ويل للعرب من شر قد اقترب

قد يظن البعض أن هناك مؤامرة مقصودة هدفها تخويف البشرية وإرعابها بما هو قادم من أهوال وكوارث. وتهدف هذه الحملة حسب الذين يحذرون منها إلى نشر ثقافة الخوف بين الناس من خلال «ترويجات مسمومة هدفها إضعاف وتدمير مناعة البشر، وهو استكمال لما تم إشاعتُه سابقاً في بدايات جائحة كورونا. وعندما تضعُفُ المناعة ُ يُصبح الإنسان هشّاً وعُرضةً لمعظم الأمراض، لهذا فإن ما يحدث من ترويج للرعب ليس بريئاً إطلاقا، فلم نعد نقرأ شيئاً على مواقع التواصل يفتح النفس، بل كله تقريع وتحذير وتخويف وتنبيه، وكأن هناك طائفة سُفلية تنثر سموماً فكريّةً هدفها تدمير مناعة البشر على مبدأ «امتصاص الصدمة».» لكن هل الأمر بهذه البساطة التي يروج لها البعض. بالطبع نحن قد لا نختلف معهم بأن هناك مؤامرة، فالمؤامرات هي في صلب السياسات تاريخياً أصلاً، ولا ننسى أن قاموس «روجيه» يعتبر كلمة «مؤامرة» أحد مرادفات «السياسة»، لكن أليس من السذاجة أيضاً التقليل من خطورة ما يُنشر هذه الأيام من تحذيرات وتخويفات؟ ألا يرى الذين يطمئنون الناس من أن هناك مجرد مؤامرة لبث الرعب، ألا يرون أن هناك مئات المؤشرات على أن القادم فعلاً مرعب ومخيف، وخاصة بالنسبة للعرب، وبالتالي أليس من الأفضل تحذير الشعوب من أن القادم أعظم بدل طمأنتها بأنها تواجه مجرد مؤامرة؟
هل نحتاج للضرب بالمندل أو التنجيم لنرى ما هو القادم ليس فقط في بلادنا، بل في كل أصقاع العالم؟ هل تريدوننا مثلاً أن نسترخي ونسخر من تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون عندما يقول للشعب الفرنسي إن «حياة الرفاهية قد انتهت، فاستعدوا للتضحيات»؟ هل يا ترى أن ماكرون يتآمر على شعبه ويريد أن يرعبه لمجرد التسلية، أم إن مثل هذا التصريح الرهيب فعلاً يجعلنا نضرب أخماساً بأسداس، ونبدأ نتساءل: «إذا كان الفرنسيون سيستعدون للتضحيات الجسام وهم يعيشون عيشة أفضل من عيشتها نحن العرب بعشرات المرات، فكيف سيكون حالنا ونحن نعاني معيشياً واقتصادياً واجتماعيا منذ عقود، وخاصة بعد موجة الانتفاضات الشعبية التي انتهت بكوارث معيشية واقتصادية غير مسبوقة تاريخياً، تماماً كما أراد لها أصحاب الثورات المضادة في الداخل والخارج؟
ماذا تريدوننا أن نفعل عندما نسمع محافظ مدينة لندن أشهر العواصم العالمية وهو يقول في تغريدة على «تويتر»: «نحن الآن نواجه وضعاً غير مسبوق في تاريخنا. ملايين البريطانيين هذا الشتاء سيكونون مخيّرين بين تأمين الطعام أو التدفئة، ومن سوء الحظ لا يستطيعون تأمين أي منهما». وإذا كان المواطن البريطاني سيدفع من الآن فصاعداً أكثر من سبعة آلاف من راتبه السنوي للكهرباء والغاز، فماذا يبقى له كي يدفع على باقي احتياجاته الأخرى وهو يحصل على راتب يزيد عن راتب الموظف العربي بعشرات المرات؟ فماذا سيفعل العرب المطحونون المسحوقون أصلاً إذا كان الغربيون سيدخلون المقصلة؟ لا شك أن الإنسان العربي الذي يعتقد أنه قد وصل تحت التحت سيتحسر على هذا المستوى من «التحت» قريباً، لأنه سينزل إلى ما تحت التحت بمستويات مرعبة. وللعلم فإن بريطانيا لم تتأثر بحرب أوكرانيا أبداً، وهذا وضعها، فماذا عن الأوروبيين الذين تأثروا منذ بداية الغزو الروسي؟

إذا كان الفرنسيون سيستعدون للتضحيات الجسام وهم يعيشون عيشة أفضل من عيشتها نحن العرب بعشرات المرات، فكيف سيكون حالنا ونحن نعاني معيشياً واقتصادياً واجتماعيا منذ عقود، وخاصة بعد موجة الانتفاضات الشعبية التي انتهت بكوارث معيشية واقتصادية

وإذا كانت بلدان مثل ألمانيا وفرنسا وبقية أعضاء الاتحاد الأوروبي ضحية للغزو الروسي لأوكرانيا وعواقبه الوخيمة التي دفعت بعض الأطباء الألمان للتفكير بالهجرة إلى الخليج، فماذا عن الولايات المتحدة البعيدة كثيراً عن أوروبا وروسيا وأوكرانيا، والتي لم تتأثر مطلقاً بنتائج الحرب؟ لقد كشف تقرير صحافي أمريكي النقاب عن بدء هروب الامريكيين من الولايات المتحدة إلى المكسيك بسبب التضخم المخيف. ويقدر عدد الأمريكيين الذين غادروا إلى لمكسيك في الأشهر الأخيرة بأكثر من خمسة ملايين، وهو رقم خيالي، ويقول أحدهم إنه كان يدفع ألفي دولار إيجار شقته شهرياً في أمريكا، أما الآن فإنه يدفع لمساحة شقة أكبر بكثير حوالي 800 دولار في المكسيك. وقد جاء الكشف عن هذا التقرير للتوثيق على حساب «أحداث أمريكية» على موقع «تويتر» وعدد متابعيه أكثر من مائة وخمسة وعشرين ألف متابع، وهو ينقل حصرياً أخباراً أمريكية. هل تريدون منا عندما نقرأ هذا التقرير المرعب أن نطمئن في العالم العربي المنكوب بألف نكبة وكارثة؟
لقد بدأ العرب يستيقظون شيئاً فشيئاً من سباتهم وبدأوا يتساءلون على ضوء هذه التحولات الدولية الرهيبة: ماذا سيكون وضعنا في قادم الأيام بعد أن بدأت البلدان التي تتحكم بالمنتوجات الزراعية والصناعية باحتكار تلك المواد أو التقليل من تصديرها أو رفع أسعارها إلى مستويات كارثية حتى لمواطنيها؟ عندما كنا نطالب العرب أن يستثمروا ثرواتهم بالصناعة والعلوم والزراعة، كانوا يقولون: ولماذا نُتعب أنفسنا إذا كان بإمكاننا أن نشتري السيارات والموبايلات وكل المنتوجات الصناعية والاستهلاكية من الصين والغرب والقمح والأرز وبقية الحبوب من روسيا والهند وأوكرانيا واستراليا؟ اليوم بدأوا يدركون أن المال لن يستطيع شراء كل المنتوجات الصناعية ولا المواد الغذائية لأنها ستكون إما نادرة أو سيحتكرها صانعوها ومنتجوها لأنفسهم. الهند مثلاً تفكر بمنع تصدير الأرز للعالم قريباً. حتى الصين التي كانت تُغرق الأسواق العالمية بالبضائع قد تبدأ باحتكار منتوجاتها. وحتى العرب الذين يمتلكون المال، فسيعانون حتى في شراء الكماليات والرفاهيات. وقد سألت قبل أيام مدير إحدى وكالات السيارات الألمانية الفاخرة في أوروبا: «لماذا لا أرى الكثير من السيارات عندكم في الوكالة»، فقال لي هامساً: «لقد طلبنا من الشركة في ألمانيا ألف سيارة، فقالوا سنرسل لكم عشر سيارات لكن بعد مدة طويلة». وقد بدأ الناس يقدمون طلبات لشراء سيارات لا يستلمونها إلا بعد سنة وأكثر أحياناً. والمضحك أن بعض أصناف سيارات مرسيدس الحديثة لا تحتوي على مميزات السيارات القديمة بسبب شح الرقائق الإلكترونية وندرتها أحياناً.
في الختام لن أجلد العرب أكثر من اللازم، خاصة وأن بعضهم لم يكن مسموحاً له بزراعة القمح في أراضيه، فما بالك أن يدخل عالم التكنولوجيا والصناعة، وبما أن العليق بكل الأحوال لا ينفع عند الغارة، حسبنا أن نقول بكثير من الأسى: ويل للعرب من شر قد اقترب.

كاتب واعلامي سوري
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول توفيق الياسين:

    تحية لك دكتور فيصل
    أتحدث عن العرب:
    ضنك العيش، وسفك الدماء البريئة، والتهجير القسري وانتهاك الأعراض، والتجويع.. كل هذه الأنواع من المعاناة الرهيبة التي يكابدها الشعب العربي سببها تحطيم السور الشرقي للأمة العربية بتمويل من البترو-دولار الخليجي ولا أظنك تجهل ذلك دكتور فيصل، أي أن “الأشقاء” موّلوا تدمير بلادنا، وقتلنا، وتهجيرنا! ولكن ممنوع تسليط الضوء على هذه الحقيقة.. فهل لك أن تفتح هذا الموضوع في برنامجك؟

    1. يقول محمد شهاب احمد:

      ساعدهم في ذلك صدام حسين
      لكن أتّفق معك .
      على العراقيين العمل على الحصول على تعويضات كاملة لكل ما تسبب به الغزو الإجرامي من قتل و دمار و تهجير من الغزاة و كل من عمل على تسهيل الغزو
      الكويت حصلت على كامل التعويضات جرّاء غزو عام ١٩٩٠ الأخرق ، و العدالة تحتّم أن تدفع هي تعويضات للعراقيين جراء فتح أراضيها للغزاة
      أعمال صدام حسين الخرقاء و جرائمه لا تبرّر جريمة غزو العراق

  2. يقول إبسا الشيخ:

    تحياتي لك دكتور فيصل

  3. يقول ميساء فلسطين:

    ويل للعرب من شر قد اقترب، هذا جزء من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان نائما في بيت ام سلمة و رأى أن فتحة في سد يأجوج ومأجوج قد حدثت، ومنذ أكثر من 1400 سنة، والحديث صالح لكل زمان ومكان ?????

