس ونتنياهو على تقاسم الوزارات.
ماأزال، من مؤيدي قرار القائمة المشتركة، دعم ترشيح غانتس لتشكيل حكومة أقلية في إسرائيل بدعم منها، لاستغلال هذه الفرصة الذهبية للتخلص من نتنياهو، المتربع على رأس حكومة هي الأكثر يمينية وتطرفا وعنصرية، واستيطانية، وتنكرا لحقوق الفلسطينيين في تاريخ إسرائيل. وكانت هذه فرصة للقائمة المشتركة، لأن تكون عنصرا حاسما وفعالا في الكنيست، وتلعب دورا أكبر في خدمة جمهور ناخبيها في الداخل وقضاياه الوطنية عموما. بالتأكيد لم يكن غرض المشتركة بكامل أعضائها من هذا الموقف، أو بالأحرى من هذا القرار، البحث عن منصب أو فائدة شخصية، وهذا كان واضحا منذ اليوم الأول لفوز القائمة بـ15 مقعدا من أصل 120، لأول مرة منذ بدء المشاركة العربية في الانتخابات الإسرائيلية. وبالتأكيد فإن القرار لم يكن نابعا من حب هذا التحالف، الذي يضم مجموعة من الجنرالات، تاريخهم أسود من السواد، وأياديهم ملطخة بدماء الشعب الفلسطيني. تحالف من ثلاثة أحزاب أحلاها مرّ، فالجنرال غانتس، الساذج سياسيا والضعيف الشخصية، كما يوصف إسرائيليا، كان رئيسا لأركان جيش الاحتلال من2011 وحتى2015 ، ما يعني أنه كان مسؤولا عن حربي2012 و2014 المدمرتين على قطاع غزة، التي راح ضحيتها نحو170 شهيدا في الأولى، ونحو 2000 شهيد في الثانية، ويداه مشبعتان بدماء شعبنا.
جاء وباء كورونا ليصب في صالح نتنياهو، الذي لم يضيع دقيقة واحدة في استغلاله خدمة لطموحاته
كما أن موقف القائمة المشتركة معروف من بقية أفراد عصابته، فالجنرال موشيه يعلون شغل منصب رئيس أركان من عام 2002 وحتى 2005، وكان مع شاؤول موفاز وزير الدفاع في حينه، مسؤولا عن حرب «الجدار الواقي» عام 2002، التي أعادت احتلال أراضي السلطة الفلسطينية، وارتكاب مجزرة مخيم جنين، وحصار الرئيس الراحل ياسر عرفات. وبعدها تولى منصب وزير الحرب 2007. وهو شخصية معروفة بتطرفها، فهو من وصف وجود الفلسطينيين على أرضهم بالسرطان، وهو شخصية دموية يؤمن بنظرية «إن ما لا يأتي بالقوة، يأتي بمزيد من القوة»، وهي نظرية سار عليها معلمه أرييل شارون جزار مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت 1982 ومرتكب مجزرة قبية غرب رام الله وسط الضفة في ليلة 14 أكتوبر 1953، وراح ضحيتها نحو67 شهيدا من الرجال والنساء والأطفال ومئات الجرحى. واختلف مع معلمه حول الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005. ولا يختلف عنهما الجنرال غابي أشكنازي، الذي شغل أيضا منصب رئيس أركان جيش الاحتلال من 2007 وحتى2011 ، وكان مسؤولا عن التخطيط وإدارة وتنفيذ الحرب الأولى على قطاع غزة في ديسمبر2008 ، التي راح ضحيتها نحو 1417 شهيدا وآلاف الجرحى.
فجميعهم بمعاييري الشخصية وكل المعايير والمقاييس الأخرى، قتلة ومجرمو حرب يجب أن يقدموا إلى محكمة الجنائية الدولية، ليدفعوا ثمن جرائمهم التي ارتكبوها ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك المجازر التي كانوا سيرتكبونها خلال وجودهم في الحكم.،
نعم لم يكن ترشيح غانتس «لسواد عينيه»، وإنما للتخلص من رئيس وزراء إسرائيلي حاقد وتحريضي، رئيس وزراء تجري العنصرية والكره للعرب في دمائه، التي ورثها عن والده، وكان هذا مطلبا واحدا من العديد من المطالب الأخرى منها، إسقاط ما يسمى صفقة القرن الأمريكية التصفوية للقضية الفلسطينية، ومطالب خاصة بالداخل الفلسطيني ومنها قانون هدم المنازل.
لكن سرعان ما تبخر حلم التخلص من نتنياهو، بتصدع تحالف اليسار الصهيوني، بسبب عدم احترام الوعود والعهود، وأيضا بفضل فيروس كورونا، الذي أصاب نتنياهو ولم يقدر عليه. والشيء بالشيء يذكر وفي سياق عدم احترام العقود والعهود والاتفاقات، اتصل رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، مع مدير الصحة العالمية، وطلب منه التدخل، كي يرغم سلطات الاحتلال على إجراء فحوصات لجميع الفلسطينيين العاملين في إسرائيل قبل عودتهم، إلى الضفة الغربية، مؤكدا على أن الاتفاق على ذهاب العمال لإسرائيل، كان يقضي أن يمضوا هناك شهرين قبل عودتهم، لكن الاحتلال لم يلتزم بالاتفاق وأعاد نصفهم. وهل التزمت دولة الاحتلال يوما باتفاقاتها، منذ توقيع اتفاق أوسلو طبعا وقبله وحتى الان.
وأختتم بخبر يتعلق بكورونا، فقد زودت دولة إمارات محمد بن زايد، دولة الاحتلال وما زالت بالعتاد الطبي الناقص، لمواجهة هذا الوباء، وربما وهبتها إياه بدون مقابل، تأكيدا على الكرم العربي، وحصلت إسرائيل على ما يزيد عن احتياجاتها، وهي ربما تفكر حسب وزارة الصحة الإسرائيلية، في بيع قسم منه مستقبلا لدول أخرى، وربما للدولة المزودة. واعجبي.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
استغرب قولك ( جاء وباء كورونا ليصب في صالح نتنياهو، الذي لم يضيع دقيقة واحدة في استغلاله خدمة لطموحاته ).وكأنّ التجمّع
الصهيوني لم يختاره ؟ التجمّع الصهيوني في فلسطين المحتلة أشد يمينية من نيتياهو نفسه..فجاء معبّرا عن ذلك اليمين المتطرّف فاختاره.
النتن ياهوا……أفضل خيار للمرحلة….سينهي “المهمة “….من حيث لا يشعر…..