يتكلم اللغتين بوجهين

حجم الخط
0

حينما يئست حكومات اسرائيل من النصوص المزدوجة لياسر عرفات، الذي اعتاد ان يقول بالعربية شيئا لجمهور عربي، وشيئا مختلفا بالانكليزية لجمهور اسرائيلي أو امريكي ـ بدأت تطلب اليه أن يتكلم لغة واحدة بقولها: قُل بالعربية ما تقوله بالانكليزية وحينها سنصدقك.
وُلد شبيه جديد لعرفات ـ لا يتلعثم في كلامه، وهو حليق الذقن يرتدي بدلة وربطة عنق ـ لكنه ذو اسلوب مشابه. فهو يقول لصحيفة ‘نيويورك تايمز’ بالانكليزية الحقيقة، ويشتكي في العبرية من أنهم لم يفهموه، فهو يعلن لصحيفة ‘نيويورك تايمز’ أنه لن يتخلى عن إحسانات للمستوطنات، لأنه لا سبب لوقف البناء في المناطق، وأنه لا يرى محمود عباس شريكا وأنه يوافق في الأكثر على دولة فلسطينية في حدود مؤقتة ‘لسنتين أو ثلاث أو خمس’ (وتعوزنا هنا كلمة ‘الى الأبد’)، لكنه وزع بالعبرية مُخدر المسيرة السياسية بالمجان، ‘لن أجلس في حكومة لا تُدير مسيرة سياسية’ و’دولتان للشعبين’، ولآلئ اخرى جعلت مُجلّيه ينظرون اليه بعيون مغرورقة ويتوسلون من اجل وجبة اخرى من المخدر.
اعتاش أفّاقون في شوارع نيويورك قبل سنين على حمل لافتات كرتونية مزدوجة على أكتافهم، نشروا على وجه من وجوهها دعاية معجون أسنان، وعلى الوجه الآخر دعاية شراب من المشروبات الخفيفة. وتطورت تقنيات النشر منذ ذلك الحين وجاءت اللافتات الالكترونية بدل اللافتات الكرتونية، وهي التي كانت تُبدل كل بضع ثوان الدعاية. وقد أحدث يئير لبيد ثورة في صناعة لافتات الشارع، لأن شعاراته المتناقضة تظهر في الآن نفسه وكل زبون حرٌ في أن يختار منها كما يشاء.
هل يوجد اقتطاع من ميزانية المعاهد الدينية أم لا يوجد اقتطاع؟ اختاروا أنتم. هل يوجد مس بالطبقة الوسطى أم لا يوجد؟ يوجد ولا يوجد ايضا. أو ربما يوجد اقتطاع من ميزانية الامن؟
إنه موجود بيقين، لكن تمهلوا لحظة لماذا يكون الاقتطاع أصلا؟ إنه سيُستكمل بعد سنتين مع زيادة كبيرة.
وحان الآن دور المسيرة السياسية لأن لبيد ليس وزير مالية فقط، بل هو سياسي ايضا، وإنه شق طريقه الى قائمة ‘مئة الاشخاص المؤثرين’ في مجلة ‘تايم’. لبيد مع الزوجين اوباما، ولبيد مع كيم جونغ أون حاكم كوريا الشمالية، ومع بيونسيه ايضا، لكنها تُحسن الغناء. وأنسب منها ليكون مصاحبا للبيد في القائمة المجيدة الممثل دانيال دي لويس، فهو الذي يجب ان يكون فتى غلاف لبيد.
إن دانيال كهانمان الفائز بجائزة نوبل، الذي كتب في جملة ما كتب، كتابه الآسر ‘التفكير سريعا وبصورة بطيئة’، أوجد عبارة ‘ما تراه هو كل ما يوجد’. وهو يُبين أننا ننشئ قصة أو تقديرا لانسان أو شركة اعمال من المعلومات القليلة فقط الموجودة لدينا، ولا نُمكّن معلومات لا توجد عندنا من التأثير في تقديراتنا. ويقول إن الزعماء هم أفضل المنتجين لقصص تعتمد على معلومات قليلة، سواء أكانت صحيحة أم لا.
ومن حسن الحظ أن الجمهور يجب الا يعتمد على معلومات محدودة كي يصوغ تقديره للبيد. فقد انفجرت المرحلة الغامضة والسحرية التي غذّت الوهم الذي بُني على المعلومات القليلة التي كانت لنا عن لبيد قبل الانتخابات مثل فقاعة. وقد أصبح كامل روعة لبيد من خلفنا الذي بلغ اليه بلوغا حسنا بترديده نظريته السياسية في صحيفة ‘نيويورك تايمز’، بل إنه لا داعي حتى الى انتقاد كلامه لأنه لم يعرض لا نظرية ولا ايديولوجية ولا سياسة، انما مجموعة شعارات تلائم كل حدث، وقد أنكرها سريعا أصلا بالعبرية بالطبع لأن لبيد ليس ايديولوجيا وليس يمينيا ولا يساريا ولا من الوسط ولا من الأطراف. فلو وُجدت حرفة هندسي سياسي لاستطاع لبيد ان يُدرسها. قال لبيد إن ‘القدس ليست مكانا بل هي فكرة’، ومن المؤكد أنه أهلٌ للانضمام الى القدس فقد أصبح هو ايضا فكرة.

هآرتس 22/5/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية