في ضوء العلاقات بين الدول، التي ترتكز على القوة وانتهازية المصالح المكشوفة، وليس على علاقات حق أو عدل، يتمسكون بقناعات لا تعترف بتطبيق المبادئ الأخلاقية في التعامل الدولي، لأنها تعتبر أنّ الصراع والتنافس في العلاقات الدولية قائمان على القوة والمصلحة للدولة القومية.
والمؤسف أن تكون أغلب النزاعات التي يشهدها النظام العالمي تدور حول المنطقة العربية، وتؤثر في حاضر شعوبها ومستقبلهم. وقد تحوّلت الأزمات المالية من أزمات نقدية إلى أزمات استقرار اقتصادي وسياسي، تهدد مستقبل التنمية البشرية، من حيث عولمة الآثار السلبية لأية أزمة مالية، وتخطيها لمجالها الوطني والإقليمي. والعقل السياسي الراجح يدرك أنّه كان لتحرير الأسواق المالية والنقدية الذي أقرّته حكومات الدول الصناعية الكبرى، ولذلك الانفتاح المزعوم، توابع عديدة على حساب واقع الدولة المحلّي اقتصاديا واجتماعيا. أقلّها تقليص دور الدولة في الإنفاق على المشاريع الوطنية، والتفريط في المشروعات الكبرى للخواص. ما غيّب بشكل حتميّ العدالة الاجتماعية.
وتواصل القوى الدولية المتحكّمة في صيرورة العولمة، أو الكوكبة، محاولاتها من أجل عولمة الثقافة والتعليم والدين، وسائر مكوّنات المنظومة الحضارية، ما يعني سلخ الشعوب من هويتها المحلية وكيانها الحضاري التاريخي، ونسف استقلالها النسبي خارج دوائر وقيم السوق العالمية. مشروع نشر الديمقراطية كان عبارة عن اغتيال انتقائي، هاجسهم المتواصل فيه هو الحفاظ على النظام الأساسي للمجتمعات غير الديمقراطية، وتجنّب تغييرات على المستوى الشعبي، حتى لا تفقد واشنطن ودول أوروبية استعمارية السيطرة على النظام الاقتصادي والسياسي، فهُم يريدون أنظمة فاسدة متحكّم فيها، تُفسد في أوطانها في سبيل خدمة مصالح الأجنبي، وتحقيق منافع فئوية ضيقة. والغرب الذي تملّكته إرادة الهيمنة إنّما يخدم مصالحه الخاصّة، غير عابئ بهموم الشعوب وحقّها في الحياة الكريمة أو تقرير المصير. والدول الاستعمارية بوصفها صاحبة السلطان على الاقتصاد العالمي، تؤثر بشكل واسع في النظام الاقتصادي والاجتماعي للدولة الوطنية، من خلال القروض والتداين، الذي تشرف عليه الأذرع المالية للقوى الكبرى، وهي أساسا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفي الأثناء، يسوّقون كذبا للديمقراطية، في الوقت الذي يحاصرون فيه الاقتصاديات الوطنية، ويعمّقون أزماتها، في رغبة واضحة لجعل الشعوب المنتفضة ضد أنظمة الاستبداد والفساد، التي عرفت تحوّلا سياسيا، ناقمة بشكل أو بآخر على مصيرها المجهول، ومعاناتها الاجتماعية.. ويدفعونها إلى الحنين للنظام السابق الذي دعموه، وباركوا سياسته الفاسدة أو الديكتاتورية. ويخفون حقيقة أنّ فئات واسعة من الشعوب يتمّ التنكيل بها، وتدفع بشكل مستمر ثمن خيارات رأسمالية معادية للنظام الإنساني وللعدالة الاجتماعية، ومُغيّبة للحل الديمقراطي والمواطنة الحقيقية التي تحترم كرامة الإنسان. والمؤسف أن تواصل نُظم الحكم في المنطقة استسلامها اقتصاديا وثقافيا لهذا النظام المتردّي. ولا تبحث عن استراتيجية موحدة للحدّ من تداعياته. فالاستقرار لا يعوّل فيه على الدعم الخارجي من قوى دولية تحترف المقايضة وتخدم مصالحها، بل يُفترض أن يستند إلى التماسك الداخلي، وإلى شرعية المؤسسات التي تعبّر عن الشعب، وتتماهى معه، بعيدا عن الإملاءات الخارجية، وفتح الباب لمصادرة السيادة الوطنية واستقلالية القرار. والحياة السياسية الحقيقية تكون نتاج التفاعل الحقيقي غير المزيف بتوافقات مغشوشة بين الحاكم والمحكوم. وغير المبنيّ على تزوير عقول الناس والتلاعب بمصيرهم.
