يسأل المذيع النشط على شاشة فضائية «المملكة» الأردنية: ما هو الآتي ربما؟ ما هي السيناريوهات المطروحة؟
تلك أسئلة ستوجه عن «الإخوان المسلمين» بطبيعة الحال، حيث لا يجيب عليها أحد بقدر زميلنا سميح المعايطة، الذي أصبح ظهوره على مسرح الإعلام فجأة مرتبطا بتوقع أسوأ سيناريوهات مع الإخوان المسلمين حصرا، بدليل أنه سأل على الهواء عن «تنظيم مسلح».
على جبهة قناة «اليرموك»، حيث الحركة الإسلامية هدوء غير فعال مع عودة طبقة كاملة إلى الظهور مجددا، وهي تعزف لحن التأزيم والتوتير وشيطنة الإخوان، لأن «بعضهم» اجتهد إعلاميا وطاش على شبر من المياه.
قد يكون أخطأ قياديان في الحركة الإسلامية بالتسرع بإصدار تصريحات غير مبررة، ولا تعكس الحقيقة عن عملية البحر الميت.. الخطأ هنا واضح وضوح الشمس، وصعب تبريره، لكنه في النهاية خطأ وسوء تقدير وجهل في التحليل إن شاء القوم.
هنا أخطأ الإخوان
ليس أكثر من ذلك ولا أقل ولا يستوجب الأمر «تكشيرة مذيع» على قناة «المملكة» ولا إيحاءات على شاشة التلفزيون الحكومي.
المطلوب وبسرعة جلسة حوار وطنية مع القيادات العاقلة في جماعة الإخوان المسلمين، وتجاهل المتسرعة، تطرح فيها الدولة أسئلتها بدون خجل وضمن الأولويات والتحديات، ويقول الإخوان بدورهم ما لديهم من تصور لحماية الأردن.
جميع الأردنيين حول مؤسساتهم والحركة الإسلامية في قلب التعبير عن نبض الشعب الأردني، والرسالة التي يتوجب أن تظهر الآن، ليس تلك التي تقترح «حل البرلمان» وتأجيل الديمقراطية ومسار التحديث، بل تلك التي تقول إن الدولة ستواجه التحديات الداخلية والإقليمية بالمزيد من الديمقراطية والانتخابات والتحديث، بدلا من الاسترسال في منطق»نكاية بالطهارة.. إلخ».
تأثرت زميلة لبنانية على شاشة «أم بي سي» بدعوات الصدام مع الإسلاميين وتعاطفت مع النشامى، وظهرت تقول في برنامجها «بلاها الانتخابات.. شو استفاد الأردن منها؟!
بلاها الانتخابات
طبعا، يعلم الجميع أن الانتخابات «قوة إضافية» للدولة قبل الناس، وللعلم من يرتكب الجرائم بحق شعوبنا اليوم في كيان العدو مزنر بتلك الديمقراطية التي تشرعن الوحشية والهمجية، لكي تفتك بنا ودرب مغادرة مثلث الهزيمة قد يبدأ حقا مع الديمقراطية، التي يقترح البعض التنازل عنها في عمان نكاية بالإخوان المسلمين.
ما علينا، المضحك في المشهد الأردني اليوم أن المحطات والإذاعات التي تهتف لشيطنة المقاومة والتحذير منها ليلا نهارا لا أحد في الشارع يعبر حتى لمصافحتها.
الشهداء يوحدون الناس
موجة بشر أردنيين غير مسبوقة تلتقي بالصدفة بالقرب من منزل شهيدي عملية البحر الميت، وسط العاصمة عمان، ثم يبدأ الهتاف، الذي كان يهز الوجدان، عندما نسمعه في الضفة الغربية والقائل «يا أم الشهيد نيالك.. يا ريت أمي بدالك».
بصراحة، ورغم متابعتي التلفزيون الحكومي منذ نصف قرن لم أسمع أردنيين يهتفون بهذه الأمنية، حتى أن قناة «الجزيرة» أيضا تجولت وسط الهتافين، ويمكن عبر شاشتها اشتمام رائحة «أمهات الشهداء».
هؤلاء الذين جمعتهم الرغبة في تحية أم شهيد البحر الميت، لم يجمعهم لا تنظيم الإخوان المسلمين، ولا عصابة «اللهو الخفي»، هؤلاء أردنيون عابرون لكل الأحزاب، تجمعوا بالقرب من منزلي شهدين باسم النشامى، لتوجيه التحية، فحملوا الأب على الأكتاف وجالوا به، ثم خاطبوا أم الشهيد باللهجة، التي عبرت نهر الأردن بوضوح من ضفته الغربية إلى ضفته الشرقية.
استعارة أمنيات أمهات الشهداء في حواري عمان تطور لافت ومهم، لكن سببه بالتأكيد ليس الهتاف ليحيى السنوار، في المحافظات ولا خطبة مسجد معان الكبير الأخيرة، وليس سبب تلك الاستعارة أبدا خطط ونوايا الإخوان المسلمين، بل المذابح الهمجية، التي ينفذها الإسرائيلي ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني.
من نحن؟
في اختصار، ومن الآخر الشعب الأردني يتصرف الآن على أساس أنه سيؤكل يوم أكل الثور الأبيض.
من يريدون اختصار المسألة بما قالته شاشة «المملكة» عن تساؤلات للإخوان يمكنه أن يحصل على جائزة «تجاهل الحقيقة»، ومن غير المعقول أن نطارد من يؤمنون بحتمية الصراع مع اليمين الإسرائيلي في عمان، فيما نترك توازنات الخوف والقلق تلتهمنا.
لجأت محطة «الحدث» مؤخرا إلى بث تقرير يؤسس للفوارق بين عملية السائق الشهيد ماهر الجازي وعملية البحر الميت، حيث إن شابين بقرار منفرد نفذا العملية، والهدف هنا طبعا «إدانة الإخوان المسلمين» مسبقا واتهامهم، الأمر الذي لم يعد منتجا ولا مفيدا، لأن مطحنة الجريمة الإسرائيلية المتجولة الآن قادمة لا محالة وأفضل سلاح في مواجهتها مصالحة عميقة وصريحة مع الإسلاميين والشعب والدولة.
لذلك نقترح على المسؤولين والوزراء، الذين تلتقطهم كاميرا التلفزيون الرسمي، وهم في الممرات ويرسمون «الانفعال» من باب الاستياء البيروقراطي التخفيف من «التمثيل» الإعلامي والتركيز على العمل الذي تجيده الحكومة ضمن صلاحياتها.
النقاش، الذي كشفت عنه عملية البحر الميت البطولية مؤخرا، يحتاج لوقفة تأمل لكي نحدد أكثر في ظل الخريطة، التي تتغير في المنطقة، من نحن وماذا نريد وكيف نصل إلى الأهداف ومع من؟
مدير مكتب «القدس العربي»: في عمان