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها: أن النبي ﷺ دخل عليها فزعا، يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث. متفق عليه.
    وقال أبو بكر الصديق : أيُّها الناسُ إنَّكم تقرؤونَ هذهِ الآيةَ { يَا أَيُّهَا الذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } وإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ إنَّ الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخذوا على يدَيهِ أوشكَ أن يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقابٍ منهُ. صحيح الترمذي

  5. يقول هوزان هكاري:

    قبل اكثر من قرن ونيف قالها ابراهيم اليازجي
    (تنبهوا واستفيقوا ايها العرب
    فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب )
    كل هذه المدة الطويلة العرب لم يستفيدوا من
    دعوة اليازجي الان الويل قد اقترب.

  6. يقول Achouri boualem:

    السلام عليكم
    انه تقرير مخيف لكنه يعكس الواقع العالمي الآن. لابد أن تقال الحقيقة ولو كانة مرة.

  7. يقول موفق الزعبي --الاردن:

    وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ….ويقول عز وجل ….ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر لعلهم يرجعون….هذا كلام الخالق مالك الكون الذي يقول للشئ كن فيكون وبما اننا اعلنا الحرب مع الله بالمجاهرة والتباهي بالمعاصي فأبشروا بحرب من الله ورسوله

    1. يقول عبد الكريم البيضاوي:

      الأخ موفق:

      في باكستان قتلت مياه الفياضانات أكثر من 1200 من البشر هل تظن أن ليس فيهم أناسا مؤمنين صالحين قتلوا, ربما لم يقدم أحد منهم على ذنب أو معصية طيلة حياته ؟

  8. يقول سامح //الأردن:

    *معظم الشعوب العربية (منكوبة) وتكتفي
    بالقليل وبالتالي اكتسبت مناعة قوية ضد
    جميع المتغيرات.. سبحان الله.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد.

  9. يقول أبوعروة:

    لم العمل
    ليس العمل بذي قيمة لمن تعودعلى التسول، فإن كان للغير حاجة عند ذلك المتسول أو خدمة ما يؤديها لهم فقد يهبه هذا الغير صدقة أو ييسر له قرضا طويل الأمد، ولو كان لهذا المتسول إلاً على احد قام بابتزازه وإلا000،وقد يقوم المتسول بما يراه مناسباً لإسكات من يعول إن رأوا شيئا غير الذي يراه ، فقد تلومه زوجته على تركه الأرض التي ورثها عن والده دون حرث او زرع حتى غدت بوراً يصعب استصلاحها، أو أن يبذل جهداً في صيانة عين الماء التي أنعم بها الخالق عز وجل لتلك الأرض، وعند ذلك ينتفض المتسول صارخا بمن يعول بأنه ما دامت الأمور ميسرة من الغير فلم التعب وقلة الراحة فالمياه متوفرة لبيتة من بئر الجيران جزاهم الله خيراً ، والعيش متوفر من فضل الأجاويد ومن الهبات او القروض التي تيسرت لنا

  10. يقول محي الدين احمد علي:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . اتفق مع حضرتك فيما تقول فعلا الانسان في جميع اوقات اليوم من الصباح حتي المساء والاخبار لا تسر عدوا ولا حبيب لدرجة بحكم سني زوجتي نصحتني بعدم سماع نشرة الاخبار لعدم وجود خبر يسر وفعلا اوقفت رؤية نشرة الاخبار وتحسنت بعض الشيء . ولكني لم اتوقف عن الجرائد وطلبت مني بعد فترة اوقف قراءة الجرائد وطبعا رفضة واعلنت العصيان المدني . وانا متأكد يوجد مؤامرة علي الكرة الارضية ونحن العرب جزء من هذا العالم , و رغم فقر بعض الدول العربية ولكن يوجد دول مثل دول الخليج الفولس عندها في بنوك وانا لا اطمع في ما عند الاخر اعوذ با لله ولكن ممكن العالم العربي يتمكن من الاكتفاء الذاتي من عنده المال يتزاوج مع من عنده الايدي العاملة ويتم انشاء منطقة صناعية يتم الاتفاق على المكان بدون حساسية لصناعة كل ما يحتاجه الانسان في عالمنا العربي وممكن أيضا التصدير ويوجد ارض السودان كافيلة بزراعة ما يحتاجه العالم العربي ولكن ينقصهم المال , ولكن هل يوجد بين الاخوة ثقة . الله واعلم . وشكرا

1 2 3 5

إشترك في قائمتنا البريدية