واشنطن ودول أوروبية يريدون أنظمة فاسدة متحكّم فيها، تُفسد في أوطانها في سبيل خدمة مصالح الأجنبي، وتحقيق منافع فئوية ضيقة
هناك من يرفض القول إنّ الأعراف الاجتماعية والسياسية قد استنفدت، ويشدّد على أنّ الديمقراطية فقط كما يراها الغرب الاستعماري، هي النظام السياسي الصحيح. في الوقت الذي خلقت فيه الوصفة الغربية للديمقراطية ديكتاتوريين مؤقتين، ومنظومة فاسدة ليست بأفضل حال من سابقاتها. خرّبت أوطانا، ودمّرت بنيتها الاجتماعية، ولم تُبق منها ما يدلّ على وجود دولة. فعلوا كل شيء ليضعوا شعوب المنطقة في خط مواجهة معهم، ولن يكفوا عن اعتبارها مصدر خطر عليهم، رغم ما ينسجونه من انفتاح دبلوماسي يراكم ذلك الربط الكاذب بين الديمقراطية والسلام، ويعزّز الأوهام التي زرعوها منذ غزو العراق، التي راهنوا من خلالها على إعادة صياغة المجتمعات بطريقتهم، وضبط تفاعلاتها وفق أجنداتهم، واحتواء النظام الرسمي، وجعله ينصت جيدا لتوصياتهم، ويطبقها بحذافيرها.. وحرصوا في كل مرة على استخدام الحجج الأخلاقية لإضفاء الشرعية على القرارات المتعلقة بالسياسات الخارجية وإعطائها شكلا مقبولا، بعد أن أبّدوا منطق الرعية، ودعموا حكاما فاسدين، واستخفوا بشعوب المنطقة، وفجّروا دولا من الداخل. فالحرب على العراق مثّلت البداية الفعلية لتركيز الإرهاب والفوضى، على امتداد جغرافي واسع من العالمين العربي والإسلامي. وبدل الديمقراطية التي نادى بها المحافظون الجدد، وادّعوا أنّ بلدان المنطقة تحتاجها، جاءت الفوضى بجميع أشكالها، لتنخر النسيج القومي الاجتماعي، وتغذّي الطائفية والتناحر المذهبي، ليصبح عنوان هوية سياسية بعد أن كان خامدا لوجود النظام السياسي على رأس الدولة الوطنية.
وحملة الكراهية في العالم العربي ضد الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية، لم تأت من فراغ. وقد زادت من تأجيجها، بالإضافة إلى حرب العراق، سياسات أمريكا تجاه المسألة الفلسطينية. فالولايات المتحدة الأمريكية تدعم الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عقود، وقد وجد الرئيس أيزنهاور منذ وقت مبكّر الإجابة من مجلسه للأمن القومي، عندما تساءل عن سبب كراهية الشعوب العربية للولايات المتحدة، الذي أخبره حينها أن معارضة الولايات المتحدة الأمريكية للتقدم الاقتصادي للدول العربية حماية للمصالح الاقتصادية هو السبب. وما من سبيل أمام واشنطن لتهدئة الصراع في المنطقة، والتقليص من حجم تلك الكراهية المتنامية ضدّها، سوى أن تتوقف عن رفضها الانضمام للإجماع الدولي المنادي بحق كل الدول في المنطقة بأن تعيش في أمن وسلام، بما فيها دولة فلسطينية على أرضها المحتلة. معوّقات كثيرة تحُول دون قيام الدولة الوطنية بأدوارها المفترضة. وحين يجتمع فساد منظومة الحكم مع سياسات الخنق المالي والتبعية الاقتصادية، من الطبيعي أن يتدهور سعر العملة الوطنية، ويتفاقم الكساد والتضخّم، وتزداد الأوضاع المعيشية تأزّما. وعلى الدول العربية العودة إلى تمتين روابطها القومية الجامعة كأمة واحدة، تستطيع أن تواجه تنامي القوميات الأخرى، وطموحها في الهيمنة والتوسع الإقليمي.. وتحد من سطوة القوى الرأسمالية التي يقودها النظام الامبراطوري الغربي وحليفه الصهيوني، فظهور الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة، كان لصيقا بحرب الهويات، التي باتت تمثل عصب فكرة احتواء المشروع القومي العربي وتفكيكه. ومنذ سنوات بدأت القومية المتطرفة ورهاب الأجانب، والنزعات الفاشية الناعمة في إعادة تشكيل المشهد السياسي في أوروبا والولايات المتحدة. وفعل ترتيب كيفيات بناء مجتمعات قادرة على جعل الإرادة والقانون والمؤسسات مبادئ محورية في نظام الحكم، والتخلّص من ويلات الفساد والتسلط والعنف والطائفية والانقسام، تبقى ممكنة إذا ما توفّرت العزيمة والرؤية والثبات وصدق القول والفعل.
كاتب تونسي
لا يخطىء الكثير من المتتبعين بالقول أن العالم الذي نعيشه بات كتلة واحدة متشابكة و مترابطة بحيث لا يستطيع شعب من شعوبه أن يعيش بمعزل عن الاخر او يحيا غير متاثر بما يجري في العالم من احدث و صراعات تلك الأحداث التي تحركها الدول العظمى فتجرف في طريقها الدول العشة و الضعيفة التي تخلفت عن ركب الحضارة و التقدم كما تجرف السيول تراب الأرض لقد خلا الزمن الذي انعزلت و انطوت فيه الشعوب على نفسها و اوصدت و اطبقت الابواب و ما لبثت أن رات الاقوياء يهشمون و يدمرون تلك الابواب و يغزونها و ينتزعون منها اعز ما تملك من اموال و ثروات و أرض و هذا ماحدث مع بعض الدول العربية.اما ديمقراطية بريمر فقد انتهجت امريكا مسلكا قياديا عنيفا لاعادة صياغة النظام العالمي و مواجهة المهددات العالمية و طبقت مفاهيم منها تغيير النظام و السيطرة الفاضلة و الاحادية السياسية و الاستثناء الامريكي . اما ديمقراطية ساندريلا فلو تكرمت استاذ العبيدي أن تشرحها لنا و لك الشكر و الامتنان .
الغرب تحدّث عن الديمقراطية في الشرق الأوسط ولا سيما في العراق وأكثر من ذلك في أفغانستان وتونس وليبيا … بلغة التعجرف والتعالي ولكن على أرض الواقع أيّد كل النتائج التي تصبّ في مصلحته وتتماشى مع أحكامه المسبقة. الغرب يريد ديمقراطية “سندريلا” بالفعل.(قصة سندريلا تحاول أن تجسد الأمل بالمستقبل وانتظار الحسنى بعد العذاب والأمل بحياة أفضل. هي استعارة عن القصة الشهيرة التي يحاول فيها الأمير البحث عن صاحبة الحذاء وقياسه. وفي هذه القصة أبعاد ورمزيات أخرى وفيها من الوشائج ما يشرّع تنزيلها مجازيا في سياق المقال أو عنوانه) جزء كبير من شعوب المنطقة أصبحوا يدركون جيدا أن الغرب يريد ديمقراطية على المقاس . فقط ما يخدم مصالحه ولا يهم من يحكم أو أي شكل سياسي يتّخذ وهذا ثابت تاريخيا ووثائقيا والأمثلة كثيرة. هي مسألة مستهجنة لدى شعوب المنطقة وقوّضت بشكل كبير مصداقية الغرب في عيون الصادقين والأحرار من الشعوب التي دفعت أثمانا باهضة ولازالت جراء سياسات الغرب وإرادة الهيمنة التي تتملّكه…
شكرا جميلة. دام حضورك